|    English   |    [email protected]

الصحفي “مأرب الورد” يتحدث لـ“برّان برس” عن مطارح مأرب التي زارها عقب تأسيسها في مهمة صحفية وكيف مثّلت “أملاً لليمنيين”

السبت 21 سبتمبر 2024 |منذ أسبوعين
مأرب الورد (بران برس) مأرب الورد (بران برس)

برّان برس- خاص:

أحيا اليمنيون، الأربعاء الماضي 18 سبتمبر/أيلول 2014، الذكرى العاشرة لمطارح مأرب، التي أقامتها القبائل المأربية لمواجهة هجوم جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب المكثّف على المحافظة، ومحاولتها السيطرة عليها بقوّة السلاح.

جاء تأسيس المطارح الذي يعد عرفًا قبليًا متوارثًا لمواجهة الأخطار، بعد نحو شهرين من تحشيدات الجماعة، واعتدائها على أبناء القبائل بالمناطق الحدودية مع محافظتي الجوف وصنعاء، وذلك عقب سيطرتها على مدينة عمران في يوليو/تموز 2014، وتزامنًا مع زحفها نحو العاصمة صنعاء وإسقاطها في 21 سبتمبر/أيلول 2014.

الصحفي اليمني، “مأرب الورد”، كان واحدًا من الصحفيين اليمنيين الذين زاروا هذه المطارح بعد تأسيسها في مهمة صحفية، يروي لـ“برّان برس” مشاهداته أثناء زيارته للمطارح، وكيف وجد موقف قبائل مأرب حينها في الدفاع عن الدولة، وأبعاد هذا الموقف وما الذي مثّلته لمأرب وللشعب اليمني عمومًا.

أمل الشعب

عن موقف قبائل مأرب، يقول الصحفي الورد، إن موقفها وتوحدها ضد جماعة الحوثي “مثّل الأمل الذي كان يحتاجه الشعب اليمني، في ذلك الوقت، عندما كان يرى سلطات الدولة على المستوى المركزي والمحلي يتم تسليمها لجماعة الحوثي بدون أي قتال غالبًا، وأحيانًا بأوامر وتوجيهات من مسؤولي الدولة المعنيين”.

وأضاف أنه “وبسبب ذلك كان هناك تقريبًا يأس عارم، لأن رئاسة الدولة انتهجت نهج ما تسميه الحياد، وهو في الواقع الاستسلام أو التسليم للمليشيات للسيطرة على الدولة والبلد”.

وكان أهم ما فعلته القبائل حينها، وفق الصحفي الورد، “أولًا أعطى الأمل الذي كان يحتاجه الشعب بأنه لا يمكن للحوثيين أنهم يسيطروا على البلد؛ لأنه لا يزال هناك أمل، وهذا الأمل قادم بهذه المصادفة التاريخية من موطن أجدادهم وأهم حضارتهم، مملكة سبأ. وثانيًا، أنه لا تزال هناك قبائل تتمتع باستقلاليتها ونخوتها، وأنها لا يمكن أن تسلم شرفها وعرضها ومناطقها لمليشيات خارجة عن سلطة الدولة”.

فارق القوة

وفي هذه اللحظة التي وصفها بـ“القاتمة”، قال “الورد”، إن القبائل “اتخذت موقف النكف القبلي الذي يسمى في مأرب “المطارح”، وأعلنت من منطقتي نخلا والسحيل شمالي غرب المحافظة، مكانًا للتجمع يستوعب جميع أبناء مأرب، والاستعداد لمواجهة الحوثيين مهما كانت الظروف، ومهما كانت قوتهم”.

وعن فارق القوة العسكرية في ذلك الوقت، قال إنه “كان لصالح الحوثيين لأنهم سيطروا على مقدرات البلد، وتحديدًا مقدرات الجيش، ومع هذا لن يثني قبائل مأرب عن مواجهتهم”.

قرار حتمي

ونوه “الورد”، إلى أن قرار القبائل في مأرب “لم يكن اعتباطيًا بقدر ما جاء نتيجة لتنصل الحوثيين من اتفاق سابق تم برعاية قبلية، وكان يقضي بخروجهم من المناطق الشمالية من المحافظة، من مناطق الجدعان”.

وأضاف: “كما نعلم الحوثيون كانوا يخوضون مواجهات شبه متفرقة مع القبائل منذ 2011، القبائل التي تعيش في المناطق الشمالية على حدود الجوف، ولما رأت قبائل مأرب أن الحوثيين يعلنون بشكل صريح أن خطوتهم القادمة بعد وقبل سيطرتهم على صنعاء هي مأرب”. 

