
أعد التقرير لـ“بران برس” - أمة الغفور السريحي:
“كانت أصعب أيام السجن هي أيام ما قبل العيد.. مشاعر من الألم والقهر لا توصف”.. بهذه الكلمات اختزل المختطف المحرر من سجون جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، عمر الزمر، تجربته في المعتقل.
كان “عمر”، قد بدأ مشواره الجامعي بكلية التجارة، وأثناء عودته أحد الأيام، اختطفته جماعة الحوثي من أمام منزله، وغيّبته في زنازينها لأكثر من 5 سنوات، قبل أن ينال حريته بصفقة تبادل إلى تعز نهاية سبتمبر/أيلول 2021.
بعد أكثر من 3 سنوات على حرّيته، ما يزال “عمر”، يتذكّر مرارة الأعياد التي عاشها داخل زنازين جماعة الحوثي، يقول لـ“بران برس”: “تخيّل أنك تُعيّد بعيدًا عن أهلك وأبناءك وأصدقاءك وأحبابك. حتى الاتصال ممنوع علينا، ومظاهر العيد ممنوعة، وحتى الملابس نفسها طوال فترة السجن، نرتدي البدلة الزرقاء حتى يوم العيد”.
مثلما ذكر “الزمر”، أكد المختطف المحرر “ماجد البازلي”، أن ما أسماها “طقوس التعذيب” في السجن تبدأ من قبل يوم العيد، موضحًا أن الحوثيين كانوا يصدرون تعميمًا بمنع الأهالي من الزيارة، ويتم فقط إدخال الأغراض وتكون وسيلة لنهب تقريبًا نص كل زيارة بحجة الزحمة.
هروب إلى النوم
عن سلوك السجانين خلال الأعياد، قال عمر، إن يتعمّدون قطع الزيارات قبل العيد، ويمنعون دخول الملابس والأكل. وبعد العيد، يتعمّدون تأخير السماح بالزيارات، وبعدها يضيقون على الأهالي، ويقصّرون مدة الزيارة.
وداخل السجن، ذكر أن السجّانين كانوا يتعمّدون قطع الماء عن الحمامات، ضمن جملة من المضايقات.
وأمام هذه المعاملة القاسية قال: “أغلبنا كان يهرب إلى النوم، مع أنه لم يكن نومًا. كنا نغطي عيوننا، وكل واحد يتذكر الأعياد السابقة. نتذكر آبائنا وأمهاتنا وإخواننا ومن نحب”. مضيفًا: “كنت أستيقظ لأرى إذا كنت الوحيد الذي لا ينام لكن كان الجميع يتظاهرون بالنوم. كنت أسمع الآهات (بكاء) من الكثير من رفاقي في السجن”.
فرصة للإذلال
“ماهر محمد هبه”، قضى في سجون جماعة الحوثي 10 أعياد منها 4 سنوات في بدروم سرّي، منذ أن اختطفته الجماعة أثناء اجتياحها للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وقبل أن يفرج عنه ضمن صفقة تبادل إلى محافظة مأرب، بعد نحو 4 سنوات من السجن والتعذيب والحرمان.
عن العيد داخل سجون الحوثيين قال: “في كل عيد يقوم السجانون بإيصال حبات الأرز الخاصة بوجبة الغداء إلينا في وقت مبكر بخلاف سائر الأيام لكي يخرجوا لقضاء إجازة العيد وتناول القات وقد تأكدوا من إغلاق أبواب الزنازين والطواريد”. وحينها يتحول السجن إلى أشبه بمقبرة يغرق المختطفين فيه بالبكاء والآهات داخل الزنازين.
نموذج للوحشيّة
روى “ماهر”، قصّة مروّعة شهدها في السجن صبيحة عيد الأضحى عام 2017، قائلًا لـ“بران برس”: زميلنا الحسن عبدالرحمن الصراري، الذي لا يزال قيد السجن منذ 10 سنوات، كان متعباً ودخل في غيبوبة. حاولنا طلب المساعدة لكن السجانين تجاهلوا نداءاتنا لساعات ونحن نطرق الأبواب المدرعة”.
وأضاف: ومع الصياح وارتفاع الأصوات علم بقيّة السجناء بالوضع قاموا بطرق الأبواب وأحدثوا ضجّة، وأصبح كل السجناء ينادون من خلف أبواب الزنازين ما دفع مشرف السجن سيئ السمعة، يحيى سريع، وزبانيته إلى اقتحام الزنازين، ومعهم الصواعق الكهربائية وشاهدوا المريض وهو مغمى عليه، وتوقعنا أنه فارق الحياة.
وبدلًا من تقديم المساعدة، قال إن يحيى سريع، وجّه السجان بسحب الصراري، بوحشية على أرضية السجن ثم اعتدوا علينا بالضرب والصواعق الكهربائية، وصادروا ملابسنا وممتلكاتنا وأصبحنا حتى بدون ملابس.
