أعد التقرير لـ"برّان برس" - نواف الحميري:
مع عودة الحراك الإقليمي والدولي بشأن خارطة طريق السلام في اليمن، تبرز مسألة المتغيرات الإقليمية والدولية وتأثيرها على مسار الأزمة اليمنية، وما إذا كانت تمثّل عوامل مساعدة لإنهاء الحرب الممتدّة منذ عقد.
وتأتي تاليًا، حالة الاصطفاف الداخلي والتحركات لتوحيد الصفوف، وإنهاء حالة الانقسامات الداخلية التي تضرب بنية الأطراف المحليّة، وارتباطاتها مع القوى الإقليمية والدولية ذات العلاقة المباشرة بالملف اليمني، وكيف يمكن لمساعي التقارب الداخلي أن تؤثر في مسار الأزمة.
في هذه المادة، يتحدث سياسيون وباحثون لـ“بران برس”، عن مستقبل الأزمة اليمنية وملف السلام في البلاد، على ضوء هذه المتغيرات، وفي مقدمتها اقتراب الإدارة الأمريكية الجديدة من تسلم مقاليد الأمور في البيت الأبيض، وتوالي الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بما فيها خطوات التقارب السعودي الإيراني.
ترابط منطقي
يرى مستشار وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها، فيصل العواضي، أن “هناك ترابط منطقي للأزمة اليمنية بالمتغيرات الإقليمية والدولية”. وهذا برأيه “أمر طبيعي فالأزمة اليمنية بالنسبة للإقليم والعالم هي ملف من جملة الملفات”.
وقال المستشار “العواضي”، في حديث لـ“برّان برس”، إنه “لا توجد متغيرات تذكر سوى فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية”.
وأضاف أن “ترامب أطلق وعودًا انتخابية كثيرة ومنها حل المشكلة اليمنية، وإن صدق في وعوده سيعمل بعد استلامه الرئاسة على تلمس حل أو المساعدة بإيجاد وممارسة ضغوط حقيقية على مليشيا الحوثي الارهابية".
وغير بعيد، لا يعتقد الباحث بمركز جامعة كولومبيا الشرق أوسطي للأبحاث، عادل دشيلة، أن فوز ترامب سيؤثر على الملف اليمني وملف السلام “بشكل جذري”.
وأضاف “دشيلة” في حديث لـ"برّان برس”، أن إدارة الرئيس الأمريكي القادمة “ستكون في تقارب كبير مع الإدارة السعودية لكيفية هندسة ملف الأزمة اليمنية سلمًا أو حربًا”.
وبهذا، يرى أن تحديد مصير السلام في اليمن سيكون “مرتهن للقرارات والتصالحات الدولية”.
من جانبه، يرى وزير الشؤون القانونية السابق الدكتور محمد المخلافي، في حديث لـ“بران برس”، أن تحقيق السلام في اليمن “يتطلب أولًا توفير شروطه”.
وفي مقدمة هذه الشروط، برأي “المخلافي”، “جعل السلام ضرورة وجودية لمن أشعل الحرب وداعميه الخارجيين، والتغلب على المعوقات الجيوسياسية التي لم يؤثر الاتفاق السعودي الإيراني عليها، ولن يؤثر عليها تغيير الإدارة في الولايات المتحدة الامريكية”.
ووفق الوزير المخلافي، فإن “الصراعات الإقليمية والصراع على البحر الأحمر زادت هذه المعوقات حدة، واستدعت دولًا أخرى للخوض في النزاع لم تكن تخوضها من قبل مثل روسيا الاتحادية والصين”.
التقارب الإقليمي
عن التقارب السعودي الإيراني وتأثيره على السلام في اليمن، يرى الباحث دشيلة، أن هذا “سيلعب دورًا مهمًا في ملامح خارطة السلام في حاله واحده هي إذا حصل حوار أمريكي إيراني وتم الإتفاق على بعض الخطوات”.
فيما يرى المستشار العواضي، أن التقارب السعودي الإيراني “قد يكون له تأثير جوهري في رسم ملامح جديدة لحل الأزمة اليمنية”، مشيرًا إلى أن “استمرار محاولات بناء جسور الحوار بين الرياض وطهران قد يؤدي إلى تخفيف التوترات في اليمن”.
وقال: “إذا نجحت الرياض في إقناع طهران بالضغط على الحوثيين للجلوس على طاولة المفاوضات بشكل جدي، فإن هذا “قد يُسهم في توفير بيئة إقليمية أكثر استقرارًا، ويفتح المجال لفرص جديدة للسلام”.
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، وصل رئيس هيئة الأركان العامة السعودية الفريق أول الركن فیاض الرویلي، إلى العاصمة الإيرانية طهران، على رأس وفد رفيع المستوى، في زيارة هي الأولى من نوعها، لبحث العلاقات الثنائية والعلاقات الدفاعية”.
وحينها، قالت وكالة “تسنيم” الإيرانية (شبه رسمية)، إن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة السعودية، التقى نظيره الإيراني، موضحة أن “تطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي يعد من بين المحاور الرئيسية لهذا اللقاء”.
وفي كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، أجرى اللواء باقري مباحثات هاتفية مع وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، تناولت التطورات الإقليمية، ورفع مستوى التعاون الدفاعي بين القوات المسلحة في البلدين، والقضايا المهمة في العالم الإسلامي، وفق وسائل إعلام إيرانية.
وفي مارس/آذار من العام نفسه، اتفقت طهران والرياض بوساطة صينية، على عودة العلاقات بينهما بعد سبع سنوات من العداء الذي هدد الاستقرار والأمن في منطقة الخليج وساعد في تأجيج صراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا.
الصف الداخلي
داخليًا، شدد الوزير السابق الدكتور محمد المخلافي، على “ضرورة أن تدرك القوى والقيادات الوطنية اليمنية المتغيرات الإقليمية والدولية، ومغادرة حالة الشتات والمماحكات والعناد السياسي، وتجاوز ترسبات وإفرازات المرحلة السابقة، والبدء فوراً في صياغة مشروع وطني موحد، والذوبان في كيان سياسي واحد وفق أطر ومنطلقات شرعية”.
وقال: “لا بد أن يعمل الجميع من خلال هذا الكيان، ومن ثم دمج الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية، بما يضمن فعالية ومرونة وكفاءة أجهزة الدولة السيادية، ونجاحها في توحيد كل الجهود نحو التحرير والبناء”.
وأكد “المخلافي” على أهمية “الحفاظ على علاقة الشراكة الاستراتيجية مع العمق العربي في السعودية والخليج كمسار إجباري، وخيار وحيد وواقعي لأي نظام سياسي يحكم اليمن، تفرضه الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية”.
من جانبه، قال مستشار وزير الإعلام “العواضي”، إن مجلس القيادة الرئاسي “عمل على توحيد الصف الداخلي، وإجراء تقاربات سياسية بين جميع مكونات وأطياف القوى السياسية المنضوية تحت مظلة الشرعية”، مؤكدا أن “القيادة السياسية ماضية في توحيد الجهود ولملمة الصف”.
وإلى ذلك، قال إن جلسات البرلمان ستنعقد قريبًا في عدن “من أجل توحيد المسار والسير على خطى استعادة الجمهورية ومناقشة برنامج الحكومة والموازنة السنوية”، موضحًا أن “البرلمان سيناقش برامج الحكومة ومنها برامج وزارة الدفاع وأول أولويات برنامج الحكومة هو القضاء على الإنقلاب الحوثي واستعادة الدولة”.
وعن هذه المحاولات لتوحيد الصف، قال الباحث دشيلة، إنه لا يعتقد ستنجح “لسبب بسيط وهو وجود الفواعل أو كثرة الفواعل المحلية التي لا يوجد لها تمثل بالبرلمان، كجماعة الحوثي والمجلس الانتقالي”، مبينًا أن “هؤلاء يرون أنه لا يوجد لهم ممثل بالبرلمان”.
ومؤخرا شهدت مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، إشهار التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية المناهضة للحوثيين، باستثناء المجلس الإنتقالي الجنوبي، الذي لا تزال التحركات والمفاوضات جارية لإقناعه بالإنضمام للتكتل، بالتوازي مع تحركات مكثفة لانعقاد جلسات البرلمان في عدن.
الملف الاقتصادي
وفيما يتعلق بالملف الاقتصادي والصراع المحتدم حوله، قال الوزير المخلافي، إن تحريك هذا الملف “فتح نافذة في جدار الصراع، وذلك بعد الاتفاق الأخير على خفض المواجهة الاقتصادية المستند على خريطة الطريق المنبثقة من جهود السعودية وعُمان”.
وأضاف في حديثه لـ“برّان برس”، أن هذا الاتفاق “انهار وفشل بعد تنصل جماعة الحوثي من التزاماتها كونها جماعة خارجة على القانون الوطني والقانون الدولي”.
وعن إمكانية حل هذا الملف، قال الباحث دشيلة، إن جماعة الحوثي “لم تقبل بأي تسويه اقتصاديه مالم تكن مرفقه باتفاق سياسي”.
وبرأيه فإن الحوثيين “يريدون الاتفاق السياسي والاقتصادي معًا بما يمنحهم السطو أو اليد الكبرى في المجال السياسي حتى يتحكموا مستقبلا في الاقتصاد ولهذا هم من يعملون على إفشال الملف الاقتصادي”.
وأضاف أنهم “يتهربون من الاتفاق الاقتصادي خصوصًا في توحيد العملة؛ لأن هذا لا يكون بصالحهم؛ لأنه سينهي مشروعهم في حال توصلت جميع الأطراف اليمنية إلى اتفاق”. مشيرًا إلى أن “هذا لن يحصل في ظل تعنت الحوثي وتنصله من كل الاتفاقات، وبرأيه فإن “ملامح التسوية في اليمن ما تزال بعيده كل البعد”.
وفي 23 يوليو/ تموز، أعلن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن اتفاق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وجماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، على عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.
ويتضمن الاتفاق “الغاء القرارات والاجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن اي قرارات او اجراءات مماثله، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً او بحسب الحاجة.
سيناريوهات
وعن مستقبل الأزمة اليمنية في ظل كل هذه المتغيرات، أشار الباحث “دشيلة”، في حديثه لـ“بران برس”، إلى ثلاثة سيناريوهات أولها “التصعيد العسكري”.
ويتمثل السيناريو الثاني بـ“إيجاد التسوية السياسية بين جميع الأطراف اليمنية”، وهذا برأيه “يحتاج إلى تفعيل التقارب السياسي بين السعودية وإيران وحتى الإمارات، إلا أنه يستبعد هذا السيناريو “في ظل المشاريع الإقليمية”.
ويرجح “دشيله”، السيناريو الثالث المتمثّل، وفق قوله، في “بقاء الوضع على ما هو عليه”.
ومؤخرًا، كثف المبعوث الأممي إلى اليمن عقد لقاءات منفصلة مع الأطراف اليمنية والدولية في إطار مساعيه لاستئناف المفاوضات بشأن إنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد.
وفي 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعلنت الأمم المتحدة، عن توصل الأطراف اليمنية إلى تفاهمات للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة.
وتوقفت خارطة الطريق، وجهود السلام في اليمن، بفعل هجمات جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، ضد سفن الشحن التجارية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.