أهمية استراتيجية

ويأتي إصرار الحوثيين على السيطرة على مأرب، وفق الصحفي الورد، “لما تمثله من أهمية استراتيجية على مستوى اقتصاد الدولة، إضافة إلى أنه لا يمكن لمن يحكم صنعاء والحكومة المركزية أن تستغني عن موارد محافظة مأرب النفطية والغازية. بالإضافة إلى قوة القبائل بما تمثله من رصيد داعم لأي نظام يحكم صنعاء”.

“وبمجرد أن تبقى هذه المحافظة خارج سيطرة من يحكم صنعاء، سيظل هذا النظام أو السلطة أيًا كانت مشروعيتها تفكر بقلق وهواجس من بقاء قوة خارج سيطرتها، بالإضافة للإرث لتاريخي باعتبار الحوثيين امتداد للأئمة الذين لديهم تاريخ أسود في مأرب”، يقول الصحفي الورد.

وهذا الأمر، وفق الورد، “جعل قبائل مأرب تتوحد، وتعلن النكف، وتستجمع كل قوّتها ومقدراتها، بما فيها المال والرجال والسلاح”.

وفي البداية، قال إنها “استنفرت نفسها في المدخل الشمالي للمحافظة، وبعدها توسعت المطارح على امتداد جغرافيا المحافظة تباعًا للتطورات. واستطاعوا القبائل قبل تدخل التحالف أن يتصدوا للحوثيين، ويكسروا جميع محاولاتهم للسيطرة على المحافظة”.

المطارح بعيون مأرب الورد

وعن زيارته للمطارح، قال “الورد”، في حديثه لـ“بران برس”: “عندما أعلنت القبائل المطارح، وبحكم عملي كصحفي أغطي ما يجري في البلد، كان دافع من الأمل أو باحث عن الأمل. كان لدي فضول أن استكشف ماذا تعني هذه المطارح؛ لأنه بالنسبة لي أول مرة في حياتي أشهد نكف قبلي مسلح على هذا المستوى”.

وأوضح أن “النكف الذي أعلنته القبائل في مأرب كان للتصدي لقوة غازية، يعني كان حالة حرب، وليس من نوعية التجارب التي قد شهدتها من قبيل نكف ينتهي بإقرار قرارات ذات طابع سلمي”.

واردف: “قدمت من صنعاء إلى مأرب، ولما وصلت بصراحة اندهشت، بدا لي المكان كما لوكان معسكر للجيش، يمتلك الأفراد المسلحين، ومن خلال مشاهدتي كان هناك تنظيم غاية في الدقة، والأفراد مقسمين على مجموعات كل مجموعة يديرها أو يرأسها أو يقودها شخص من نفس القبيلة”.

وتابع: “كل قبيلة تمول أفرادها من السلاح والمال والعتاد والغذاء والسيارات. وهناك أشخاص متخصصين في اللجان التسليح واللوجستيات والإعلام وغيرها، فيما كانت القيادة، تخضع لنوع من الشورى أو شكل من الاختيار الحر التي تعكس التقاليد القبلية”.

تمسّك بالأعراف

وحول هذا العرف الذي لجأت له القبائل، قال مأرب الورد، إنه “يعكس أهمية وقوة الأعراف القبلية بالنسبة لتماسك القبيلة، القبيلة اليمنية بشكل عام. 

وأضاف: “لأن قبائل مأرب أقل تسيسًا من القبائل الشمالية، كانت أكثر تمسكًا بالأعراف القبلية التي هي محل إجماع قبائل اليمن منذ توقيع وثيقة اتفاق مع العلماء والمشايخ والمرايغ قبل قرون طويلة، وأصبحت ملزمة لكافة قبائل اليمن”.

ووفق الورد، فقد استطاعت القبائل “أن تنحي جانبًا الحسابات السياسية والمصلحية البحتة، وتفكر بالمصلحة العامة التي تتقاطع مع مصلحة الدولة؛ بأن بقاء مأرب بعيدًا عن سيطرة مليشيا الحوثي يعني ضمان سيطرة الدولة، وبقاء حضور الدولة يعني الأمل بالنسبة لليمنيين في استعادة دولتهم واستعادة العاصمة”.

قوّة وإرادة

وتحدث الصحفي الورد، عن مقابلته لعدد من المشايخ  في المطارح، ومنهم الشيخ أحمد صالح العقيلي، قائلًا: “عندما سألته ما الذي تملكونه وهل تثقون بأنكم قادرون على مواجهة الحوثيين في ظل تفوق القوة العسكرية؟، فقال لي نعم، نحن نمتلك القوة والإرادة، ونحن متوحدون في مواجهتهم”.

