برّان برس | أعد التقرير - نواف الحميري:
"قد المدينة كلها خضراء مثل مشروب قوّة جبل (مشروب غازي أخضر اللون)، كل هذا الطلاء من الأموال التي نهبوها من جيوبنا".
بهذه العبارة الساخرة احتج التاجر محمد صالح (40 عامًا)، على استعدادات جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، للاحتفاء بذكرى المولد النبوي في صنعاء، من خلال تغيير منظر المدينة إلى اللون الأخضر.
قال التاجر إن الحوثيين أجبروه على دفع مبلغ كبير تحت مسمّى دعم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وألزموه بطلاء باب محله التجاري باللون الأخضر، وكذا إنارة أضواء المحل باللون ذاته، وأيضًا شراء زينة خضراء.
وأضاف أن هذا الأمر تفرضه الجماعة على كل المتاجر والشركات والمؤسسات الخاصة في صنعاء، وكل المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهو ما جعل المدن تتحول إلى رقعة مصبوغة باللون الأخضر نهاراً وليلاً.
موسم الإثراء
تجار آخرون اشتكوا لـ“بران برس” من حملات الجبايات التي تنفّذها جماعة الحوثي مع اقتراب ذكرى المولد النبوي، متهمين الجماعة باستغلال المناسبة كموسم لزيادة أرصدتها المالية على حسابة معاناة المواطنين.
وقالوا إن الجماعة قامت بحصر المنازل والمحلات والشركات والمؤسسات التجارية والخدمية، عبر أقسام الشرطة ومكاتب الأشغال العامة التي تسيطر عليها، وعبر مسؤولي الحارات، بغرض إنشاء قوائم التبرعات الإجبارية، وتوزيع سندات القبض بأسماء أرباب الأسر وملاك المحال ومديري الشركات”.
المولد المخيف
جميل الصامت، مالك محل تجاري في صنعاء، قال لـ“بران برس”: "كلما اقترب موعد المولد النبوي نشعر بالقلق والقهر معاً جراء ما يحدث لنا من نهب لأموالنا تحت مسمّى المولد”، مضيفًا أن الجماعة “تفرض علينا مبالغ ماليه من أجل إحياء هذه البدعة التي لا أساس لها من الصحة”.
ويضيف “جميل”، أن الحوثيين يفرضون عليه دفع “40 ألف ريال أي ما يعادل (70 دولار) بسعر صرف المناطق التي تخضع لسيطرة جماعة الحوثي، ما يجعلنا نرفع أسعار بعض المواد الغذائية من أجل تغطيه العجز الذي تتسبب به الجبايات الحوثية”.
هذا بالنسبة للمحلات التجارية، أما كبار التجار وأصحاب محلات الذهب وشركات الصرافة “يفرض عليهم 200 ألف ريال (قرابة 400 دولار) على كل محل، وفق التاجر جميل.
ولم تستثن الجبايات، حتى المواطنين العاديين، إذ يقول جميل” في حديثه لـ“بران برس”، إن الجماعة “تفرض مبلغ 3000 ريال (حوالي 5 دولارات) عن كل عائلة مكونة من أربعة أفراد، لدعم الاحتفال بذكرى المولد النبوي”.
طائفية واستعراض
تعليقًا على هذا، قال الصحافي معاذ العبيدي، إن ”جمع الأموال والإثراء على حساب اليمنيين من أهداف الحوثي من وراء احتفالاته بالمولد النبوي بهذه الطريقة”.
وذكر في حديثه لـ“بران برس”، أمرين قال إنهما في “غاية الأهمية والخطورة”، وهما: “نشر الطائفية والمذهبية، والاستعراض السياسي بحجم احتفالاتهم وعدد أنصارهم“.
ووفق الصحفي العبيدي، فإن “تحويل الحوثي للمولد النبوي إلى احتفالية رسمية، هو انعكاس لما تمثله الجماعة من مشروع طائفي يعمل على مسح هوية الدولة الوطنية، وتحويلها إلى دولة طائفية وعرقية”. مستغربًا قيام الجماعة بـ“اختطاف المؤسسات وإلزامها بمهمة الاحتفالات الدينية التي يفترض أنها احتفالات شعبية وفردية”.
