|    English   |    [email protected]

“عبدالرب الشدادي”.. مسيرة قائد صلب وإرث خالد في سجل النضال اليمني.. فمن هو؟ (بروفايل)

الأربعاء 9 أكتوبر 2024 |منذ ساعتين
بران برس بران برس

برّان برس- وحدة التقارير:

مفتتح العام 2015، ظهرت مأرب وقبائلها في طليعة المشروع المقاوم لجماعة الحوثي التي بدأت حينها في التمدد والسيطرة على مختلف المحافظات اليمنية، وكما برز محافظ مأرب الشيخ “سلطان العرادة”، قائداً لتلك المقاومة من عمق العمل الرسمي، بزغ نجم الفريق الركن عبد الرب الشدادي، كقائد صلب من عمق المؤسسة العسكرية.

الرجلان شكّلا، وفي تناغم كبير، معزوفةً للخلاص، ليس لمأرب وحدها، وإنما لليمن الذي بدأت تحاصره النكبة، ويعيش هزيمة نفسية لم تشهدها البلاد من قبل.

بالعودة إلى تلك الفترة، يناير وفبراير من العام 2015، بدأت جماعة الحوثي وكأنها في مواجهة مباشرة مع مأرب، لا مع المحافظات كلها، فاشتغلت على الدعاية السوداء نحو مأرب ومحاولة السيطرة عليها، ببث الرعب في أهلها أولاً، حاشدين كل وسائلهم في هذا الاتجاه، إلا أنها اصطدمت برجالات هذه المحافظة ومنهم الفريق الشهيد عبدالرب الشدادي.

في أبريل/نيسان 2015، أصدر الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، قرارًا بتعيين الضابط، “عبدالرب الشدادي”، قائدًا للمنطقة العسكرية الثالثة، وقائداً للواء 13 مشاة، وبدا التعيين بمثابة الإعلان عن بدء معركة تحرير المحافظة من أي تواجد للحوثيين.

وفي فترة تقلّ عن العام و6 أشهر، أي من 8 أبريل/ نيسان 2015 حتى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ظل الفريق الشدادي، هو حديث الناس، وبطل المعركة وصانع الانتصارات المتتالية والمتسارعة حيث لم تمض أشهر إلا وتحرر جلّ مأرب عدا مساحة صغيرة في مديرية صرواح غربي المحافظة، والتي استشهد دونها الشدادي، الذي كان قد نذر نفسه أن لا يعود إلى منزله وأسرته إلا وقد عادت عاصمة السبئيين الأولى صرواح إلى حضن الدولة والجمهورية.

من هو الشدادي؟

بعد عام من ولادة الجمهورية في اليمن، أي في العام 1963، شهدت قرية الغول بمديرية العبدية ولادة “عبدالرب” من أسرة جمهورية خالصة، خاضت الحرب في أول سنين الثورة ضد حكم الإمامة، لتقدم والده “قاسم أحمد عبدربه الشدادي” وعدداً من إخوته شهداء في سبيل الجمهورية الوليدة، وهو في الخامسة من عمره.

وبعد عقود كتب لذلك المولود الذي صار رجلاً بطلاً أن يخوض معركته باستبسال حتى استشهاده ضد الإمامة الجديدة بنسختها الحوثية.

منذ سن مبكرة تحمّل “الشدادي” جزءاً من المسؤولية في أسرته الفلاحية، وكأنه كان يتهيأ لأمر عظيم سيجعله في الصدارة على مستوى اليمن والإقليم وهو يواجه مشروع إيران والحوثيين ويتصدى له بل ويهزمه في فترة قصيرة.

مع أن ذلك المشروع كان في أوج قوته وعتاده الذي نهبه من خزائن الجيش في كل المناطق العسكرية وأولها المؤسسات المركزية في صنعاء، والتي كانت تحوي خزائن فيها من كل الأسلحة.

مشواره العسكري

كأنت لتلك النشأة والتي تخللها تعليم بسيط في ما يعرف بالمعلامة في قريته تأثيراً على تفكيره والذي انعكس فيما بعد على مواقفه وأعماله المنحازة على الدوام إلى الناس والدولة والجندية، حيث قادته في العام 1981 للالتحاق بالمؤسسة العسكرية، وذلك في معسكر خالد بن الوليد بمحافظة تعز.

وعقب التحاقه بمعسكر خالد، سارع إلى تطوير مهارته، فلم يأت عام إلا وقد تخرج الشدادي، الشاب من دورة في سلاح المدرعات، وبعد عام نال دورة في سلاح المشاة وهي الدورة التي منحته صف ضابط.

ومع أنه بدأ يتدرج في سلك الجندية في المعسكر الذي كان يحمل رمزية ودلالة قوية للجيش حينها في شمال البلاد، إضافة إلى أهميته الاستراتيجية في الساحل اليمني بالقرب من المخا ومضيق باب المندب، إلا إن فساد التهريب كان يطغى على أعمال عدد من الضباط فيه، فاضطر “الشدادي” لمجابهة أولئك الفاسدين فسارعوا إلى إنزال العقاب عليه بالسجن ومن ثم الفصل كما يقول بعض مجايليه.

رفيق القشيبي

في العام 1990، عاد “الشدادي” إلى القوات المسلحة من بوابة الفرقة الأولى مدرع هذه المرة، وتقول المصادر إن من دفع به إليها، هو موقفه في معسكر خالد بتعز، فكان انضمامه للفرقة بطلب من قائدها الفريق علي محسن صالح الأحمر، بعد أن سمع عنه وعن بطولاته ومواقفه الشجاعة في مواجهة الفساد.

ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في حياة الضابط الشدادي الذي واصل اهتمامه بتعليمه العام والعسكري، فالتحق بمدرسة المشاة كما أخذ دورة في تأهيل الضباط وتخرج بتقدير ممتاز برتبة ملازم ثاني ليتم ضمه مع بقية الضباط الخريجين من مدرسة المشاة على الدفعة الـ 7 من خريجي الكلية الحربية.

في الأثناء وجد الشدادي ما يتطلع إليه في حياته العسكرية، فبعد فترة وجيزة من تعيينه كركن تسليح في الكتيبة الثالثة باللواء الأول مدرع، رُقي إلى رتبة نقيب ليعُين بعدها كاتباً مالياً للواء 310 مدرع في محافظة عمران والذي ظل يقوده لسنوات طويلة العميد الركن الشهيد حميد القشيبي.

ومع أنه كان في اللواء 310 مدرع كاتب مالي، إلا إنه كان يسارع إلى القتال الميداني، مشاركاً في حرب صيف 94 ضد الانفصاليين، ثم حروب صعدة الـ6 ضد تمرّد الحوثيين. 

مشواره التعليمي والأكاديمي

منحت العسكرية الشهيد الشدادي، فرصة الالتحاق بالتعليم العام، فبعد عودته إلى صفوف القوات المسلحة والتحاقه بالفرقة الأولى مدرع حصل على الشهادة الإعدادية (الأساسية) ثم بعد سنوا يحصل على الثانوية العامة، ليلتحق في معهد الثلايا في مدينة عدن لدراسة دورة قيادة ألوية ليتخرج بعد عام بدرجة امتياز، ويُرقى إلى رتبة رائد.

إضافة إلى ذلك حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من كلية التربية بجامعة صنعاء فرع عمران في العام 2004م. وهو العام ذاته التحق في كلية القيادة والأركان لينال شهادة الماجستير علوم عسكرية بدرجة جيد جداً، ويُرقى بعدها إلى رتبة مقدم مع حمل هيئة الركن.

وواصل الرجل الصعود في سلم الترقي العسكري والتعليمي، حيث ترقى عسكرياً عام 2008 رئيساً لعمليات لواء المجد.

مهمة العام 2011

لم يأت العام2011، إلا وكان الشهيد الشدادي، قد حصل على رتبة عقيد، وعين أركان حرب 72 حرس جمهوري، وهي القوات التي كان يقودها نجل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، بعد أن أصبحت سيرة الشدادي العسكرية مضرباً للمثل ونموذجاً يجب أن يحتذى به، إلا إنه مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية السلمية انحاز الشدادي إلى المتظاهرين وجعل من نفسه وأفراده درعاً لحمايتهم، حتى أنه أصيب إصابة بالغة حينها.

ويستدل الكثيرون على أن حماية الشدادي للمحتجين السلميين دليل آخر على ثوريته وبطولته وانحيازه للناس وما يطالبون به من حقوق مشروعة، وهي الثورية التي أهلّته ليتصدر المشهد في مأرب إبان مقاومة الحوثيين في العام 2015.

قبلها في العام 2014، كان الشدادي قد عاد إلى مأرب، حاملاً حزنه العميق على رفيق دربه حميد القشيبي، وما عايشه من اختلال في المؤسسة العسكرية والانتكاسة التي حصلت، فكانت مأرب هي ركنه الشديد الذي أوى إليه، ومع بدء ترتيب الصفوف كان في المقدمة كما هي كانت عادته.

تصدر المشهد

لم يأت مارس/ آذار 2015، إلا وكان الشدادي، هو المتصدر مشهد المواجهة، وما زالت كلماته شاهدة على بطولاته حتى اليوم وستبقى خالدة للأجيال، فكان أن قاد المعارك بحنكة واقتدار، وفقاً لشهادات مقربين منه.

استطاع أن يصد أشرس الهجمات الحوثية، وحوّل العمليات الدفاعية إلى هجوم كاسح لدحر الحوثيين. وكانت كلمته الأخيرة بأنه لن يعود إلى مأرب إما منتصراً في صرواح أو شهيداً فكانت هي الشهادة.

وما تقوله المصادر العسكرية إنه حين بدأ الشدادي الإعداد للمعارك والترتيب لها، أثبت هو وكل الجنود ورجال المقاومة الشعبية، أنها محافظة ليست منبعاً للثروات النفطية في اليمن، بل وللرجال.

وهذا ما قاله الكثير ممن نعوه بعد استشهاده منهم وزير الدفاع السابق الذي نعته بالجمهوري الصلب. وقال إن تضحياته وبطولاته ستظل سيرة عطرة تتفاخر بها الأجيال، وذكرى خالدة في قلوب اليمنيين الشرفاء، وتجربة رائدة ونادرة يتم تدريسها في المعاهد والأكاديميات والمدارس والكليات العسكرية، وصفحة ناصعة في سجل التاريخ والنضال.

المعركة الأخيرة
منذ 6 سبتمبر/ أيلول 2015، أي قبل استشهاده بشهر، ظل “الشدادي” مرابطاً في جبهات صرواح، رافضاً العودة أو إدارة المعركة من الصفوف المتأخرة، وكونه المقدام الذي واجه الحوثيين بشجاعة أبى إلا أن يستمر في معركته، وقد أقسم ألا يعود إلى المدينة إلا بعد تحرير صرواح أو الشهادة في سبيل الدين والوطن، وكان له ذلك.
 

مواضيع ذات صلة