|    English   |    [email protected]

سبتمبر وأكتوبر.. واحدية الثورة والأهداف لتحقيق الحرية والاستقلال (تقرير)

الأحد 13 أكتوبر 2024 |منذ 6 ساعات
بران برس بران برس

أعد التقرير لـ"برّان برس" - ضيف الله الصوفي:

في تاريخ اليمن الحديث، ثمة حدثان عظيمان برزا خلال ستينيات القرن العشرين، ثورة 26 سبتمبر ضد حكم الإمامة المستبد شمال البلاد، وثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني جنوبًا.

ورغم اختلاف السياقات الزمنية والجغرافية والسياسية لكل منهما، إلا أن هاتين الثورتين كانتا متكاملتين في المبادئ والأهداف، وجسدتا نضال الشعب اليمني ضد الاستبداد والاستعمار.

وفي كلا الثورتين كانت وحدة البلد أبرز الأهداف، خاصة أن المناضلين في الشمال والجنوب أدركوا خطر الاستبداد الإمامي والاستعمار البريطاني، وضرورة تكاتف الجهود والعمل على خطة مشتركة وأهداف محددة تتمثل بالتمسك بالحرية والكرامة، وتوحيد الجمهورية اليمنية.

امتداد طبيعي

الكاتب والباحث السياسي، الدكتور ثابت الأحمدي، قال إن ثورة 14 أكتوبر 1963م، تُعتبر امتدادًا طبيعيًا لثورة الـ26 من سبتمبر 1962م”، مؤكدًا أنه “لولا سبتمبر في الشمال لما كانت أكتوبر في الجنوب، كما تؤكد حقائق الأحداث آنذاك”.

وأضاف في حديث لـ“بران برس”: "نقول هذا ونحن نعرف أن بعضًا من رجالات الجنوب، كانوا جزءًا من ثورة الـ26 من سبتمبر، كما كان بعضٌ من رجالاتِ الشمال جزءًا من ثورة أكتوبر”. 

وبرأي “الأحمدي”، فإن هذا “يؤكد على واحدية الثورتين اللتين تُعتبران من صنيعةِ شعب واحد، بهوية واحدة، وإن كان بسلطتين اثنتين، ولا يزال بعضٌ من رجالات الثورتين أحياء إلى اليوم، ويحكون تفاصيل هذا المشترك النضالي الأصيل”.

سرديات متداخلة ومعقدة

من جانبه، قال الصحفي نشوان العثماني، إنه “بين سبتمبر وأكتوبر، تتداخل السرديات اليمنية بشكل معقد”. ومبدئيًا قال “يمكن النظر إليهما كتجربتين مختلفتين لكنهما مكملتان”. 

وتابع في حديثه لـ“بربان برس”: “سبتمبر، بما تمثله من انقلاب ثوري ضد الظلم والاستبداد، كانت لها أهميتها في وضع الأسس اللازمة للتغيير، الذي بتقديري لم يستمر إذ أُفرغتْ من أهدافها لاحقًا. وساهمت إلى ذلك في تعبئة الوعي الوطني وإثارة المشاعر الثورية”. 

وأضاف: “لكن أكتوبر، من جانبها، حققت أهدافها بشكل أكثر فاعلية، حيث أظهرت قدرة أكبر على تجميع الطاقات الشعبية وبلورة رؤية واضحة للتغيير، وقد كان خلال العقدين التاليين من عمر الثورة”.

وحدة أرض وإنسان وهوية

الأصل في اليمن الوحدة عبر التاريخ. يقول الباحث الأحمدي، إن الانفصال يمثل حالات استثنائية في تاريخ اليمن السياسي، أما شعبيًا فاليمن موحد عقيدة ولغة وهوية وثقافة مشتركة، وليس ثمة انفصال البتة؛ بل لن نكون مبالغين إذا قلنا أن الجزيرة العربية كلها موحدة بلغة وهوية واحدة.

وأضاف: عندما اندلعت شرارة ثورة 14 أكتوبر عام 63م، كانت عدن حينها من المدن المفتوحة لليمنيين وغير اليمنيين، ومنذ اللحظات الأولى هبّ اليمنيون بمختلف توجهاتهم ومناطقهم للدفاع عنها، وكان أبناء تعز بدرجة رئيسية هم أكثر أبناء الشمال تواجدًا في عدن؛ لكنهم لم يكونوا يرون أنفسهم إلا في مدينتهم ووطنهم الواحد.

وتابع: “كانت الثورتان المتقاربتان زمانًا ومكانًا، والمؤتلفتان أهدافًا وغايات، والموحدتان بمعاناةٍ واحدةٍ نافذة الأمل الجديد، وكرة الضوء المشرق لعهد جديدٍ يخطه اليمنيون، بصرف النظر عما حصل من نظام عدن عقب أحداث 69م أو ما حصل بين النظامين في 72م، ثم 79م”

وكما كانت عدن ملجأ لمناضلي الشمال أيام الإمامة، قال “الأحمدي”، إن “صنعاء وتعز كانتا بدرجة أولى الملجأ الأول للفارين من بطش الاحتلال البريطاني في عدن؛ بل وحتى ملاذًا للفارين جراء الخلافات المتفاقمة بين الرفاق المتشاكسين عقب ثورة أكتوبر وعقب الاستقلال”.

وفي كل الأحوال، قال: “ظلت الوحدة اليمنية حلم الجميع بلا استثناء في الشمال والجنوب، هزجت بها الأناشيد الوطنية والأغاني الجماهيرية شمالًا وجنوبًا على حد سواء، وكان لها أكثر من محطة توقفت عندها حتى تكللت بوحدة عام 90م”.