وأضاف: “قال لي الشيخ العقيلي، بالحرف الواحد: لن نسمح لهم بدخول المحافظة مهما كان. كذلك الحال بالنسبة للشيخ عبدالله بن حمد غريب، وهو كان في ذلك الوقت في السبعينات من عمره، قال لي وكان يحيطه أبنائه وأحفاده: لقد خبرت جميع المحطات والتحولات الوطنية والحروب، وليس لدي ولدينا ما نخسره. إذا عجزنا عن حماية المحافظة، ومنع الحوثيين من الدخول، لا يمكن أن نسلمها لهم كما يطمحون إليه”.

عوامل تاريخية واجتماعية

وعن العوامل التي أسهمت في تكوين هذا الموقف الفريد على مستوى البلاد، قال الورد، يعتقد “الورد، إن أهم عامل “يعود إلى أن قبائل مأرب تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية. الاستقلالية الاجتماعية، بمعنى أنهم كانوا يمارسون سلطاتهم كمشايخ قبائل في مناطقهم بهامش كبير بعيدًا عن تدخلات الدولة". 

والعامل الثاني، وفق الورد، أنهم “كانوا أكثر تمسكًا بأعرافهم، وقوّة القبيلة في أعرافها. وكانوا يتوارثونها جيلًا بعد جيل. فبالتالي بمجرد ما يواجهون خطر مشترك، يتوحدون لمواجهة هذا الخطر. وعلى طريقة المثل المعروف: أنا وابن عمي على عدوي”.

ويرتبط الأمر الثالث، بحسب الورد، بـ“دور قبائل مأرب في مواجهة الأئمة من قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، حيث استحضروا ما الذي سيقع عليهم في حال سيطر الحوثيون على المحافظة. سيتم القضاء عليهم كمشائخ، والقضاء على نفوذهم، تغيير هويتهم، وتعيين شخصيات بناء على معايير النسب تدير مناطقهم، وهذا عيب وعار في حقهم كقبائل”.

تحفيز للمقاومة الوطنية

وعلى المستوى الوطني، قال: “كانت مأرب من خلال المطارح التي مثلت ملتقى كبير لاستيعاب الأحرار والفارين من بطش الحوثيين، لإعادة تجميع صفوفهم وتأهيل أنفسهم، وانعكس هذا إيجابًا على محافظات الجوف والبيضاء وصنعاء”.

وأضاف أن “المطارح شجعت بقية اليمنيين على المقاومة في مختلف المحافظات، وكسرت شوكة الحوثيين وسطوتهم، وبهذا أثبت قبائل مأرب أن الحوثيين ليسوا بتلك القوة الخارقة، وأن كل سيطرتهم إنما كانت استلام وتسليم نتيجة تخلي مسؤولي الدولة عن واجباتهم”.

وكل هذه المؤشرات والنتائج، وفق الورد، “هي التي ساعدت في الحفاظ على تماسك الدولة في مأرب والمحافظات المجاورة”.

معركة مصير

عن كيفية انتصار القبائل على حشود جماعة الحوثي المدججة بالعتاد العسكري والمنظومة الدعائية، قال الورد، “بالنسبة للقبائل مثلما كانت بالنسبة للحوثيين، المعركة كانت شبه مصيرية”. مضيفًا أن “الحوثيين كانوا يدركون أنه بالسيطرة على مأرب يمكنهم ضمان الحكم في صنعاء”.

وعسكريًا، قال إن الحوثيين سيضمنون أنه “لا يمكن للشرعية أن يكون لها منطلق لتجميع صفوفها، وتجنيد الناس، وبناء القدرات لمواجهتهم بالنظر للظروف التي نعلمها”.

وبالنسبة للقبائل، قال الورد: “كانت مصيرية بالفعل للأسباب التي ذكرتها سابقًا، وهي أن القبائل تعلم ما هو مصير المشايخ والقبائل وحتى المواطنين الذين حتى تعاونوا مع الحوثيين في المحافظات الأخرى، وبالتالي لم يكن لديهم خيار إلا المواجهة”.

وهنا قال إن القبائل “قاتلوا قتال الأبطال، بكل بسالة وإخلاص، وكان الرجل يضحي بنفسه وأولاده. وحصلت تضحيات كبيرة جداً. وبالقدرات المتاحة والإمكانيات المتاحة”. 

قيادة نادرة

وفي هذا السياق، قال الصحفي الورد، إنه “لحسن الحظ أن محافظ المحافظة كان ينتمي إلى محافظة مأرب، ومن نوعية الشخصيات الكبيرة التي تعي دورها وواجباتها”. 

وأضاف: “عندما نتحدث عن الشيخ سلطان، فقد كان من نوعية الشخصيات الوطنية القلائل التي تكاد تكون محل إجماع بسبب الدور الذي لعبته في الحفاظ على الجمهورية والتصدي للحوثيين”. وإضافة إلى ذلك، قال إنه “سخّر موارد كبيرة من موارد السلطة المحلية لصالح دعم المقاومة فيما بعد”.

وفي هذا الوضع، لفت “الورد”، إلى “علاقة إيجابية تقريبًا” نشأت “لأول مرة” بين القبائل والسلطة المحلية، وصفها بأنها “علاقة تكامل وتناغم وتنسيق كامل، بعيدًا عن علاقة الشك والريبة التي كانت تطبع سلوك العلاقة بين قبائل مأرب والحكومة المركزية في صنعاء أو السلطة المحلية بمأرب فيما قبل”.

وهذا الموقف الموحد، قال إنه “انعكس حتى على موقف الأحزاب السياسية في مأرب، فموقفها كان على عكس مواقف الأحزاب في المحافظات الأخرى”.

وهنا تشكّل، وفق الورد، “نموذج فريد: موقف إيجابي من السلطة المحلية لم يحصل في المحافظات الأخرى”، معتبرًا هذا “عنصر مهم وفارق”، وبرأيه “لو أن السلطات المحلية في المحافظات الأخرى قامت بدورها لربما كان هناك تحول، ولما سيطر الحوثيون، ولو كانت الأحزاب السياسية تقوم بدورها ربما أيضًا لرأينا الأمر مختلف”.

وبرأيه، فإن “هذا الثلاثي (القبائل- السلطة المحلية- الأحزاب) شكل وحدة متجانسة لمواجهة الحوثيين، وتفرغ كل الطاقات والقدرات والإمكانيات والجهود لصالح المعركة، وتم كسر الحوثيين”.

وبهذا قال: “استطاعت قبائل مأرب أن تحافظ على المحافظة حتى جاء التحالف، بمعنى أنه في عز قوة الحوثيين لم يستطيعوا أن يسيطروا على مأرب”.

وهنا قال إن “المطارح مثلت أول تجمع لتشكيل المقاومة الشعبية في المحافظات الشرقة امتدادًا إلى البيضاء، على نحو منظم وليس دفاع فردي أو تحركات فردية، وبعدها أصبحت النواة التي تشكل منها الجيش الوطني”.

معركة قومية عربية

وعن الحضور الإيراني في المعركة خصوصًا في السنوات الأخيرة، قال الورد: “كانت تلك هي معركة إيران، وقد عبرت عنها وكالاتها الرسمية، وكالة مهر عندما في ذروة المعركة في رمضان، قالوا إنهم سيفطرون من تمر مأرب”.

وحينها، قال “حصل لهم انكساره، وكانت تلك من المعارك التي تتجاوز القطر الوطني، أو حدود الوطن لأنها من المعارك القومية العربية”. 

وأكد أن المعارك كانت مع إيران “وكانت من أسوأ المعارك التي خسرتها إيران. لأنه لو كان الحوثيون سيطروا على مأرب، ربما لكان انتهى المشهد بشكل كبير، وربما لأصبح اليمن مقسم، وربما انتهى الأمل كليًا، لأننا نعلم أنه ما بعد مأرب الأمر سهل جدًا بالنسبة للحوثيين. 

وبالتالي، قال إن “مأرب هي الصخرة التي تحطمت عليها أحلام وطموحات وقوة الحوثيين”، فقد كان “هدفهم السيطرة على مركز المحافظة وعلى منابع الثروة”.

استحضار النموذج

وتابع الصحفي الورد، في حديثه لـ“بران برس”: بصمود مأرب، بفضل أبنائها والناس الذين موجودين فيها كانت الحكومة الشرعية تستطيع أن تفاوض، وقبل ذلك كانت لا تزال موجودة ولا يزال لديها اعتراف دولي. لأنه لو خسرنا مأرب لا قدر الله الاعتراف الدولي سينتهي تمامًا طالما أنت لم تعد موجودًا على الأرض الجنوب نحن نعرف من يسيطر عليه”.

وشدد على ضرورة “استحضار هذا النموذج مرة أخرى، واستحضار الدروس منه”، وباعتقاده فإن “أبناء مأرب يجب أيضًا أن يعيدوا النظر في كل الظروف التي حصلت بعد ذلك من أجل الحفاظ على التضحيات التي يقدمونها”.

وفي ختام حديثه، أكّد “الورد”، أن “تجربة القبائل في مطارحها بحاجة للدراسات الاجتماعية المعمقة، لأن القبائل وأعرافها هي ظاهرة اجتماعية، وتستحق دراسات في علم الاجتماع”.

مواضيع ذات صلة