وأضاف: بعد التعذيب أدخلونا إلى الزنزانة فتفاجأنا أن زميلنا المغمى عليه لا يزال مرميًا على الأرض والتراب على وجهه وملابسه نتيجة السحب، وأمامنا قاموا بسحبه إلى داخل الزنزانة مهددين: لا نسمع أي صوت”.
وأمرونا بعدم الاحتجاج وطلب المساعدة قائلين: اتركوه يموت ممنوع تنادوا أو تطرقوا باب. يومها تأكد لنا أن الحوثيين ليس لديهم رحمة ولا قيم إنسانية، ولا يحترمون عيد ولا مريض. تحوّل يوم العيد إلى جحيم ضاعف وضعنا النفسي وولد القهر والمعاناة.
عيد المسلمين
كشف “ماهر”، عن سرقة السجانين لملابس العيد التي يرسلها الأهالي لذويهم المختطفين قائلًا: “تخيل يرسل الأهالي ملابس عيد لذويهم ويأخذها السجان، ونتفاجأ بقول الأهل إن الثوب الذي يلبسه أبو هاشم، هو حقك أرسلناه لك وهذا حصل معي شخصياً، وكلمته (أبو هاشم) هذا الثوب حقي ليش ما وصلته، فرد قائلًا: احمد الله أنك بخير عادك تشتي تلبس ثوب”.
وروى حديثه مع أحد السجانين بتحسين معاملة المختطفين يوم العيد، فرد عليه قائلًا: “هذا عيد المسلمين وأنت خنزير يهودي صهيوني تستحق الجوع والموت بس منتظرين توجيهات السيد ونعدمك. عادك تطلب أكل العيد وملابس العيد؟!”.
يوم بؤس وشقاء
عبدالعزيز الحطامي، مختطف محرر، يوم العيد بالنسبة للمختطفين وأهاليهم بأنه “يوم بؤس وشقاء وحرمان”. مضيفًا لـ“بران برس”، أن “العيد من أسوأ الفترات التي تمر على المختطف، حيث لا يسمح بأداء صلاة العيد جماعة، ويضطر أفراد كل زنزانة للصلاة وحدهم، كما يمنع عنهم إقامة فعاليات تعبر عن ابتهاجهم بالعيد”.
وقال إن المختطفين كانوا يستقبلون العيد “بمشاعر القلق والخوف حيث يصادف العيد فترة تعنت وتضييق من قبل إدارة السجن عليهم، وهو سلوك تنتهجه في كل الأعياد.
وعن هذا السلوك، قال إنه يولد “ألم نفسي شديد لدى المختطفين وأهاليهم حيث تمنع عنهم زيارات الأهالي والتواصل بهم وإدخال الطعام وجعالة العيد”.
وفي صباح العيد، قال البازلي، متحدثًا عن تجربته: “نبدأ بالتكبير لنعيش لحظات العيد، فيقوم السجان بضرب الأبواب على السجناء، ويلجؤون لإطفاء الأضواء خصوصًا على العنابر الداخلية التي يكون فيها فقط ثلاث نوافذ كل نافذة 10 20سم، فتكون الإضاءة شبه منعدمة”.
وأضاف: “عدة مرات أخرجوا سجناء وضربوهم يوم العيد بحجة الإزعاج، يعطونا صبوح مرق الفاصوليا التي لا نأكلها ونأكل شيئا مما اشترينا وليس كل شيء مسموح لنشتري والشروة مرة اسبوعيًا”.
موسم توحش
من جانبه، قال المختطف المحرر، عبد الإله سيلان، إن “العيد موسم توحش مخيف يهيج فيه السجان ويمعن فيه بشدة لكي يصل لأعتى مراحل التعذيب”.
وعن تجربته قال سيلان: “كنا لا نكاد ننتهي من صلاة فجر يوم العيد حتى تبدأ أصوات ضرب القيود وتتعالى صرخات السجناء من التعذيب ويبدأ الأنين في أروقة الزنازين”.
وأضاف: “10 سنوات مرت على المعتقلين والأسرى والمخفيين، ومر معها 20 عيد يحمل الحرمان والآلام والبٌعد لكل هؤلاء السجناء، لا شيء قد يتعدى هذه الآلام إلا الخذلان الذي يجده هؤلاء الأبطال خلف قضبان السجون”.
وكانت المنظمة اليمنية للأسرى والمختطفين، قد أوضحت، في تقرير سابق لها، أن جماعة الحوثي ارتكبت 17 ألف و600 حالة تعذيب جسدي في سجونها، إضافة إلى أكثر من ألفي حالة إخفاء قسري.
وطبقًا للمنظمة الحقوقية، فقد وثّقت وفاة 98 مختطفًا بعد أيام من إطلاق سراحهم من سجون جماعة الحوثي، موضحة أن حالات الوفاة المعلنة وُثقت خلال السنوات الثمانية الماضية، مؤكدة أن المواطنين حُقنوا بمواد سامة.