بالإضافة إلى ذلك، قال الصحفي العبيدي، إن جماعة الحوثي تعمل على “إعادة برمجة السلوك الشعبي اليمني، وتحويله من الاهتمام المدني القائم على تمييز وتخليد المناسبات الوطنية إلى التمسك بالمناسبات الدينية؛ ولكن بصبغة طائفية”.
ولا يستبعد “العبيدي”، أن يتمادى الحوثيون وصولًا لإلغاء النظام الجمهوري علنًا مستقبلاً.
بدعة
حول احتفال الحوثيين بهذه المناسبة وبهذه الطريقة، قال الشيخ علي القاضي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو في هيئة علماء اليمن: “إن الاحتفال بالمولد على هذا النحو بدعة ابتدعها الحوثي في اليمن”.
وأضاف الشيخ القاضي، لـ“بران برس“، أن هذا يأتي “في حين لم يرشد النبي، صلى الله وعليه وسلم، أمته إلى الاحتفال بمولده، ولم يحتفل في حياته، على عكس ما يفعله الحوثي اليوم".
وإضافة إلى هذا قال: “أيضاً لم يحتفل الخلفاء الراشدين، ولا الصحابة، رضوان الله عليهم، ولا التابعين من بعدهم”. وكذلك في اليمن “لم يكن هناك احتفالات إلا بعد اختطاف صنعاء واحتلالها من قبل الحوثيين”.
ووفق الشيخ، فإن الحوثيين “يستغلون هذا اليوم لنهب اليمنيين تحت مسمى المولد في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم؛ بذريعة تمويل ما ادعت أنها مناسبة دينية”.
وأكّد أن هذه المناسبة “لم تشرع في ديننا الحنيف التي تستخدمه الجماعة لاستعراض قوتها وعجرفتها الطائفية ولإضفاء شرعية دينية لها عند اتباعها”.
مساحة للاستثمار
من جانبه، يقول الشيخ عبدالله أحمد علي العديني، إمام وخطيب مسجد النور بمدينة تعز، قال إن احتفاء جماعة الحوثي الانقلابية بيوم المولد النبوي “منافي للعقيدة الإسلامية”، وقال إنها “في الواقع تمضي في اتجاه معاكس لكل التعاليم والأخلاق النبوية”.
وأضاف في حديثه لـ“بران برس”، أن ما وصفه بـ“الأكثر انحطاطاً” أن الجماعة “تحول هذا اليوم إلى مناسبة لنهب أموال اليمنيين بالباطل”. مؤكّدًا أن الحوثيين “وحدهم من يتخذون من الدين كمساحة مفتوحة للاستثمار والاستغلال”.
وقال إن الجماعة “تذهب نحو أبعد مدى، وتعمل على تضخيم كل فكرة دينية خادمة لها، وتحيلها لمشروع مربح وممنهج، وأيضًا استخدمته كوسيلة دعائية خطرة؛ لتطهير صورتها الملطخة بالدم”. وبرأيه فإن “ما يحدث هو سحق للحياة المادية والمعنوية واختطاف للهوية الوطنية”.
وبيّن أن الحوثيين “ابتدعوا فكرة الاحتفال بالمولد النبوي بهدف استخدامه كمناسبة لتحقيق مصالحهم السياسية والطائفية واحتكار السلطة بقوة السلاح، واعتبارها كحق إلهي محصور فيما بينهم، باعتبارهم أحفاد النبي كما يزعمون”.
منذُ انقلابها على الحكومة اليمنية أواخر العام 2014، وسيطرتها على العاصمة صنعاء، عملت جماعة الحوثي على إعادة إحياء عشرات المناسبات الدينية الطائفية، ومنها يوم الولاية ويوم الغدير والمولد النبوي وغيرها.
وتُتهم الجماعة باستغلال هذه المناسبات “الدخيلة” على المجتمع اليمني، لنشر أفكارها الطائفية، وترسيخ مشروعها “العنصري”، وضمن مساعيها لطمس الهوية اليمنية واستبدالها بهوية طائفية مستوردة من إيران.