|    English   |    [email protected]

من العداء لإسرائيل إلى قتال الشعب السوري والتدخل في اليمن.. 32 عاماً من مسيرة “نصرالله” (بروفايل)

السبت 28 سبتمبر 2024 |منذ شهر

بران برس- وحدة الرصد:

أعلن “حزب الله” اللبناني الموالي لإيران، السبت 28 سبتمبر/أيلول 2024، بيانًا نعى فيه أمينه العام، حسن نصر الله، بعد ساعات من إعلان لاحتلال الإسرائيلي نجاح عملية نفّذها لاغتياله مساء أمس الجمعة.

يأتي هذا في رابع أيام غارات إسرائيلية نوعية استهدفت قيادات الحزب ومخازن أسلحته وقدراته اللوجستية والعملياتية في معقله بالضاحية الجنوبية لبيروت، مخلفة عشرات القتلى والجرحى من مسلحي الحزب والمدنيين.

وحسن نصر الله هو ثالث أمين عام لحزب الله، جرى تعيينه في 16 فبراير/شباط 1992 خلفًا للأمين العام السابق عباس موسوي، الذي اغتالته إسرائيل بإطلاق صاروخ على موكبه.

تلقى نصر الله، تعليمًا دينيًا في مراكز وحوزات شيعية في لبنان والعراق وإيران، ولعب دورًا في أحداث جنوب لبنان عام 2000، وفي حرب يوليو/تموز 2006، وفي صفقات تبادل مع الاحتلال في السنوات الأولى بعد قيادته الحزب.

اشتهر بخطبه الحماسية التي أكسبته شعبية عربيًا وحظيت بمتابعة واهتمام كبيرين، قبل أن تتراجع هذه الشعبية والتفاعل مع تدخل الحزب في شئون الدول العربية الداخلية ومشاركته في زعزعة استقرارها وسفك دماء أبنائها.

مولده ونشأته وتعليمه
ولد حسن عبد الكريم نصر الله في 31 أغسطس/آب 1960 في بلدة البازورية جنوب لبنان. وتزوج من فاطمة ياسين، وله منها خمسة أبناء هم: هادي وزينب ومحمد جواد ومحمد مهدي ومحمد علي.

قتل ابنه البكر هادي سنة 1997 في مواجهات مع الجيش الاسرائيلي بمنطقة جبل الرفيع جنوب لبنان، وبقي جثمانه محتجزا حتى تمت استعادته في صفقة تبادل مع الاحتلال عام 1998 ضمن 40 جثة وأسرى لبنانيين.

تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "الكفاح" الخاصة بالضاحية الشرقية لبيروت، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة "الثانوية التربوية" في منطقة سن الفيل.

مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، عادت عائلته إلى مسقط رأسه في بلدة البازورية وفيها واصل تعليمه الثانوي.

دراسته الدينية

عام 1976، التحق “نصر الله” بالحوزة الشيعية في النجف بالعراق، وكان عمره 16 عامًا، وبدأ مرحلة الدراسة الدينية، وفيها تعرف على عباس موسوي -الذي أصبح لاحقا الأمين العام لحزب الله- وأشرف على تعليمه وتكوينه.

وتحت الرقابة والتشديد التي كانت تفرضها الحكومة العراقية على الحوزات الشيعية في العراق عام 1978 عاد “نصر الله“ إلى لبنان، والتحق بحوزة الإمام المنتظر في بعلبك، وهي حوزة دينية مماثلة للنجف فكرّا ومنهجًا أسسها الموسوي.

نهاية الثمانينات سافر إلى إيران لمواصلة تعليمه الديني الطائفي في مدينة قم، التي تعد ثاني أهم مركز ديني تعليمي للشيعة، قبل أن يعود بعد سنة إلى لبنان.

السياسة والتنظيم

كان قد انضم إلى حركة أمل خلال دراسته الثانوية، وعُين مسؤولًا تنظيميا للحركة في بلدة البازورية. واستأنف نشاطه السياسي والتنظيمي في الحركة بعد عودته من حوزات العراق، إذ عين سنة 1979 مسؤولا سياسيا لمنطقة البقاع وعضوا في المكتب السياسي.

في عام 1982 انسحب من حركة أمل مع مجموعة من المسؤولين، وانضم الى حزب الله الذي تأسس بذات العام، وتولى مسؤولية منطقة البقاع، وكانت مهمته تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية.

