|    English   |    [email protected]

مأساة طفل سُلبت حياته بـ“خطأ طبي” في حجّة ووالده يواجه الترهيب في صنعاء

الأربعاء 30 أكتوبر 2024 |منذ 3 ساعات
خطأ طبي يودي بحياة الطفل مالك يوس بحجة خطأ طبي يودي بحياة الطفل مالك يوس بحجة

أعد القصة لـ“برّان برس” - عمار زعبل:

يحتفظ “محمد يحيى علي يوس“، بأربع صور لطفله مالك (5 سنوات)، الذي توفّي في 20 سبتمبر/ أيلول 2024، إثر “خطأ طبي كارثي” بأحد المستشفيات في مدينة حجة، شمالي غرب البلاد.

يظهر “مالك”، في الصورة الأولى، وهو يرتدي ثيابه الجديدة واقفًا على قدميه أمام بوابة منزله أثناء توجهه برفقة والده إلى المستشفى بتاريخ 18 مارس/آذار 2024، ويبدو في صحة جيدة. فيما الصورة الثانية، يظهر فيها منهكًا على سرير المرض بعد أن أعطي جرعة أدوية خاطئة، وفق والده.

وأما الصورة الثالثة فيظهر فيها هيكلاً عظمياً بعد أشهر قليلة من احتجازه وإهماله داخل المستشفى. وتظهر الصورة الرابعة الطفل مالك، ملفوفًا بالكفن، استعداداً لوضع جثمانه في ثلاجة الموتى.

يستعرض “بران برس”، في هذه المادة مأساة الطفل مالك، الذي سلبت حياته داخل المستشفى بعد أن خرج إليه من منزله ماشيًا على قدميه. ويسلط الضوء على معاناة والده الذي يواجه الاختطاف والترهيب من قبل سلطات جماعة الحوثي المعنية بالرقابة والإنصاف في محاولة لإجباره على التنازل عن القضية.

يقول المواطن “محمد يوس“، وهو من أبناء مديرية أفلح اليمن، وسط محافظة حجة، إنه بتاريخ 18 مارس/آذار 2024، أسعف طفله الوحيد “مالك”، إلى المستشفى السعودي بمدينة حجّة، لعلاجه من “التهابات في الصدر”. 

وأثناء إسعافه، أوضح أن طفله كان بحالة جيدة ويمشي على قدميه و“لم يمكن يعاني سوى من التهابات في الصدر”. وحينذاك، لم يكن يتخيّل إطلاقًا أنه يقتاده إلى حتفه.

خطأ قاتل

بعد يومين من دخول الطفل “مالك”، المستشفى وبقائه في الطوارئ، قال والده إنه “كان قد بدأ بالتحسّن” من الآلام التي كان يشكو منها، إلا أنه “وأثناء استعدادنا للخروج قرر الأطباء إعادته إلى السرير والإبقاء عليه إلى اليوم الثالث”.

حينها، قال: “قاموا بتركيب مغذية لولدي، وفيها ثلاث إبر”. وفي تلك اللحظة “بدأ بالتشنجات كما في الصورة المرفقة (2)”.

في شكوى خطية رفعها والد مالك، إلى رئيس النيابة بتاريخ 27 مايو/أيار 2024، واطلع عليها “بران برس”، قال فيها إن المغذية جرى تركيبها “بواسطة شخص باكستاني عامل في المستشفى”. 

وقال إنه “بمجرّد تركيب تلك المغذية، وخلال دقيقة واحدة، شاهدت ولدي وهو يرتعش بقوّة كالذي أصيب بماس كهربائي”. ومن تلك اللحظة، قال: “تيبست أطراف ولدي، وفقد جميع بصورة كلية”، متهمًا المستشفى بـ“إهماله بعد ذلك والامتناع حتى من تحويله إلى مستشفى آخر رغم مطالبتي بذلك”. 

محاولة إنقاذ

عن رد الأطباء وموقفهم بشأن هذا التطور، قال أبو مالك، لـ“بران برس”، إنهم أخبروه “أنه سيتحسن، وإنها ليست إلا التهابات تحتاج قليلاً من الوقت ليشفى ويعود إلى حالته الطبيعية“.

ومع تراجع صحّته، قال إنه حاول نقله إلا أن “إدارة المستشفى (السعودي) والأطباء رفضوا تحويله إلى مستشفى آخر“. مضيفًا أن “إصرار المستشفى على قولهم جعلني أنتظر“.

في الشكوى السالفة الذكر، فسّر والد الطفل تصرف المستشفى ورفضه تحويل الطفل إلى مستشفى آخر بأنه كان “رغبة منهم في التخلص من ولدي للتغطية على جريمتهم البشعة في الخطأ الطبي الذي أفقده جميع حواسه وأطرافه ليصبح حاليًا هيكل عظمي يغطيه الجلد فقط كما في الصورة”.

وبعد شهر من الانتظار، قال إنه تفاجأ بإدارة المستشفى ذاتها تطلب منه “الإمضاء والإبهام على إخراج الطفل”، وهو الأمر الذي رفضه طالبًا منهم “ورقة تحويل لا خروج”، وهو ما رفضته الإدارة من جانبها.

متاهة السلطات

بينما كانت صحّة “مالك”، تنهار يومًا بعد آخر داخل المستشفى، لم يكن أمام والده سوى الذهاب إلى السلطات المعنية لمساعدته في إنقاذ طفله. 

طبقًا للوثائق التي حصل عليها “بران برس”، فقد اشتكى إلى الشرطة والبحث الجنائي بمدينة حجّة (خاضعة لسيطرة جماعة الحوثي)، بتاريخ 14 مايو/أيار 2024، ليتم توجيهه إلى النيابة العامة، والتي قال إنها “عجزت عن إلزام المستشفى بتحويل الطفل”.

ووفق مذكرة حصل عليها “بران برس”، فقد كلّفت نيابة استئناف محافظة حجة، بتاريخ 8 يونيو/حزيران 2024، المجلس الطبي بالتحقيق في القضية “على وجه السرعة”.

كما حصل “بران برس”، على وثيقة أخرى مؤرخة بتاريخ 12 يونيو/حزيران 2024، تتضمن توجيه النيابة العامة في العاصمة صنعاء (خاضعة لسيطرة الحوثيين)، رئيس المجلس الطبي، مجاهد علي معصار، بالتحقيق في القضية وموافاتها “بتقرير مفصّل” حولها.

تلاعب بالقضية

يجزم “محمد يوس”، أنه كان بالإمكان إنقاذ طفله لولا إصرار المستشفى على احتجازه محاولًا التنصّل عن “الخطأ القاتل”، ولولا اصطفاف السلطات المعنية مع المتّهم، لافتًا إلى حالات مماثلة جرى إنقاذها بتوجيهات السلطات ذاتها.

واتهم المجلس الطبي بعدم التعامل بجدّية ومسؤولية مع الواقعة، بينما ظلت الحالة الصحّية لمالك، تسوء يومًا بعد آخر، متهمًا المجلس ورئيسه مجاهد معصار، بـ“التلاعب بقضية ابني، الذي أتيت إليهم من أجل إنقاذه”.

وفي شكوى أخرى، وجهها إلى النائب العام بصنعاء، عبدالسلام الحوثي، قال فيها “ضل ولدى المجني عليه بالمستشفى المشكو به مدة 6 أشهر حتى قام الكادر الطبي بفصل المغذية عنه، والتي من بعدها فارق الحياة”.

وأضاف أن “المستشفى تعمّد إهمال حالته التي تسبب بها طوال تلك الفترة”، مؤكدًا أنه “كان باستطاعته أن ينقذ حياة فلذة كبدي، ولكن ذلك الكادر قام بجريمته الشنعاء مع سبق الإصرار والترصد حتى فارق ولدي الحياة”.

وهاجم والد الضحيّة، المجلس الطبي، الذي قال إنه “لم يقم بما هو موكل به، وبما أوجبه عليه القانون تجاه قضية طفلي، بل تعمد التلاعب في قضيتي ومحاولة تبرئة المستشفى المشكو به، والمماطلة في ملف قضيتي”.

مخالفة للقانون وانتهاك

في 22 يوليو/تموز 2024، كان المجلس الطبي قد أصدر تقريراً حول الواقعة، إلا أن والد الطفل، اعتبره مخالفًا للقانون والاجراءات المعمول بها، فضلًا عن كونه منحاز للمستشفى.

وقال في حديثه لـ“بران برس”، إن المجلس أصدر التقرير دون أن يأخذ رأي استشاريين، ولم تخضع الجثة للمعمل الجنائي. كما أن “توقيعات الأطباء في التقرير، بعضها لأشخاص غير موجودين”.

وأوضح في مذكرة “تظلم ومناشدة” قدمها إلى حكومة الحوثيين غير المعترف بها، بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2024،: أن “إدارة المجلس الطبي وشؤونه القانونية تعمدت التلاعب بالقضية وتبرئة المستشفى”.

واستعرض عدّة مخالفات قال إنها “تؤكد التعمد لضياع حق ابني المعتدى عليه”، متهمًا لجنة المساءلة بـ“عدم أخذ رأي استشاري محايد في القضية... والاكتفاء بما ورد في تقرير المشكو به فقط كدليل رغم عدم تضمنه أدلة من واقع السجلات الطبية الرقمية وغيرها بالمستشفى".

وقال إن “المجلس لم يشكل فريق من الاستشاريين والنزول إلى المستشفى لفحص الإجراءات التي تمت تجاه ولدي مالك من لحظة دخوله المستشفى... كون هذه الواقعة يترتب عليها ضياع حق إنسان برئ”.

تهجّم وتهديد بالقتل

إضافة إلى التعاطي السلبي مع الواقعة، اشتكى والد الطفل الضحية، من تعرضه للتهجم والسخرية والسب من قبل مدير المجلس الطبي، مجاهد معصار، أثناء تردده على المجلس لمساعدته في إنقاذ طفله.

وذكر موقفًا حدث بينما كان ينتظر معصار، بحوش المجلس لحثه على تسريع الإجراءات لإنقاذ مالك، الذي يموت ببطء، وقال إنه حين أتى قام بنهره، وقال له: “من قال لك تديه للمستشفى، وهل الأطباء طلبوا منك أن تأتي به للعلاج لديهم؟“.

تظهر شكاوى والد الضحيّة، إلى السلطات الحوثية تصاعد التصرفات العدائية ضده من قبل المجلس الطبي، والتي بلغت حد اختطافه وتهديده بالقتل وإجباره على توقيع تنازل عن قضية ولده.

في 23 يوليو/تموز 2024، قال إنه فوجئ بقيام عدد من موظفي المجلس مع اثنين من أفراد الحراسة باختطافه من داخل المجلس على متن طقم الحراسة إلى مكان مجهول وإجباره تحت تهديد السلاح على توقيع أوراق لا يعلم محتواها، وتهديده بالتصفية إن عاد إلى المجلس.

وفي المذكرة التي قدمها إلى النائب العام نهاية يوليو/تموز 2024، قال: “قاموا بإبهامي على ورقتين غصبًا عني وبتعمير السلاح على رأسي، ثم أخذوني إلى مكان آخر مجهول وقاموا بإبهامي على ورقة أخرى لا أعلم محتواها غصبًا عني، وكما في المرّة الأولى وتحت التهديد ومنها قولهم إذا لم تروح لك لن ترى هذه الشمس مرة أخرى”.

وقال في المناشدة التي قدمها لحكومة الحوثيين غير المعترف بها، “إن ما تعرضت له من ظلم وجبروت من قبل المجلس الطبي يعتبر جريمة متعمدة بهدف إضاعة حق إنسان في الحياة، والتي لا تقل عن جريمة القتل العمد”.

وفي سياق حديثه لـ“بران برس”، عن هذه التصرفات، قال إن “المجلس الطبي أضاع قضية ابني، ويحاول أن يضيعني أنا في الأخير. خمسة أشهر ظلت قضيتي محجوزة عندهم، حتى مات ولدي، وما زال في الثلاجة وموته في ذمة المجلس“.

تكاليف باهظة ونتائج منعدمة

بعد حادثة اختطافه، قال “محمد يوس”، إن موظفين في المجلس الطبي تواصلوا به، وطلبوا منه دفع مليون ريال تكاليف نزول لجنة طبية للتحقيق في الواقعة بالمستشفى السعودي.

وأضاف أنه ظل يتابعهم لنحو شهرين، إلا إنهم لم يعطوا أي نتيجة. وحين مات الطفل، قال إنهم سفروا الأطباء المتهمين إلى مصر.

وذكر والد الضحيّة، أنه يحتفظ باستلام مبلغ المليون ريال.

وإلى ذلك، قال إن إدارة المستشفى تتواصل باستمرار مع محافظ المحافظة ومع أعضاء في المجلس المحلي ومشائخ في المنطقة من أجل إجباره على استلام جثة ابنه وإنهاء القضية، إلا إنه رفض ذلك، وما يزال مصراً على موقفه في محاسبتهم.