الثورة الأم

وعما تمثّله ثورة 26 سبتمبر، قال الباحث الأحمدي، إنها “تُعد الثورة الأم لثورة أكتوبر في الجنوب، حيث أتت الأخيرة منها متأثرة بها، وبدعم الزعيم العربي جمال عبدالناصر، الذي كان السند الأول لثورة 26 سبتمبر، وخطابه التاريخي في تعز عام 64م، شاهد على موقفه التاريخي، وموقف مصر تجاه الشطر الجنوبي من الوطن”.

وأضاف: “على أية حال، ومهما اعترى العلاقة من توتر فلا يعدو أن يكون شغب الأخوين داخل البيت الواحد، خاصة مع التوجه الجديد لبناء اليمن الاتحادي الذي يعمل قادته على تجاوز سلبيات الماضي ومآسيه بروح جديدة، بعد أن يتجاوز الشعب عنق الزجاجة التي يعيشها اليوم”.

من جانبه، يقول الصحفي العثماني، أنه “من المهم أيضًا أن نلاحظ دور الدعم المصري الذي لعب دورًا محوريًا في تعزيز سبتمبر وأكتوبر، وكان له تأثيرٌ كبير على مجريات الأحداث”. اليمن متعددة ومتنوعة.

روح ثورية واحدة

الشاعر الشاب منتصر منصور، تحدث لـ“بران برس”، حول واحدية الثورتين، مستعرضًا دور الأدب والشعر في تعزيز الروح الثورية لدى اليمنيين. وقال إنه “في الشمال، كان الزبيري والبردوني، أبرز الشعراء الذين ألهموا الناس بقصائدهم الثورية، وفي الجنوب، كانت الأناشيد والأغاني الوطنية تُغنى في التجمعات والمناسبات المهمة، ما ساهم في تحفيز الناس على المقاومة، والتصدي للإمامة ومواجهة الاستعمار، وتحقيق الحرية والاستقلال”.

وأضاف: "لم يأتِ أكتوبر تاليًا لسبتمبر في التقويم الهجري إلا ترتيب سماوي، لأنه سيأتي بعده في مشوار الثورة ومشوار التحرر، ومشوار استعادة الجمهورية اليمنية سواء من الإماميين أو من الاستعمار”.

وتابع أن “القصائد والأغاني التي قيلت وكُتبت وصدح بها الناس لسبتمبر أذكت الروح الأكتوبرية، كونهما شهران احتضنا ثورة واحدة تمددت من سبتمبر إلى أكتوبر، فالروح التي قاتلت في سبتمبر وما قيل في سبتمبر، هي الروح التي قاتلت في أكتوبر وينطبق عليها ذات القول وذات اللحن وذات القصيدة وذات السلاح”.

وإجمالاً قال: “لدينا ثورتان.. ثورة في الشمال وأخرى في الجنوب، لكن السلاح واحد، هو سلاح الروح اليمنية، واللحن اليمني والقصة اليمنية والرغبة اليمنية؛ فكأنهما وجهان لثورة واحدة، أو شهران لثورة واحدة وإن كان هناك فارق زمني بينهما”.

وتغنى الشاعر منتصر، بهاتين الثورتين قائلًا: “صلّى عليكَ اللَّـهُ يا سبتمبرُ، وعليكَ صلّى اللَّـهُ يا أكتوبرُ.. صلّى الإلـهُ عليكما وعليكما، صلّى مُكرّبُنا العظيمُ و(شمّــرُ).. وعليكما صلّتْ (معيـنُ) وقبلهـا، (سبأٌ) وصلّت بعد ذلك(حِميَـرُ)!.. يا أعظمَ اثنينِ البلادُ بأسرِها، صلواتُ من قطفوا الثمارَ وذكّروا”.

وتوضح المصادر التاريخية، أن الأدب والشعر لعبا دورًا بارزًا في إشعال روح الثورة وتعزيز الوعي الوطني في شمال الوطني وجنوبه، وبرز الشعراء والأدباء في طليعة من رفعوا أصواتهم ضد الظلم والاستبداد والاستعمار.

وحضرت الأغاني الوطنية والأناشيد خلال ثورتي سبتمبر وأكتوبر، لحث اليمنيين شمالًا وجنوبًا على الثورة، والتعبير عن تطلعات الشعب في الحرية والاستقلال، وتعزيز الهوية الوطنية. ومثلت الكلمة حينذاك سلاحًا في معركة التحرر الوطني، ووسيلة لنشر الوعي الثوري.

مشروع وطني

السؤال الذي يطرح اليوم، وفق الصحفي نشوان العثماني، هو “ما قيمة سبتمبر أكتوبر بالنسبة للشعب الرازح تحت أزماته المتلاحقة، المختطفة دولته بيد السلالة الجديدة إذ تستعيد ماضي الإمامة البائس بعد أكثر من ستة عقود، وفي ظل جنوب أمست بعض قواه السياسية تطمح أن تعيد الكرة إلى ما قبل أكتوبر؟”.

ويرى “العثماني”، أن “راهن الحال يقول أن لا قيمة لسبتمبر وأكتوبر ما لم تكن هناك ثورة جديدة تعيد لليمنيين حلمهم وطموحهم وآمالهم بالدولة التي لن يحملها ولن يحققها غير مشروع وطني لكل المواطنين وبقوى سياسية حية وحقيقية لا تقدم مصلحتها على مصلحة الوطن“. وما عدا ذلك قال: “نحن نثرثر فقط”.

مواضيع ذات صلة