برّان برس | أعد التقرير - علي العقيلي:
يصادف اليوم الخميس (26 سبتمبر/أيلول 2024)، الذكرى الـ62 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، التي أطاحت بحكم الإمامة العنصري في اليمن، الذي عرف بالاستبداد وثالوث الجوع والجهل والمرض، وأقامت النظام الجمهوري القائم على أسس الحرية والمواطنة المتساوية.
“برّان برس”، يسلّط هذا التقرير الضوء على الدور الذي لعبته محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، في أحداث هذه الثورة والدفاع عنها، نظرًا لموقعها الجغرافي المتاخم للعاصمة صنعاء من جهة الشرق، ولطبيعة مجتمعها الرافض للاستبداد والاستعلاء الذي جسّدته الإمامة فكرًا وسلوكًا.
طريق الحرية
المناضل الجمهوري الشيخ “محسن بن صالح بتران العبيدي”، كان أحد أبناء مأرب المشاركين في ثورة 26 سبتمبر، قال لـ“بران برس”، إن “الثورة فتحت طريق الحرية للشعب اليمني وشعرنا بالراحة النفسية بعد قيامها”.
وعن ذكرياته أثناء المشاركة في ثورة 26 سبتمبر، قال: “وصلنا صنعاء واجتمعنا مع السلال في مباني صغيرة من الطين، وتوزعنا المهام، وكنت ضمن سرية دوريات على "خيل" كنا نطوف ليلاً على مدينة صنعاء ونقوم بتأمينهاˮ.
ملاحقة فلول الإمامة
بعد الإطاحة بحكم الإمامة في صنعاء، يقول الشيخ العبيدي، إنه توجه ورفاقه من أبناء مأرب والعديد من الثوار من أبناء المحافظات الأخرى إلى محافظة الجوف لملاحقة فلول الإمامة التي بدأت تتجمع في صحراء الجوف، وتحاول إعادة ترتيب صفوفها لشن هجمات على الطرق ومواقع القوات الجمهورية في المحافظة والمناطق القريبة منها.
ويضيف: “توجهنا إلى الجوف لملاحقة فلول الإمامة في منطقة الخنجر، وخضنا معارك في مناطق متفرقة، ثم دارت معركة طاحنة في منطقة "عدلين" بالجوف وسقط عشرات القتلى منهم، وقتل منا مجموعة من الثوار على رأسهم الشيخ حميد بن حسين الأحمر، شقيق عبدالله بن حسين بن الأحمرˮ.
الانتصار للجمهورية
مطلع فبراير/شباط من العام 1968، شنّت فلول الإمامة هجمة ارتدادية على صنعاء في محاولة لإجهاض الجمهورية الوليدة، وفرضت حصارًا مطبقًا عليها لأكثر من شهرين.
وحينها، أطلقت قيادة الثورة نداءً إلى قبائل اليمن وأحرار الشعب للدفاع عن الجمهورية، وتلبية للنداء تحركت قبائل محافظتي مأرب والبيضاء، بقيادة المناضل الجمهوري "أحمد عبدربه العواضي"، كمقاومة شعبية تلبية لنداء الجيش الجمهوري الذي أطلقه لقبائل اليمن لكسر الحصار عن صنعاء والدفاع عن الجمهورية.
المناضل “علي بن مبارك العقيلي”، أحد المشاركين في كسر “حصار السبعين”، قال لـ“برّان برس”، إنه وقبائله وعدد من قبائل حريب جنوبي محافظة مأرب، تحركوا إلى منطقة "الجريبات" والتقوا بالشيخ احمد عبدربه العواضي وتحركوا معه والعديد من أبناء قبائل البيضاء باتجاه ذمار لكسر الحصار عن صنعاء.
وفي الطريق قال إنهم تعرضوا لعدّة كمائن نصبتها عناصر تابعة للإمامة في منطقة "بوب الفلاك" وخاضوا مواجهات ضدها. مضيفًا: “بعد تعرضنا لكمائن في ذمار توجهنا إلى إب ومنها إلى تعز وصولًا إلى الحديدة وأقمنا بها واجتمعنا مع القوات الجمهورية بقيادة سنان أبو لحوم، ثم تحركنا باتجاه صنعاء".
