|    English   |    [email protected]

غياب حكومي ونشاط للجماعات المسلحة.. ما وراء أحداث أبين الأخيرة ومن محركها وما هدفها؟ (تقرير)

الاثنين 26 أغسطس 2024 |منذ شهرين
نشاط ملحوظ للجماعات المسلحة في أبين - برّان برس نشاط ملحوظ للجماعات المسلحة في أبين - برّان برس

برّان برس - وحدة التقارير:

في الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة أبين (جنوبي اليمن)، برزت إلى الواجهة جماعات مسلّحة تتصارع للهيمنة على المحافظة، فيما غابت سلطات الدولة وأجهزة الأمنية والعسكرية بشكل تام.

تعد جماعة الحوثي المصنفة بقوائم الإرهاب، آخر تلك الجماعات، حيث تشير مصادر “برّان برس”، إلى أن الجماعة عادت بقوّة في محاولة منها للسيطرة على المحافظة إلى جانب “القاعدة”، والمجلس الانتقالي الجنوبي.

منذ قبل 5 سنوات، كان “الانتقالي الجنوبي”، قد بدأ بإزاحة الحكومة اليمنية المعترف بها، من مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، قبل أن يهيمن عليها كلّيَّا في أغسطس/آب 2019، وإلى جانبها محافظتي أبين ولحج المجاورتين.

ومع غياب أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وجدت “القاعدة”، وجماعة الحوثي في أبين مساحة مفتوحة للتحرك، إلى جانب “الانتقالي”، وإن كان يظهر بينهما صراع، إلا أنه يجمعهما العداء للحكومة اليمنية ووجود الدولة.

صراع الحلفاء الأعداء

اعتبر سياسيون وباحثون، في أحاديث منفصلة لـ“برّان برس”، هجوم “القاعدة” الذي استدف ثكنة عسكرية تابعة للانتقالي في مديرية مودية بأبين، في 16 أغسطس/ آب الجاري، وقتل على إثرها 16 جندياً وأصيب آخرون، التجسيد الأبرز لحضور الجماعات المسلحة وغياب سلطة الدولة في المحافظة.

مطلع يناير/ كانون 2023، كان “الانتقالي”، قد أعلن تشكيل 5 ألوية لقوات الدعم والإسناد، لما قال إنه استكمال تطهير محافظة أبين، وتأمينها من خطر الجماعات الإرهابية.

كما أعلن، في الوقت ذاته، انطلاق “المرحلة الثانية” من عملية “سهام الشرق” لمكافحة ما وصفها بـ“الجماعات الإرهابية” في المحافظة، والذي كان قد أعلن مرحلتها الأولى في أغسطس/آب 2022، أي بعد أشهر قليلة من انخراطه (الانتقالي) ضمن قيادة البلاد من خلال حضوره بمجلس القيادة الرئاسي وشراكته في الحكومة اليمنية.

نتاج طبيعي 

حول التطورات الأخيرة، قال أحد أبناء مديرية لودر بمحافظة أبين، لـ“برّان برس”، مفضلًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إنها “نتاج طبيعي“ لما شهدته المحافظة وما عاشته من أحداث، في ظل تهميش وإلغاء مؤسسات الدولة.

وأضاف أن تشكيلات المجلس الانتقالي، ومنها الحزام الأمني اتجهت لقتال الموطنين وقمعهم، متحدثًا عن حملة نفّذتها قوات الحزام، التي تعد القوة الرئيسية لـ“سهام الشرق”، ضد القبائل في مناطق لودر خلال الأشهر الماضية، موضحًا أن الانتقالي أراد منها “التحكم بالناس ولصق التهم بهم أولاً لعدم وجود حاضنة له في هذه المناطق”.

وعن وجود “القاعدة”، أوضح أنها لا تتواجد في القرى والتجمعات ومنازل المواطنين، وأن أغلب عناصرها معروف أماكن تواجدها، ومعروف كيف تتحرك، ولهذا قال إن “الانتقالي والقاعدة يرتبطان بعلاقة من نوع ما”، فبرأيه “لكل منهما مصلحة من وجود الآخر”.

حضور حوثي لافت

إلى جانب “الانتقالي والقاعدة”، تحدثت مصادر محلية لـ“برّان برس”، عن حضور لافت لجماعة الحوثي في محافظة أبين، خلال الفترة الماضية، حيث “نشطت في عملية الاستقطاب والتجنيد لأبناء المحافظة.

وأوضحت المصادر أن التجنيد الحوثي لأبناء أبين، يشمل مختلف الشرائح بالمحافظة، وأغلبهم من المنتمين لـ“الأسر الهاشمية” أو التي تعرف بـ“السادة”.

