بران برس ـ وحدة التقارير:
خلال أقل من أسبوعين، نجحت قوات المعارضة السورية في الوصول إلى العاصمة دمشق، وإسقاط نظام الرئيس “بشار الأسد”، الذي انهارت قواته كلّيًا أمام زحوفات المعارضة.
أرجع كثيرون سقوط نظام الأسد، بهذه السرعة إلى تخلي إيران عن حليفها الأهم فيما يعرف بـ“محور المقاومة“، إذ اكتفت طهران بتواجد محدود من خلال وحدات الحرس الثوري، إلى جانب إسناد جوي من روسيا.
وبينما كانت المدن السورية تتساقط تباعًا بيد قوات المعارضة، كانت إيران تقوم بإجلاء أعضاء الحرس الثوري والدبلوماسيين من سوريا، بما في ذلك عائلاتهم، بعد أن أدركت أنها لن تتمكن من مساعدة الأسد على البقاء من خلال العمل العسكري، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وأوضحت التقارير أن بعض الإيرانيين غادروا سوريا عبر رحلات جوية إلى طهران، فيما غادر آخرون برًا إلى العراق ولبنان، وإلى ميناء طرطوس السوري.
مسؤولون ومصادر مطلعة، قالو لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن “إيران أبلغت سرًا دبلوماسيين عرب أنه من الصعب إرسال قوات لسوريا”.
الصحفي المهتم بشؤون العراق والشرق الأوسط، ستيفن نبيل، اعتبر الأنباء عن قرار إيران بالإخلاء من سوريا بأنه “رسالة إلى كل وكلائها في العراق وبقية الدول بأن إيران ستتركهم في النهاية من أجل مصالحها وأمنها وغاياتها.“
شهادات
بعد تحرير المعارضة السورية لمدينة حمص المحاذية للعاصمة دمشق، تداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لأحد جنود بشار الأسد، وهو يشكو تخلي القيادة عنهم، وخذلان روسيا وإيران لهم.
وحمّل الجندي، الذي ظهر مرتديًا سلاحه وبزّته العسكرية، النظام والحلفاء مسؤولية سقوط مدينة حمص بيد المعارضة، قائلاً: إخواني نحن طلعنا من حمص هلا. أنا مسؤول عن كلامي. بشار باعنا. إيران باعتنا، وروسيا باعتنا.
كما تداول نشطاء تسجيلًا مصورًا لضريح “السيدة رقية” في دمشق، التقطه أحد جنود الحرس الثوري الإيراني قبل مغادرته الأراضي السورية، تحدث فيه باللغة الفارسية، عن انسحاب القوات الإيرانية الداعمة لبشار الأسد من سوريا.
وقال وهو يبكي أثناء التسجيل: “جميع الإيرانيين تركوا سوريا. لم يبقَ أي إيراني، لقد تم بيع النظام السوري ضمن صفقة، وهذا آخر مقطع فيديو أصوره من المزار”.
وقائع تاريخية
الكاتب اليمني جمال أنعم، قال إن “من يقرأ في السياسة الخارجية لإيران في التاريخ المعاصر يجدها ذرائعية بامتياز”، موضحًا أن إيران “مؤسسة على مصالحها القومية وتحالفاتها وعلاقاتها ومواقفها محكومة بما تقرره تلك المصالح قبل كل شيء”.
وفي مقال مطول نشره على “فيسبوك”، اطلع عليه “برّان برس”، نقل “أنعم” عن عالم الاجتماع الفرنسي "أوليفييه روا" رأيه في كتابه "عولمة الإسلام" الطبعة الأولى عام 2003، أن إيران في حرب الخليج الثانية 91/90 لم تعق انتشار القوات الأمريكية في العراق ولا في الخليج.
ولفت إلى أن إيران أقلعت أيضًا عن مساندة حلفائها التقليديين الشيعة العراقيين سنة 91 وشيعة البحرين في 96 وبعض فصائل الأفغان في 98.
