برّان برس- وحدة التقارير:
للأسبوع الثاني على التوالي، تشهد محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، والتي تضم أكثر من 70% من إجمالي النازحين في البلاد، أمطارًا غزيرة وعواصف رعدية شديدة مصحوبة أحيانًا بالرياح والبرد، مخلفة ضحايا من المدنيين، وأضرارًا كبيرة في المنشآت الخدمية، والمساكن، والممتلكات العامة والخاصة.
مراسل “برّان برس”، زار عدّة مخيمات نزوح بمدينة مأرب، ومديرية الوادي المجاورة، ورصد معاناة عدد من الأسر التي تضررت جراء الأمطار والعواصف والرياح خلال الأيام الماضية، موثّقًا بالصور جانبًا من هذه المعاناة.
يوضح التقرير السنوي للوحدة التنفيذية بمأرب للعام 2023، أن 63,623 أسرة نازحة تضم 458,085 فردًا يسكنون في 204 مخيم وموقع نزوح بمحافظة مأرب، من إجمالي 2,134,497 نازحًا في المحافظة.
في مهب الكارثة
من خلال المشاهد التي وثّقها مراسل “برّان برس”، فقد تعرضت جميع المخيمات لأضرار متفاوتة، وبرزت المأوي المكونة من الطرابيل والشبكيات والعشش كأبرز المساكن تضرراً بالأمطار والرياح العاصفة.
وتتنوع مساكن النازحين في محافظة مأرب بين “مأوى طارئ” (خيمة من الخشب والطرابيل مصممة للاستخدام فترة 3-6 أشهر)، و“مأوى مؤقت” (شبكيات حديد وطرابيل أو عشش ومواد محلية)، و“مأوى انتقالي” (كرفانة معدّة للاستخدام من 6 أشهر إلى سنتين). ومعظم هذه المساكن متهالكة، وبعضها تشرك أكثر من أسرة في خيمة واحدة، وفق تقرير الاستجابة الشهرية للمنظمة الدولية للهجرة (يناير 2022).
ويظهر تقرير الوحدة التنفيذية السابق، أن 142 مخيم، معرضة للكوار، منها 30 مخيم مهددة بالسيول، فيما 112 مخيمًا مهددة بالرياح والعواصف. كما أن 93 مخيمًا فقط تُدار من قبل كتلة الإدارة والتنسيق (CCCM)، فيما بقية المخيمات بدون إدارة، وهو ما يضاعف معاناة النازحين في ظل ضعف التدخلات الإغاثية والإنسانية.
حوض مياه
“أم عبدالرحمن”، في العقد الرابع من عمرها، تسكن بمخيم “الجفينة” للنازحين، أكبر مخيمات النزوح في محافظة مأرب، والبلاد عمومًا، قالت إن مياه الأمطار الغزيرة غمرت بيتها، وأصبحت الطرق إليه مغلقة.
تضيف “أم عبدالرحمن”، وهي أم لـ4 أطفال، في حديثها لـ“بران برس”، إن “المخيم تحول إلى حوض مياه، وتوقّفت الحركة فيه تماماً بسبب السيول والأمطار”.
وعن مسكنها، قالت إن جدار منزلها تشقق، ويكاد أن يسقط عليها وأطفالها الأربعة، فيما تسببت الصواعق الرعدية بقطع التيار الكهربائي .
ضحايا وأضرار
أدت الأمطار التي شدتها محافظة مأرب، الأحد الماضي (11 أغسطس/ آب) بوفاة 4 أشخاص على الأقل وإصابة 10 آخرين من النازحين، فيما تضررت 7179 أسرة نازحة جراء الأمطار والسيول.
ووفق الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب (حكومية)، فإن مأوى 2973 أسرة نازحة تضررت كليًا، فيما تضرر مأوى 4206 جزئيًا في عدة مخيمات. ويعد مكسن عائلة أم عبد الرحمن، واحدة من المساكن المتضررة جزئيًا.
وبيّنت الوحدة التنفيذية، أن عدد المخيمات التي تضررت جراء الأمطار والسيول بلغ 41 مخيماً موزعة بمديريات المحافظة، ومنها مخيمات “السويداء”، ومنطقة "الرويك" التي تبعد عن مدينة مأرب 95 كم، إلى الشرق من المحافظة.