وفي صنعاء، يقول المناضل “العقيلي”: “وصلنا إلى بلاد بني مطر وخضنا مواجهات مع فلول الملكية من بني مطر وكانوا يحاصرون منزل وقرية الشيخ الجمهوري أحمد علي المطري، في منطقة بوع”.
وأضاف في حديثه لـ“برّان برس”: “بعد مواجهات عنيفة تمكنا من كسر الحصار، ووصلنا إليه (أحمد علي المطري)، وقام بإكرامنا، وأقمنا في ضيافته، ثم تحركنا وهو معنا إلى جبل النبي شعيب، وخضنا مواجهات استمرت ثلاثة أيام ثم سيطرنا عليه، وكسرنا الحصار عن صنعاء وفتحنا الطريق الرابط بين صنعاء والحديدة، وداخل الإمداد إلى صنعاء من غذاء ودواء وسلاح وذخيرة".
تأمين الجمهورية
وبعد كسر الحصار على العاصمة صنعاء، قال المناضل العقيلي: “توجهنا إلى منطقة الروضة، وخضنا مواجهات شرسة ضد تجمعات للملكية يقودها قاسم منصر، واستمرينا في المواجهات لمدة شهر كامل، وبعدها سلم نفسه ومن معه إلى القوات الجمهورية، وتمت السيطرة على صنعاء وتأمينها بالكامل".
وبعد ذلك قال إنه توجّه ومن معه من أبناء محافظة إلى الجوف لملاحقة فلول الإمامة، وخاضوا مواجهات شرسة ضدها في منطقة الخنجر، ومناطق أخرى حتى تم القضاء كلياً على بقايا الإمامة، وتثبيت النظام الجمهوري على كافة الأراضي اليمنية شمال اليمن وإنهاء الوجود الكهنوتي كلياً.
دور مبكر
لم تقتصر مشاركة أبناء مأرب في أحداث ثورة 26 سبتمبر والدفاع عنها وتأمينها، بل سجّل التاريخ دورًا بارزًا مبكّرًا وممهدًا لها يجسّده موقف الشيخ الثائر “علي ناصر القردعي المرادي”، في ثورة الدستور عام 1948م.
ينحدر “القردعي” من مديرية رحبة جنوبي محافظة مأرب، ورغم حرمانه من التعليم كغيره من أبناء اليمن، خصوصاً في الأرياف والمناطق النائية، إلا أنه كان يحمل ثقافة وطنية عالية اكتسبها من بيئته البدوية التي نشأ وترعرع فيها.
كان الشيخ القردعي شاعراً فذاً وحكيماً، وله العديد من القصائد الوطنية والزوامل الشعبية التي لا تزال متداولة إلى اليوم، وتشرح الواقع الذي عاشه اليمنيون بتلك الفترة وطبيعة الحكم الملكي. وتبيّن الثقافة الوطنية العالية التي كان يتمتع بها الشيخ علي ناصر القردعي، والحس الوطني الذي يحمله وجعله واحداً من أبرز قادة ثورة الدستور.
وكشف دور "القردعي"، وغيره من أبناء مأرب، وفق باحثين، الإدراك المبكر لدى المجتمع الماربي بواجبه في محاربة الظلم والاستبداد الذي يمارسه الأئمّة ضد الشعب اليمني، وتوقه إلى الدولة ومبادئ العدالة الاجتماعية.
حضور جديد
مع انقلاب جماعة الحوثي التي تعد امتدادًا سلاليًا وفكريًا للإمامة وسيطرتها على صنعاء أواخر العام 2014، عادت مأرب إلى الواجهة ورفعت صوتها وأشهرت سلاحها للدفاع عن الجمهورية من جديد.
فمنذ البداية خرج أبناء مأرب إلى أطراف المحافظة بسلاحهم وعتادهم للدفاع عن الدولة والنظام الجمهوري، معلنين موقفهم الرافض لتمرد جماعة الحوثي وسعيها المسلح لإسقاط الجمهورية وإعادة ماضيها المظلم والكارثي.
وللسنة العاشرة على التوالي، تمثّل محافظة مأرب أهم جبهات المواجهة مع مخلفات الإمامة المتمثّلة في جماعة الحوثي المدعومة من النظام الإيراني، وبهذا تكون مأرب قد سجّلت حضورًا جديدًا في الدفاع عن الجمهورية امتدادًا لأدوارها في ثورتي الدستور و26 سبتمبر.