في عام 1985 انتقل إلى بيروت وتولى مهمة نائب مسؤول المنطقة، وواصل الصعود في سلم المسؤوليات إلى أن أصبح مسؤول المدينة، ثم المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى، حتى انتخب أمينًا عاما للحزب عام 1992.

زعامة الحزب ومعاركه الأولى

في 16 فبراير/شباط 1992، انتخبه مجلس شورى حزب الله، أمينًا عامًا للحزب خلفًا لعباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل. وقد انتخب بالإجماع رغم أنه لم يكن نائبًا للأمين العام، وكان أصغر أعضاء المجلس سنًا.

ونفذ الحزب عمليات عسكرية ضد إسرائيل، انتهت بانسحابها من جنوب لبنان عام 2000 بعد 22 عامًا من احتلالها.

كان لنصر الله دور أساسي في عملية تبادل الأسرى بين حزبه وإسرائيل عام 2004، وصفت بأنها أكبر صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين.

زادت شعبيته في حرب يوليو/تموز 2006، التي استمرت 33 يومًا والتي انسحبت خلالها إسرائيل من جنوب لبنان، واكتسب نصر الله خلال هذه المواجهات مع إسرائيل شهرة وشعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي.

تلاشي النجومية

بعد سنوات قليلة من حرب تموز، تلاشت شعبية نصر الله وانهارت مصداقيته خصوصًا بعد عام 2011، عندما أعلن دعمه للاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن، بينما تعامل بازدواجية مع احتجاجات سوريا، التي يعد نظامها حليفًا لحزبه فيما يسمى بـ“محور المقاومة” الموالي لإيران.

وفي أبريل/ نيسان 2013، أقر “نصر الله” في خطاب متلفز بمشاركة عناصر حزبه في القمع والعنف الذي اعتمده النظام لإخماد الاحتجاجات في سوريا والقتال إلى جانب قوات النظام السوري.

وبينما كان الحزب يبرر وجوده في سوريا قبلها بحماية المقامات الدينية أو الحدود اللبنانية، أعلن في هذا الخطاب أن عناصره يقاتلون إلى جانب الجيش السوري في دمشق وحلب ودير الزور وإدلب والقلمون وغيرها، وتعهد بتحقيق النصر لنظام الأسد ضد الشعب السوري.

ووصف هذا الخطاب بأنه تحريضي وأحرق ما تبقى لنصر الله وحزبه من مصداقية لدى الكثيرين، فيما رأى آخرون أن الحزب "كشف عن وجهه الطائفي" بتحريك مقاتليه لدعم نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري.

في فبراير/شباط 2015، أعلن نصر الله في خطاب أمام الآلاف من مؤيدي حزبه أن مقاتليه يشاركون في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وذلك عبر ما وصفه بـ“حضور متواضع”. وسبقها اتهامات لعراقيين بمشاركة حزب الله في حرب طائفية داخلية تحت لافتات وشعارات سياسية تتوافق مع مخاوف الغرب.

اقتتال داخلي وقمع

رغم سياسة الحزب المعلنة حول القضايا الداخلية والخارجية، والتي لا تشير إلى وجود أعداء له في الداخل اللبناني إلا أن ممارساتها السياسية والعسكرية أثبتت خلاف هذا.

فقد لاقت ممارسة الحزب السياسية والعسكرية في الداخل اللبناني انتقادات حادة، خاصة بعد تورط عناصر الحزب في اقتتال داخلي عام 2008 في ما عرف بأحداث 7 مايو/أيار.

فضلًا عن أن كثيرًا من اللبنانيين يعتبرونه “وكيلا لإيران” في الساحة السياسية اللبنانية، ويتهمونه بأنه “دولة داخل الدولة”.

وإضافة إلى هذا، انخرط الحزب في قمع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في بيروت تنديدًا بغلاء الأسعار وتدهور الحياة المعيشية.

تدخل في سوريا

وقف حزب الله إلى جانب النظام السوري في قمع “الثورة السورية” التي اندلعت عام 2011، للمطالبة بإسقاط الرئيس بشار الأسد، وتحسين واقع الحريات والأوضاع المعيشية.

وطيلة العقد الأخير، شارك “حزب الله”، إلى جانب حركات مسلحة أخرى تابعة لإيران، في الحرب الدموية التي شنها النظام ضد الشعب السوري، وارتكب عناصره مجازر في كثير من البلدات والمدن السورية.

