برّان برس | أعد التقرير - علي العقيلي:
خلال موسم الأمطار هذا العام، شهدت اليمن (جنوب شبه الجزيرة العربية)، أمطارًا غزيرة إلى غزيرة جدًّا تدفقت على إثرها سيولاً كبيرة فاضت بها الأودية وصولًا إلى الصحراء والبحر العربي شرقاً، وإلى البحر الأحمر غربًا.
أثارت غزارة الأمطار وتدفق السيول الكبيرة السؤال حول إمكانية عودة الأنهار إلى اليمن، وخصوصًا نهر “الخارد”، الذي تتحدث معلومات تاريخية عن وجوده قبل نحو 3 قرون، وينحدر من صنعاء مرورًا بالجوف شمالًا، وصولًا إلى حضرموت والبحر العربي شرقًا.
أواخر أغسطس المنصرم، وصلت مياه السيول المتدفقة من صنعاء وعمران إلى صحراء الجوف (شمالي شرق البلاد)، فيما وصلت مياه وادي بيحان القادمة من محافظة البيضاء (وسط)، إلى صحراء شبوة (جنوبي شرق).
كما استقبل سد مأرب عشرات السيول المتدفقة عبر وادي “ذنة”، قادمة من محافظات ذمار وصنعاء والبيضاء والمرتفعات الجبلية جنوب وغرب مأرب.
وعلى إثر هذه السيول، تدفقت إلى البحر الأحمر والبحر العربي مياه كبيرة عبر وديان مور وسهام وبنا، وتشير التوقعات إلى أن جريان تلك الأودية سيستمر لأكثر من 3 أشهر، أي حتى نهاية العام الجاري حتى في حال ندرة الأمطار خلال فصل الشتاء.
مجمع السيول
وفق باحثين وخبراء جيولوجيا، فإن السيول القادمة من محافظات صنعاء وعمران وذمار والبيضاء تشق طريقها عبر محافظات الجوف ومأرب وشبوة، وتلتقي بمنطقة الثنيّة الصحراوية شرقي محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن).
رئيس جمعية الصخور الإنشائية، الشيخ أحمد بن علي الشليف الجهمي، يروي لـ“برّان برس”، مرافقته لبعثة فرنسية إلى منطقة الثنية عامي 2007 و2008، لمعرفة حقيقة وجود نهر كان يشق اليمن من غربه إلى شرقه.
وأوضح أن رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، حينها، الدكتور اسماعيل الجند، طلب منه مرافقة البعثة، التي تضم 3 خبراء فرنسيين وخبير جيولوجي يمني، من صنعاء إلى مأرب، والتنقل معهم للتنقيب في صحراء "الثنية" لمعرفة حقيقة وجود النهر.
وقال: “وصلنا إلى هناك، وتجاوزنا الثنية بنحو 12 كيلو متر، وصولًا إلى مكان يشبه محير مياه السيول، وطلب مني الفريق الحفر في ذلك المكان بعمق يتراوح بين 7- 10 متر، وبعد الحفر أكد الفريق أن هذا المكان هو مجمع الوديان، أودية ذنة (مأرب) والجوف وحريب جنوب مأرب وبيحان شمال غرب شبوةˮ.
وأضاف “الجهمي”، أن “الأرض صحراوية مغطاة بالكثبان الرملية لا توجد معالم أودية تشير إلى إمكانية وصول سيل وادي بيحان إلى المنطقة، وأيضاً لا معالم تشير إلى إمكانية وصول مياه أودية حريب ومأرب والجوفˮ.
وتابع في حديثه لـ“برّان برس”: “تم الحفر بعمق 7 متر وكانت التربة بلون واحد ولم تختلف، خصبة قابلة للزراعة وغير رملية كما يبدو سطحها المغطى بالكثبان الرمليةˮ.
ووفق الشليف، فإن الخبراء أوضحوا أن وجود التربة الخصبة في تلك المنطقة يشير إلى وجود مياه كانت تجري لفترات طويلة قادمة من أماكن بعيدة، مبينين أن تشكل الكثبان الرملية فيها يشير إلى انقطاع المياه عن تلك المنطقة قبل نحو 300 إلى 400 عام، مؤكدين أن مياه أودية مأرب والجوف وبيحان كانت تلتقي في منطقة الثنية وتشق طريقها عبر حضرموت.
وفي ختام حديثه لـ“برّان برس”، قال الشيخ الجهمي، إن الفريق البحثي أكد له بأنه سيسلم تقريرًا مفصلًا حول الزيارة إلى هيئة المساحة الجيولوجية، وأن “العينات التي أخذت من التربة سيتم فحصها في مختبرات بفرنسا لمعرفة تاريخ ومدة جريان المياه بالمنطقة".
نهر الخارد وإمكانية عودته
تظهر صور الأقمار الصناعية معالم النهر واضحة في تضاريس اليمن، حيث تطهر أخاديد الأودية المنحدرة شرقاً من أعالي السلسلة الجبلية الممتدة من صعد وعمران إلى صنعاء وذمار والبيضاء، وتشير إلى اتجاه واحد يقع شرق مأرب وغرب حضرموت بعد أن تشق طريقها عبر الجوف ومأرب وشبوة.
فيما تبيّن صور تضاريس اليمن أن الأودية التي تجتمع في مناطق شرق حضرموت تلتقي بأودية أخرى قادمة من غرب وجنوب المحافظة، وتواصل طريقها عبر منطقة "الخشعة" غرب إلى القطن وشبام وسيئون وتلتقي بأودية هضاب حضرموت الشمال والوسطى وتشق طريقها عبر وادي المسيلة إلى البحر العربي، وهو ما يشير إلى وجود منحدر قديم يتوافق مع مسار النهر الذي تتحدث عنه الروايات التاريخية.
ومن خلال متابعة “برّان برس” للمناخ والتضاريس، وبناء على المعلومات التي حصل عليها من الباحثين والخبراء، فإن هناك عدّة عوامل تحول دون عودة جريان الأنهار في اليمن، بما فيها نهر “الخارد”.
ومن أبرز هذه العوامل: (التصحر، والسدود والحواجز الترابية والمدرجات الزراعية المنتشرة في جبال وشعاب وأودية اليمن، والتي تحتجز المياه وتمنع استمرار تدفقها أو خفض نسبة التدفق. إضافة إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية، من خلال الحفر العشوائي للآبار والري بالغمر والاستهلاك الكبير للمياه في الزراعة).
وبالإضافة لما سبق، فإن موسمية الأمطار في اليمن، تجعل من الصعب وجود جريان مستمر للمياه مع الأودية في بلد تغيب فيها الأمطار 6 أشهر في كل عام، ولكون الجريان الدائم يحتاج إلى هطول الأمطار طيلة العام.
أسباب التغير المناخي
أدت الأمطار التي شهدتها اليمن خلال هذا الموسم إلى فيضانات في بعض المناطق، متسببة في عشرات الضحايا وخسائر مادية جسيمة، في ظاهرة نادرة رافقتها العديد من التساؤلات حول مدى تكررها مستقبلاً.
وحول أسباب هذه التغيّر المناخي، أوضح خبير الطقس والمناخ، خالد ناصر البابكري، لـ“برّان برس”، أن “الزيادة الملحوظة في معدلات هطول الأمطار في اليمن، خلال السنوات الأخيرة، ومنها العام الحالي، يعود ذلك بشكل رئيسي إلى التغيرات المناخية العالمية التي تؤثر على أنماط الطقس في المنطقةˮ.
وقال إن “الموجات الشرقية الرطبة القادمة من المحيط الهندي لعبت دوراً حاسماً في زيادة هطول الأمطار خلال شهري يوليو وأغسطس، وتلك الموجات تجلب كميات كبيرة من بخار الماء إلى اليمن مما يزيد من فرص تشكل السحب وهطول الأمطار الغزيرة”.
وأشار “البابكري” إلى أن “زيادة نشاط هذه الموجات وتأثيرها المتزايد على موسم الأمطار في اليمن إلى جانب المد الرطوبي القادم من القرن الأفريقي ساهم في زياده شده الهطول الموسميˮ.
ظواهر قادمة
إضافة إلى ما سبق، قال البابكري، في حديثة لـ“برّان برس”، إن “الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى أن العالم يدخل مرحلة جديدة من التغيرات المناخية، حيث تزداد احتمالية وقوع أحداث جوية متطرفة كالأمطار الغزيرة والفيضانات”.
وهذا يعني، وفق الخبير، أن “اليمن كالعديد من الدول الأخرى قد تشهد تكراراً لهذه الظاهرة في السنوات القادمةˮ.
والسبب الرئيس في زيادة تطرف الظواهر الجوية “غير المسبوقة”، بحسب البابكري، يعود إلى “ارتفاع درجة حرارة المحيطات، حيث يؤدي الإحترار العالمي إلى زيادة تبخر المياه من المحيطات مما يزيد من الرطوبة في الغلاف الجوي ويزيد من فرص حدوث هطول أمطار فيضانيةˮ.
فيضانات وشائعات
وحول انعكاسات التغيرات المناخية على اليمن، بيّن خبير الطقس “البابكري”، في حديثه لـ“برّان برس”، أن تغيرات المناخ لها “آثار كبيرة على اليمن، حيث ستشهد تباينًا في الأنماط المناخية”.
وتوقع أن “تتعرض بعض المناطق لفيضانات متكررة نتيجة زيادة هطول الأمطار، في حين ستعاني مناطق أخرى من الجفاف”، مشيرًا إلى أن “هذه التغيرات ستؤثر بشكل كبير على الزراعة، والموارد المائية، والبنية التحتية، وسبل العيش للمواطنين”.
ومنذ بداية أغسطس/آب 2020، يجري محليًا تداول معلومات عن “مركز الأرصاد البريطاني”، تفيد بأن “اليمن دخلت في مدار أثيوبيا وأوغندا المطري، متوقعاً استمرار الأمطار حتى منتصف 2024، متوقعًا عودة الانهار والينابيع التي جفت قديما الى الجريان”.
وهو ما نفاه خبير الطقس “البابكري”، مؤكّدًا لـ“برّان برس”، أنه “إشاعة”. وقال: “لا وجود لمصطلحات علمية في مجال الأرصاد تتحدث عن دخول بلد في مدار بلد آخر”.
واستبعد أن يصرح “مركز الأرصاد البريطاني” بمثل هذه المعلومات الخاطئة وغير المنطقية، مبينًا أن “خط الاستواء لا يتحرك كونه ثابت في الجغرافيا، ولهذا مستحيل علميًا تدخل اليمن في خط الاستواءˮ.