الموت مرتين

بعد وفاة “مالك”، وجه والده مذكرة تعقيبية إلى رئاسة الوزراء في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، قال فيها: “أحمل إليكم نبأ وفاة ابني مالك، الذي فارق الحياة وهو يشكو لربه ما تعرض له من قتل مرّتين، الأولى بالخطأ الطبي من قبل المستشفى السعودي، والثانية بتواطؤ الأجهزة الرسمية مع الجناة الذين ارتكبوا جريمتهم طيلة 6 أشهر”.

خلال هذه الفترة قال “ظل فيها ابني طريح الفراش لديهم في المستشفى دون أي عناية داخلية ولا خارجية”.

وأضاف أن “الأجهزة الرسمية ممثلة في المجلس الطبي أهدرت تلك الفترة ونحن بين أروقتها، وكان بإمكانها أن تعيد ابني إلى حياته الطبيعية”. محمّلاً حكومة الحوثيين مسؤولية التقصير الذي أدى إلى وفاة طفله، مطالبًا زعيم الجماعة الحوثية بإنصافه.

خطأ كبير 

توصل “بّران برس“، لأحد أعضاء المجل الطبي، والذي أبدى اعتراضه على تقرير المجلس، مقرًا بأن المجلس ارتكب “خطأ كبير؛ لاعتماده على تقرير المستشفى كوثيقة”. وقال إن “التقرير إذا لم يرفق بـأدلة ليس بوثيقة”.

وأضاف عضو المجلس الطبي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، أنه “حين يقال إن دم المريض حين وصل كان كذا يرفق ورقة تبين تحليل المختبر، وحين يقول أعطيناه العلاج الفلاني لا بد أن يرفقه بروشتة في تاريخه، أنه أعطي ذلك العلاج“.

وأكّد ضرورة تشكيل فريق من الاستشاريين لمراجعة الإجراءات التي بدأت في المستشفى وانتهاء بالمجلس الطبي.

ونصح بـ“تقديم تظلم إلى لجنة التظلمات، يكون متعلقاً بقرار المجلس، بأن إجراءات المجلس اعتمدت على تقرير المستشفى كدليل قاطع وهذا غير صحيح”. 

وشدد في ختام حديثه لـ“بران برس”، على ضرورة “المطالبة بتشكيل لجنة مختصة من المجلس للنزول إلى المستشفى لجمع البيانات من واقع السجلات الطبية الرقمية، ومراجعة الإجراءات التي تمت“.

خذلان إعلامي

بعد أن فقد الأمل في الإنصاف، حاول والد الضحية، عرض قضيته على وسائل الإعلام في صنعاء إلا إنها خذلته هي الأخرى.

وذكر في حديثه لـ“بران برس”، إن إحدى القنوات وهي قناة الهوية (تابعة لجماعة الحوثي)، كانت قد طلبت منه أوراق القضية لتسليط الضوء عليها. واصفاً تواصله معها لأيام كان مجرد “مجابرة فاضية“.

وقال: قدمت لهم ما طلبوه من أوراق و“سي دي“ على أنهم سيتواصلون بي في اليوم الثاني، إلا أنه بعد أيام تواصل بي مستشارهم القانوني اسمه عبدالرحمن، وكان رده: “لا نريد أن ندخل مع المجلس الطبي في إشكاليات”.

عدالة غائبة وإنسانية مفقودة

في الحروب والصراعات الداخلية، قد تتحول المستشفيات والمراكز الطبّية إلى مسالخ بشرية، وجهات الرقابة والتفتيش وأجهزة الضبط إلى أغطية لمثل هذه الجرائم، فيما يصبح القضاء والإعلام ضحايا أو شاهد زور.

هذا ما تعيشه اليمن في ظل الحرب المستمرّة منذ 10 سنوات، وهذا ما أدركه “محمد يوس“، بعد أن فقد طفله الوحيد في خطأ طبي كارثي، وأغلقت بوجه كل أبواب الرقابة والعدالة والإنصاف.

فبينما الطفل الضحيّة عالقًا بثلاجة الموتى بمحافظة حجة، ما يزال والده المكلوم هائمًا على وجهه بين أروقة السلطات الحوثية في صنعاء باحثًا عن عدالة غائبة وإنسانية مفقودة.

مواضيع ذات صلة