كما ساهموا بفعالية في تهجير ملايين السوريين، من مدنهم وقراهم ونهب ممتلكاتهم، ودفعهم إلى المخاطرة بالهجرة المميتة نحو أوروبا. وهذه الممارسات أثارت انتقادات كثيرة على الحزب وقيادته، ممثلة بحسن نصر الله.

تدخل في اليمن

إلى جانب تدخله في سوريا، نشط الحزب في تكوين جماعة الحوثي في اليمن، ودعم تمرّدها على الحكومة اليمنية، وصولًا لانقلابها واجتياحها للعاصمة صنعاء بقوّة السلاح أواخر العام 2014، ومحاولاتها التوسّع نحو السيطرة على باقي البلاد.

وإضافة إلى الدعم بالمال والسلاح والإعلام، انخرط حزب الله في دعم جماعة الحوثي بالمقاتلين والخبراء لتقديم الدعم الميداني على الأرض.

وخلال الثلاث السنوات الماضية، تداولت وسائل إعلام تسجيلات مسرّبة تظهر قيادات لحزب الله وهم يقومون بعمليات التدريب والتعبئة لعناصر جماعة الحوثي في صنعاء، ضمن جهود الحزب لدعم الجماعة للسيطرة على حكم اليمن واستهداف السعودية.

ومنذ العام 2015، احتلت الحرب في اليمن مساحة في خطابات حزب الله، بما فيها حروب جماعة الحوثي للسيطرة على محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، وعادة ما كان يؤكّد أن “تداعيات معركة مأرب ستكون كبيرة جدًا في اليمن والمنطقة”. وفي خطاب آخر قال إنها ستغير وضع المنطقة 360 درجة.

وكان محافظة مأرب، الشيخ سلطان العرادة، قد أكد بمقابلة تلفزيونية في أبريل/نيسان 2024، ضلوع زعيم حزب الله اللبناني في إرسال عناصره للقتال إلى جانب الحوثيين باليمن، موضحًا أن هذا التدخل يأتي في سياق المشروع الإيراني لخلق وكلاء في الوطن العربي.

موقف خجول

عاد حسن نصرالله وحزبه إلى الواجهة مجددًا، مع إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى” على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاها من عدوان إسرائيلي مدمّر على قطاع غزة ما يزال مستمرًّا حتى الآن.

فقد أعلن “حسن نصر الله”، عن فتح “جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة”، إلا أنها اقتصرت على مناوشات محدودة لم تؤثر في ميزان المعركة، ووصفها كثيرون بأنها غسيل موقف ومحاولة لتبييض صفحة الحزب الذي بنى شعاراته وبرر تدخلاته الأمنية في المنطقة على أساس تحرير القدس من الكيان الصهيوني.

وتعرّض هذا الموقف لانتقادات كبيرة في العالم العربي والإسلامي، واعتبر كثيرون أن هذه العملية “لم تكن بالمستوى المطلوب”، وظلت تحت سقف محدود لم يرد الحزب تجاوزه. 

وتزايدت الانتقادات وموجات الاستغراب من عدم تصعيد الحزب لعملياته المسلّحة ضد إسرائيل، واكتفائه برشقات خجولة، رغم الحرب الصفرية التي شنّـتها الأخيرة على قيادات حزبه وثكناته ومعاقله جنوب لبنان والتي انتهت بمقتله في رابع أيامها.

نهايته
في 27 سبتمبر/أيلول 2024 أعلن جيش الإحتلال الإسرائيلي قصفه لما أسماه المقر المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقال إن الغارة كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وأكد في اليوم التالي نجاح العملية.

من جانبه، أعلن حزب الله اليوم 28 سبتمبر/أيلول 2024، عن مقتل حسن نصر الله في الغارة التي استهدفته. وتعهدت قيادة الحزب في بيان لها بـ“مواصلة جهادها في مواجهة العدو وإسنادا لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان”. وبهذا تنتهي مسيرة 32 عامًا قضاها حسن نصر الله في قيادة الحزب الموالي لإيران جنوب لبنان.

ويأتي إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن اغتياله اليوم رغم جهود فرنسية وأمريكية معلنة للتواصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار مؤقت جنوب لبنان لمدة 21 يوما؛ بغرض إتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي للأزمة.
 

مواضيع ذات صلة