ووفق المصادر، فإن القيادي الحوثي “صالح الجنيدي”، والذي عيّنته الجماعة محافظاً لأبين، يقوم بتنسيق رحلات سياحية لشخصيات اجتماعية ونشطاء من مختلف مديريات أبين، إلى العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وطبقًا للمصادر فإن كل رحلة من هذا النوع تشمل 10 أشخاص ممن يتم استقطابهم للجماعة بمختلف الأساليب، ومنها الإغراء بالمال والسلاح والمناصب الوهمية في المحافظة.

المصادر أوضحت أن الجماعة تقوم بتوظيف الأسر الهاشمية في محافظة أبين، لإنجاح عملية الاستقطاب والتجنيد، مضيفة أن الجماعة تخصص أموالاً طائلة للاستقطاب، وإرسال من استقطبتهم إلى صنعاء وصعدة.

تحركات أمنية وعسكرية

وفي خطوة متقدمة، تحدثت المصادر عن تحركات أمنية وعسكرية قامت بها جماعة الحوثي في محافظة أبين خلال الأشهر الأخيرة، ومنها القصف بالطيران المسير، إضافة إلى التحليق المكثف لهذا النوع من الطيران.

وإضافة إلى ذلك، قالت المصادر إن الجماعة استحدثت “كتائب جديدة”، جنّدت فيها العشرات من أبناء أبين.

وعن مواقف الجماعات الأخرى، أفادت المصادر بأن جماعة الحوثي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الانتقالي وأيضًا مع القاعدة، واصفة بأن التنسيق بينهما “يصل حد التخادم”.

وعن دلالات الأحداث الأخيرة، وظهور القاعدة بهذا التوقيت، قال الباحث اليمني الدكتور عادل دشيلة، إن “هناك من يحرك هذا التنظيم على المستويين الأمني والسياسي”.

ويرى “دشيلة”، في حديثه لـ"برّان برس" أن “القاعدة ليست بذلك الزخم الذي كانت عليه، مشيراً إلى هزيمتها في 2012 في محافظة أبين نفسها على يد قوات اللواء محمد الصوملي”.

الرابح والخاسر

وباعتقاد الباحث دشلية، فإن “عودة التنظيم اليوم مؤشر سيء وخلط للأوراق من جديد”، وقال إن “المستفيد من أعمال القاعدة هي جماعة الحوثي المصنفة دولياً بدرجة أساسية”.

وأما الخاسر الأول، وفق الباحث، هو “ما تبقى من مؤسسات الدولة الهشة، حيث سيحاول الحوثي تقديم نفسه على أنه من سيحارب القاعدة”.

الدكتور دشيله، وهو باحث في الشؤون السياسية والاجتماعية، شدد على ضرورة أن “ندرك بأن جماعة الحوثي هي الوجه الآخر للقاعدة، إلا أن وسائل استخدامها لقتل اليمنيين يختلف عن وسائل تنظيم القاعدة الإرهابي”. 

وقال إن “فكر القاعدة الإرهابي يمكن مواجهته أمنياً وعسكرياً في حال تم استعادة مؤسسات الدولة، وهزيمته بسهولة، إلا أن فكر جماعة الحوثي الوجه الآخر للقاعدة الذي يتستر تحت غطاء آل البيت، يحتاج لاستعادة مركز الدولة السياسي، صنعاء، وعودة النظام الجمهوري اليمني”. 

والخوف الأكبر، وفق الباحث دشيلة، هو أن “يتم استغلال ورقة القاعدة على المستوى الإقليمي، لزعزعة ما تبقى من هامش أمني في اليمن”، وبالتالي فتح باب “دولنة الأزمة اليمنية من جديد لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية”.

وفي كل الأحوال، يقول إنه “لا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا باستعادة النظام الجمهوري ومؤسساته”.

تقاطع مصالح

من جانبه، أكد الباحث والصحفي، فهد سلطان، أن “هناك تقاطع مصالح بين جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي، موضحًا أن “الحوثيين على تنسيق مع تنظيم القاعدة أو على الأقل هناك تبادل معلومات بين الطرفين”.

وقال إن “العلاقة بين الانتقالي والحوثيين ليست جديدة، وخاصة أن الجماعة قامت في فترات سابقة بإطلاق عدد من قيادات القاعدة، متحدثًا عن “ظهور إحدى الشخصيات في أكثر من مناسبة إلى جانب قيادات في الجماعة”.

ويرى “سلطان”، أن الانتقالي قد يكون مستفيداً من إحداث الفوضى، وذلك لتفادي قضية اختفاء "علي عشال الجعدني" في يونيو الماضي بمدينة عدن، وخاصة مع الحراك الشعبي المطالب بالكشف عن مصيره.

إضافة إلى ما سبق، قال “سلطان”، إن محافظة أبين محافظة محورية ولها تأثير كبير أمنياً وعسكرياً وسياسياً، وبالتالي اللعب بهذه المحافظة، وفي هذا الظرف، بالذات، يخلط الأوراق على الجميع. 

وبرأي “سلطان”، فإن جماعة الحوثي ستستفيد “بشكل كبير ومباشر من هذه الأحداث".


 

مواضيع ذات صلة