مخاوف ومخاطر
وأثناء حديثها عن معاناة أسرتها وبقيّة النازحين في المخيم، جراء الأمطار، أبدت “أم عبدالرحمن”، مخاوفها من المخاطر الناجمة عن تجمع المياه في الممرات ومحيط المساكن داخل المخيم، خصوصًا وأن بعض المربعات تضم حفريات مغمورة بالمياه، ما تشكّل خطرًا على المارة، وبالأخص الأطفال.
ونقلت عن بعض النازحين قولهم إن إحدى الفتيات لا يتجاوز عمرها 10 سنوات سقطت في حفرة صرف صحي مغمورة بمياه الأمطار بالقرب من مسكنها، وتم انتشالها وقد فارقت الحياة.
وإضافة إلى ذلك، قالت إن تجمع مياه الأمطار “ينذر بكارثة صحية قد تفتك بأطفال المخيم، خصوصًا مع الأنباء التي تفيد بانتشار داء الكوليرا في الآونة الأخيرة”.
وطالبت “أم عبدالرحمن” السلطة المحلية والمنظمات والوكالات بالتدخل السريع لإنقاذ النازحين، كما طالبتهم بالإسراع في إعادة التيار الكهربائي، الذي قالت إنه انقطع في بعض القطاعات نتيجة الصواعق.
أمطار متواصلة وأضرار
التقى مراسل “بران برس”، صباح اليوم، العديد من النازحين، والتي تحدثوا عن معاناتهم جراء تساقط الأمطار.
وقال عدد من النازحين في الأطراف الشرقية والشمالية للمدينة إن الأمطار يوم أمس الجمعة استمرت زهاء 6 ساعات، وتسببت بأضرار جسيمة على مساكنهم التي أغلبها من الخيام و"الطرابيل" والقش.
ويقطن في مخيمات النزوح بمنطقة “الرويك” الصحراوية، أكثر من 5 آلاف أسرة نازحة من محافظة الجوف. وتظهر الصور أضرارًا فادحة تعرّضت لها خيام النازحين، وممتلكاتهم من غذاء ومأوى وغيرها.
وطبقًا للمعلومات، فإن من ضمن مخيمات النازحين المتضررة مخيم “الربوة”، الذي يقع في مدينة مأرب القديمة. إضافة إلى مخيمات أخرى متضررة في القطاعين الأول والثالث، ومنها مخيم السيما ومخيم جو النسيم، والتي شهدت إصابات جراء الأمطار.
صواعق قاتلة وأسر بلا مأوى
“إبراهيم العباسي”، نازح يسكن في مخيم السويداء، قال لـ“بران برس”، إن الأمطار الغزيرة ألحقت أضراراً بالغة بالخيام والكنتيرات في المخيم، مضيفًا أن السيول جرفت الخيام والكنتيرات بما في داخلها، متحدثًا عن المعاناة الإضافية التي سببتها للعديد من الأسر النازحة التي باتت بلاد مأوى ولا غذاء.
ووفق “إبراهيم”، فإن الصواعق الرعدية تسببت بقتل وإصابة بعض النازحين في المخيم، كما تسببت بإحراق عدد من الخيام. مؤكدًا أن “أغلب الأسر النازحة باتت في العراء دون مأوى”.
ومن ضمن المعاناة التي استعرضها “إبراهيم”، هي “توقف التيار الكهربائي جراء الصواعق الرعدية”، مطالباً الجهات المختصة والمعنية بسرعة التدخل لتوفير المأوى، وفتح الطرقات التي أغلقت جراء الأمطار والسيول.
“أسماء عبدالله” نازحة في ذات المخيم، قالت إن الأمطار الغزيرة جرفت الخيمة التي تسكنها، مضيفة أن الخيمة كانت تحتوي مطبخاً، وجرفت السيول كل ما فيها من أدوات ومواد غذائية.
وتحدثت “أسماء” عن حالة الخوف والهلع التي اعترت طفلها، جراء الصواعق الرعدية، وقالت إنه فقد الوعي حينها، وبسبب المياه التي غمرت الممرات لم تستطع أخذه للمشفى حتى اليوم الثاني. مضيفة أنها ذهبت به صباح اليوم التالي وأصبحت حالته الآن مستقرة.
وكبقيّة النازحين الذين تحدثوا لـ“بران برس”، طالبت “أسماء”، المنظمات الإنسانية والإغاثية لسرعة التدخل، وتعويض النازحين عما فقدوه، ووضع حلولاً سريعة للمياه الراكدة، لحماية الأطفال ومنع انتشار الأوبئة والأمراض داخل المخيم.
لا مساعدات
النازح “جلال عبده منصور”، حذّر من تفاقم معاناة النازحين المتضررين من السيول والأمطار والعواصف، وقال في حديثه لـ“بران برس”: “حتى الآن لم تصلنا المساعدات، ولكن تم النزول لحصر الأضرار ولكن حياتنا لا تتحمل التأخير”.
وأضاف أن الأمطار الغزيرة والصواعق الرعدية تسببت بقطع وتدمير الشبكة الداخلية للكهرباء في العديد من قطاعات مخيم الجفينة الذي يسكنه، مضيفًا أنها اقتلعت بعض أعمدة الكهرباء في الأحياء والمخيمات.
وناشد “منصور”، الوحدة التنفيذية ومكتب الصحة بالمحافظة، إلى متابعة أوضاعهم، وبالأخص الوضع الصحي لمنع انتشار الأمراض بسبب بقاء المياه في بعض الأماكن في المخيم.
خوف ومعاناة
في أحد مخيمات مديرية الوادي، التقى “برّان برس”، بالنازح “أحمد عبدالله”، والذي قال إن الأمطار والعواصف تسببت بجرف وتدمير خزان المياه الخاص به. متحدثًا عن الخوف والهلع الذي يعيشه النازحون في المخيم “مع انقطاع التيار الكهربائي واستمرار الأمطار والعواصف والرياح”.
وقال إن “استمرار اضطرابات الجو والأمطار والصواعق بهذا الشكل يهدد حياة كل النازحين خصوصاً وأن أغلب المساكن من الخيام فقط”.
وأضاف أن “الأمطار والعواصف تزيد المعاناة حيث تؤدي إلى انقطاع الكهرباء، ومع حرارة الجو نهاراً تزداد المعاناة وتسبب الأمراض للبعض أحيانا”، مطالباً السلطات بسرعة التدخل لمساعدة المتضررين.
حلول جذرية
أما النازحة “آية عبدالله”، فقالت إن “كل التوقعات تشير إلى استمرار التغيرات المناخية، وأن هناك موجات قادمة، وبالتالي فإن المعاناة ستستمر، وقد تطال جميع المخيمات وأغلب النازحين”.
وشددت على ضرورة معالجة “الأضرار التي تسببها الأمطار والصواعق الرعدية من قطع للكهرباء، وتدمير للمساكن والخيام، وقتل البعض”. مطالبة بـ“احتواء كل الضحايا وتعويض المتضررين”.
كما طالبت بـ“إيجاد حلول جذرية للمعاناة، كونها تتكرر كل عام مع موسم الأمطار، دون أي حلول”. وهذه الحلول بعد القيام بـ“التدخلات السريعة لإغاثة المتضررين”.
والأربعاء الماضط، دعا وكيل محافظة مأرب، رئيس لجنة الطوارئ، عبدربه مفتاح، كافة الشركاء من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، لـ“التدخل والاستجابة العاجلة لسد احتياجات المتضررين من الكوارث الطبيعة التي تمر بها المحافظة”.
وأكد “مفتاح” أن الأمطار الرعدية والرياح الشديدة التي تشهدها محافظة مأرب منذ صباح الأحد الماضي، تسببت حتى الآن بوفاة 8 أشخاص وإصابة 36 آخرين بينهم نساء معظمهم من النازحين.
واستعرض الأضرار والخسائر التي خلفتها الأمطار والسيول في مخيمات النازحين والقطاعات الخدمية وخاصة قطاع الكهرباء وسط توقعات باستمرار تأثر المحافظة بالمنخفض الجوي واستمرار هطول الأمطار الرعدية خلال الأيام القادمة.
وأشار رئيس لجنة الطوارئ إلى أن “حجم الفجوة الكبيرة بين مستوى تدخلات الشركاء المحدودة وبين نسبة الاحتياجات القائمة لأكثر من 7300 أسرة تضررت من الأمطار والعواصف الرعدية”.
وأهاب بجميع المواطنين الساكنين في بطون الأودية أو بالقرب من ممرات ومجاري السيول، بالابتعاد منها، حفاظا على أرواحهم وممتلكاتهم، منوها إلى أن التحذيرات المتوالية من مراكز الإرصاد الجوية تشير باستمرار تأثر محافظة مأرب من حالة المنخفض الجوي.