وقال إنها دعمت الأرمن في القوقاز ضد جمهورية أذربيجان الشيعية، وتعاونت مع روسيا لوضع حد للحرب الأهلية في طاجيكستان يونيو 97، ثم اصطفت أثناء الحملة العسكرية على أفغانستان في 2001 بجانب روسيا والهند والولايات المتحدة داعمة حلف الشمال الافغاني ضد طالبان.
وذكر أنها ـ أي إيران ـ لم تسجل أي تدخل عسكري مباشر في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 2000 عدا عن دعمها السياسي لحزب الله والفلسطينيين، مشيرًا إلى أنها استنكرت بشدة هجمات 11 سبتمبر على لسان المرشد خامئني والرئيس الاصلاحي خاتمي.
ويوضح الكاتب كيف “سعت إيران للاستفادة من فشل اتفاقية أوسلو كي تتحول إلى قوة تفرض نفسها في الخليج العربي والشرق الأوسط في آن”، منوهًا إلى “اعتماد إيران سياسة خارجية تقوم على مبدأ الواقعية والذرائعية”.
وقال جمال أنعم، في ختام مقالته: “نحن نخوض صراعًا واضحًا، نعرف فيه أعداءنا جيدًا، مهما تلفعوا من أغطية وأردية. وأضاف: “مهما رفعوا من رايات وادعاءات وشعارات.. بيننا وبينهم وطن، وسيظلون هم العدو”.
هل يفهم الحوثي؟
السفير اليمني لدى بريطانيا، ياسين سعيد نعمان، تحدث عن تحرك الايرانيين “دبلوماسياً لإنقاذ استثمارهم العسكري والسياسي في سوريا”، والذي وصفه بأنه “الحلقة الرابطة بين كل حلقات المشروع الايراني الذي يطلقون عليه "محور المقاومة".
وأوضح السفير “نعمان” في مقال نشره “بران برس”، أن التحرك الإيراني اقتصر “كما شهد العالم على اتصالات ولقاءات روتينية مع أطراف مختلفة”، وهذا برأيه “يدل على أن كل ما كان يسوق من علاقات استراتيجية إنما كان لتغطية الوظيفة الحقيقية لهذا المشروع الذي يعمل في اتجاه واحد، وهو خدمة المصالح الايرانية”.
وبناء على هذا، قال: “حينما يتعذر على أي طرف فيه القيام بمهمته في هذا المشروع يتم خلعه والتخلي عنه”.
وأسقط الدبلوماسي اليمني هذا النهج على الشأن اليمني قائلًا: ترى هل وصلت الرسالة الى الحوثي ؟!!! وهل آن له أن يفكر في تجنيب اليمن المزيد من جولات الدم والدمار، ويحتكم إلى المنطق الذي يقضي بأن استقرار أي بلد لا يقوم على الغلبة التي يؤمنها الأجنبي، ذلك أن حسابات هذا الأجنبي تقاس بمصالحه قبل أي شيء آخر.
ليس عملًا خيريًا
الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد، قال: “علينا أن ندركَ أنَّ المساندةَ الإيرانية لم تكن مثلَ بيعِ سجادةٍ على السّوريين دفعُ ثمنِها. فالدَّعمُ كانَ من دواعي الاستراتيجيةِ الإيرانيةِ بالدرجة الأولى، ولم يكن عملاً خيرياً”.
وأضاف “الراشد”، في مقال نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية: “ففي الوقت الذي تحارب ايران في سوريا كانت تدافع عن وجودِها وحليفِها الإقليمي”.
وأوضح أن “أهميةُ نفوذِها في سوريا دفعَ الرئيسَ الأسبقَ الأميركي أوباما إلى القَبولِ بالجلوسِ مع إيران. وقد حصلت على تعويضاتٍ وحقوقٍ مالية إحداها بلغَ 120 مليارَ دولار عن ودائعِ الشاه القديمة. ثم إنَّ انتصارهَا في سوريا جعلَها لاعباً أكثرَ أهمية”.
وبرأيه فإن “انتفاضة وحرب 2011 هو ثمنَ نشاطِ سوريا ضد الاحتلالِ الأميركي في العراق (2003-2010) حيث كانَت (المقاومة) أيضاً مشروعاً إيرانياً. ولا تزال سوريا تدفعُ ثمن حلفِها مع طهران، مثل عقوبات قانون قيصر”.
وتابع الراشد قائلا: ليس على دمشق دَين لطهران، بل مصالحُ متبادلة. فقد تحمَّلت ودفعت دمشقُ أثماناً كبيرةً وحانَ وقتُ المصالحاتِ وإنهاءِ النّزاعات والابتعادِ عن التَّحالفاتِ الضَّارة.
واعتبر “هذه الأزمةُ الصاعقةُ من جراءِ عودةِ الفصائلِ المسلَّحةِ للحياةِ والحربِ صرخةٌ للتصالح، وإنهاءِ القضايا المعلَّقة أبرزها ملايينُ المهجّرين، وأطيافٌ من معارضي المنافِي، ومطلبُ الجارةِ الكبرى تركيا في التعامل مع المعارضةَ المسلحةَ ضدَّها”.
عاصفة الشرق الأوسط
من جانبه، قال الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، إن “العراق هو آخر خطوط الدفاع بالنسبة لإيران، لكنه خط دفاع هش، وسرعان ما سيخذل طهران”.
وأضاف في تدوينة بحسابه على منصة إكس، رصدها “برّان برس”: “لو أراد الإيرانيون النجاة من عاصفة الشرق الأوسط، فليتحصنوا داخل حدودهم، ويتخلوا تماما عن أحلام التوسع”.
وتابع قائلًا: “أدرك أن هذا مطلب صعب، فالغرور وهوس القوة ونكران الواقع، هو ما أودى بهم في سوريا، وسيفعل بهم ذلك في العراق مالم يتداركوا الأمر ويتركوه لأهله”.
التخلي عن “حزب الله”
ويأتي هذا الموقف الإيراني “المتخاذل” في سوريا، بعد أسابيع قليلة من موقفها المماثل مع “حزب الله” في لبنان، والذي يعرف بأنه الذراع الإيراني الأهم في المنطقة، إذ تركته وحيدًا يواجه حربًا إسرائيلية مدمّرة مزّقته خلال أيام، وقضت على معظم قياداته وقدراته.
ففي 30 سبتمبر/أيلول 2024، أنكرت الخارجية الإيرانية تبعيّة “حزب الله” اللبناني لها، قائلة إنه ليس لديها “قوات تعمل بالوكالة”، زاعمة أن “المقاومة” في المنطقة تمثل شعوب دولها. وهو ما فسّره مراقبون بأنه مبررًا لتخلي طهران عن حلفائها وقت الشدّة، بعد أن ورّطتهم في صراعات ومذابح مع شعوبهم ومع دول المنطقة.
وفي إطار التعليقات على موقف طهران، قال رئيس تحرير صحيفة “اندبندنت عربية”، عضوان الأحمري، إن “إيران تقول أن حزب الله لا يستطيع حسم المعركة مع إسرائيل، ورئيسها يقول أيضا أن الحوثي لا يستمع لنصائحهم.
وأضاف “الأحمري”، في تدوينة بحسابه على منصّة “إكس”: غدا ستتبرأ طهران من أطراف "المقاومة" الوهمية واحدا تلو الآخر، وتصافح أميركا، وتنمي اقتصادها وتتخلى عن "الجبهة الحسينية" بعد استخدامها في حروب طائفية وأهداف تخريبية لـ 40 عامًا”.
وبعد سقوط نظام الأسد، ومن قبله “حزب الله” الذي كان قد أنشأ منطقة نفوذ ذاتي في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وعبث بحياة اللبنانيين، تتصاعد التحذيرات من المصير ذاته لبقيّة فصائل المحور، بما فيها الفصائل المسلّحة في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن.