برّان برس | أعد التقرير - محمد الحاجبي:
الشاب “عبدالكريم الصوفي”، من أبناء قرية “الطوير” التابعة لمديرية مقبنة في الريف الغربي لمحافظة تعز، يعمل في زراعة “البلح”، ويعتمد على هذه المهنة لتدبير المتطلبات المعيشية لأسرته، قبل أن تقذفه الحرب إلى خارج القرية وبعيدًا عن المزرعة.
مطلع العام 2021، أصبحت القرية الريفية مسرحًا للعمليات العسكرية بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها، ومسلحي جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب، ما دفع سكان “الطوير” إلى النزوح، بما فيهم عبدالكريم.
ما تزال القرية تتوسط خطوط النار، ورغم الهدنة المفترضة، إلا أن القرية مفخخة بالألغام الأرضية والمتفجّرات، حيث زرعتها جماعة الحوثي على مداخل القرية، وفي الطرقات والممرات، وشملت المزارع ومحيط المنازل.
يعمل الكثير من أبناء القرية في زراعة النخيل، لتأتي الحرب وتجعلهم يغادرون القرية، تاركين خلفهم بيوتهم ومزارعهم، وحاليًا تحول الألغام وعمليات القنص من قبل مسلحي الحوثي دون عودتهم الآمنة إلى منازلهم.
ورغم هذه التحديات الأمنية، إلا أن العديد من أبناء القرية، يغامرون بحياتهم للعودة إلى منازلهم ومزارعهم، وبالأخص مع موسم حصاد البلح، الذي يعتمدون عليه كمصدر أساسي للرزق، والذي فقدوه جراء الحرب والنزوح.
عودة خطرة
“الصوفي”، واحد من أبناء القرية الذين قرروا العودة إلى مزارعهم رغم المخاطر، حيث أكّد في حديثه لـ“برّان برس”، أهمية الاستمرار في العمل رغم المخاطر. مشددًا على أهمية حصاد البلح بالنسبة له ولأسرته.
وقال: “رغم المخاطر، لا بد من العودة إلى مزرعتنا، لأنها مصدر رزقنا الوحيد”. وإضافة إلى كونها مصدر الرزق، قال: “نحاول أن نعطي أبناءنا الأمل، ونخبرهم أن الحياة تستمر”.
من جانبها، “أم منير”، وهي مسنّة تعمل في بيع البلح، تقول لـ“بران برس”، إنها لا تستطيع التخلي عن العمل في بيع البلح “في كل موسم”، مؤكّدة أنها تقوم بهذا “رغم كل الصعوبات التي تواجهنا”.
عوض قائد، موطن آخر من أبناء قرية الطوير، تحدث لـ“بران برس”، عن رحلته المحفوفة بالمخاطر عائدً إلى قريته لحصد البلح وبيعه، مستعرضًا المخاطر والمخاوف التي واجهته أثناء العودة، بما فيها الألغام، وعمليات القنص من قبل مسلحي جماعة الحوثي المتمركزون في المنطقة.
وقال: “رغم المخاطر، كان علي العودة للحصاد، فالبلح مصدر رزقنا الوحيد، ولا أستطيع تركه، وهذا هو حال الكثير من أبناء القرية الذين أجبروا على ترك منازلهم، ومزارعهم بحثا عن الأمان، على إثر الحرب التي شنّتها جماعة الحوثي”.
ورغم كل شيء، يقول إن العديد من الأسر قررت العودة إلى مزارع النخيل في هذا الموسم لحصد البلح، رغم العديد من المخاطر والتحديات في طريق العودة، وأثناء العمل، بما فيها تعرضهم لخطر القنص والألغام.
مصدر دخل
يمثل “حصاد البلح” موسمًا مهمًا للعديد من الأسر من أهالي قرية الطوير، فمن خلاله يحصلون على الدخل الذي يمكنهم من تغطية نفقاتهم طيلة العام. إلى جانب تربية المواشي.
ومن خلال عائدات بيع البلح، تتمكن هذه العائلات من شراء المواد الغذائية والملابس والأدوية لأفرادها، ولهذا يبدون حرصًا عاليًا على المغامرة بالعودة إلى مزارعهم لحصد ثمار النخيل، فق ما قاله عدد من باعة البلح، لـ“بران برس”.
رحلة ملغومة
اشتكى العديد من أبناء قرية الطوير الذين تحدثوا لـ“برّان برس”، من تلوث مساحات واسعة من مناطقهم بالألغام، والعبوات الناسفة. مؤكدين أنها تشكّل “خطرًا مخيفًا على حياة المزارعين”.
وقالوا إن مسلحي الحوثي تعمّدوا زراعتها في المزارع، ما جعلها تهديدًا حقيقيًا لحياة المزارعين أثناء العمل أو التنقل منها وإليها.
“نوره علي”، مواطنة تعمل في بيع البلح، عبرت عن مخاوفها من الألغام المنتشرة في المنطقة”. مؤكدة في الوقت ذاته أهمية البلح في توفير الدخل لأسرتها.
وقالت “نوره” لـ“بران برس”: “لا نريد ترك موسم بيع البلح، فهذا تراثنا، ونريد أن نستمر في العمل بها”.
ويواجه مزارعو الطوير، صعوبة في التنقّل بقعل تداعيات الحرب، ومنها الألغام المزروعة في الطرقات الرئيسية والممرات الفرعية، وهو ما يشّكل صعوبة في الوصول المحصول، ومن ثم نقله إلى السوق، فضلًا عن ارتفاع تكاليف النقل.
وقال “نعمان عبده”، وهو أحد مزارعي البلح بقرية الطوير، إنه يعيش حالة قلق وهلع أثناء تنقله بين المنازل بحثًا عن ملاذ آمن لعائلته.
وأضاف في حديثه لـ“برّان برس”، أنه مصر على العودة إلى مزارعه في الطوير لحصاد ثمار النخيل، مخاطرًا بحياته.
واردف: “أعرف أن هناك مخاطر كبيرة، لكن علينا الحفاظ على مصدر رزقنا، خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة”.
حزن وأمل
“عوض المقطوب”، شاب عشريني، قال لـ“بران برس”، إنه حزين في موسم هذا العام، بسبب غياب الكثير من باعة البلح، كون المنقطة تقع في خطوط النار.
وأكد أن “البلح” يمثل مصدر رزق العديد من الأسر، متمنيًا أن “تعود جميع الأسر إلى مزارعها، وأن تتمكن من حصاد البلح بأمان”.
“سعيد صالح”، نازح في الخمسين من عمره، من أبناء قرية الطوير، قال لـ“بران برس”: “بعد اندلاع الحرب، اضطررت إلى الفرار من قريتي وترك كل شيء ورائي”، وقبلها قال: “كنت أعمل في مزرعتي بقرية الطوير مع عائلتي بأمان”.
“ام عبد الرحمن”، نازحة في العقد الرابع من العمر، تعيش في مخيم الحجب للنازحين، قالت لـ“بران برس”: “كنا نعيش حياة هادئة قبل النزاع. الآن تدمرت حياتنا نتيجة الحرب والنزوح”. لكن يظل الأمل بالعودة إلى الحياة الطبيعية.
وتشهد البلاد حربًا مستمرّة للسنة العاشرة على التوالي، منذ اجتياح جماعة الحوثي المصنفة بقوائم الإرهاب للعاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، والتي شملت غالبية المحافظات اليمنية.
وتعد “الألغام”، واحدة من صور المعاناة التي خلّفتها الحرب المدمّرة، إذ تشير التقديرات إلى أن جماعة الحوثي زرعت نحو 2 مليون لغم وعبوة ناسفة في أرجاء البلاد، ما جعلها خطرًا جسيمًا يهدد حياة اليمنيين ويقيّد حركتهم اليومية، ويعّده خبراء واحدًا من أسباب الأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد.