|    English   |    [email protected]

صراع البقاء.. تقرير لـ“برّان برس” يسلط الضوء على معاناة مرضى السرطان بمأرب والحاجة الملحّة للمراكز المتخصصة

الثلاثاء 21 يناير 2025 |منذ 15 ساعة
صراع البقاء.. تقرير لـ“برّان برس” يسلط الضوء على معاناة مرضى السرطان بمأرب والحاجة الملحّة للمراكز المتخصصة صراع البقاء.. تقرير لـ“برّان برس” يسلط الضوء على معاناة مرضى السرطان بمأرب والحاجة الملحّة للمراكز المتخصصة

أعد التقرير لـ“برّان برس”- حفظ الله الحصماني:

بعد رحلة ممتدّة من مستشفى إلى آخر بمدينة مأرب (شمال شرقي اليمن)، اكتشفت “سهام العفيف” (36 عامًا)، أنها مصابة بسرطان الثدي. وخلال هذه الرحلة، لم تجد أي من الفحوصات التي كانت بحاجة لها، فلا يوجد في مأرب، مركز متخصص لعلاج السرطان، ولا فحوصات الكشف عن المرض.

بصوت منهك يبدو عليه الإجهاد الشديد، تحدثت “سهام”، لـ“بران برس”، عن معاناة مضاعفة واجهتها مع اضطرارها للسفر إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت (شرقي اليمن)، والتي تبعد عن مدينة مأرب بنحو 420 كم.

 وقالت: “بعد اكتشاف المرض، خضعت لعملية. كان الوضع صعباً، وكان علينا الانتقال إلى سيئون للحصول على الرعاية اللازمة,, السفر يضاعف معاناتي بشكل أكبر. يضيف عبئاً كبيراً على حالتي الصحية. أصل سيئون وأنا في حالة تعب شديد”.

حالات متزايدة وتحديات كبيرة

تشهد محافظة مأرب، زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالسرطان، وتفتقر لأدنى الخدمات والمستلزمات اللازمة لمواجهته، وفق ما أكّدته السلطات الصحية بالمحافظة.

مدير مكتب الصحة بمحافظة مأرب، الدكتور أحمد العبادي، كشف لـ“بران برس” عن تسجيل حوالي 150 حالة إصابة بسرطان الثدي في مستشفى واحد بالمحافظة هو مستشفى كرى. فيما سُجلت “197 حالة بمركز السرطان في المكلا، و70 حالة بمدينة سيئون”. مبينًا أن الحالات المسجّلة في مدينتي المكلا وسيئون “قادمة من مارب”.

وقال الدكتور العبادي: “نواجه تحديات كبيرة في التعامل مع مرض السرطان، لعدم وجود مركز متخصص لعلاج السرطان بمأرب، ولا أطباء متخصصين بهذا المجال”، مشيرا إلى أن “هناك عدد كبير من المرضى في مأرب يضطرون للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج”.

 وفي هذا السياق، تحدث عن وجود “نحو 5 آلاف حالة تتلقى العلاج في القاهرة، منها250 حالة سافرت من مأرب”. وخلال العام 2024، كشف “العبادي”، عن تسجيل 133 حالة إصابة بالسرطان في مأرب”. مضيفًا أن هذا “العدد يكشف حجم المعاناة التي نواجهها في المحافظة”.

معاناة النزوح والمرض

“أم محمد”، نازحة بمأرب، التقاها “بران برس”، وهي ترافق زوجها الذي يعاني سرطان البلعوم الأنفي. وتحدثت عن معاناتها التي تضاعفت مع إصابة والدتها أيضًا بالسرطان، وفي نفس الشهر.

وقالت: ”معاناتي كبيرة، والوضع صعب بالنسبة لي ولأولادي. بحثت عن أي مساعدة أو دليل يساعدني لفهم مرض السرطان، وكيفية التعامل معه، وكان الوضع في غاية الصعوبة”.

اضطرت “أم محمد”، لبيع ممتلكات أسرتها من أجل أن يسافر زوجها ووالدتها إلى الخارج لتلقي العلاج. وكانت أصعب لحظة مرت بها هي فراق زوجها وهو مسافر ويعاني المرض، وأيضًا رؤيتها لصغارها وهم يعانون، وفق قولها.

“كان الوضع لا يحتمل”، تقول “أم محمد”، وهي تستعيد المعاناة. وأضافت: ك"نت مضطرة للبحث عن علاج لهما، لم أتمكن من إيجاد أي حل بمارب. معبرة عن أمنيتها بأن يوجد مركز متخصص لعلاج السرطان في المحافظة".

أرقام مهولة

للاقتراب أكثر من معاناة مرضى السرطان، زار “برّان برس”، وحدة الأورام بهيئة مستشفى مأرب، وقابل الطبيب المشرف عليها، الدكتور يحيى هاجر، والذي قال إن الوحدة تقدم “أكثر من 4 آلاف جرعة كيميائية سنويًا”.

وتحدث الدكتور هاجر، عن جملة تحديات “أبرزها عدم وجود مركز سرطاني متكامل بمأرب، وعدم توفر الأجهزة الطبية والمختبرات المتكاملة، ونقص الأطباء المختصين في السرطان، ومحدودية العلاجات المتاحة”.

وعن الأمراض الأكثر انتشارًا، قال: “تواجهنا أنواع مختلفة من السرطان، أبرزها سرطان الثدي، والمستقيم، والدم، والغدة الدرقية”، داعيا المسؤولين، وفاعلي الخير إلى تضافر الجهود لبناء مركز متكامل لعلاج الأورام بمأرب.

وقبل ذلك، دعا "هاجر" إلى التركيز على التوعية الوقائية من السرطان، بما فيها إجراء الفحوصات الدورية، والتوعية في المدارس والمراكز الصحية. مشددًا على ضرورة التعاون للحد من انتشار السرطان، وتخفيف معاناة المرضى.

معاناة السفر داخليًا

في وحدة الأورام بالهيئة، التقى “برّان برس”، المواطن “عادل السريحي”، الذي كان برفقة زوجته المصابة بسرطان الثدي، “منذ عام”. وتحدث عن معاناة مريض السرطان بمأرب في ظل “عدم توفر العلاج”. 

ولهذا قال: اضطررنا للسفر إلى سيئون، وكلنا نعلم مشقة الطريق والمعاناة أثناء السفر، خاصة عندما يكون المريض بحالة حرجة”، لافتاً إلى أن السفر إلى سيئون للعلاج يمثل زيادة في الألم لزوجته، ويضاعف الأعباء المالية على الأسرة.

وقال إنه مضطر لمواصلة باقي العلاج لزوجته في سيئون، لوجود “مركز متكامل وأجهزة طبية”. وبالنسبة لمأرب، قال: “العلاج الذي يقدموه هنا مجرد علاج بسيط، وإجراء بعض الجرعات فقط”.

معاناة السفر للخارج

"عبدالله الهيثمي"، خاض هو الآخر تجربة “مأساوية” مع مرض السرطان، والسفر للعلاج في مصر. ورغم أن المسح أكد اختفاء المرض، إلا أنه ما يزال يستخدم العلاج. حيث قال ” إنه يشتري جرعة العلاج الواحدة بـ150 دولار من الهند؛ لعدم توفره في اليمن.

وإلى جانب المرض، تحدث "الهيثمي"، لـ"برّان برس"، عن الحرب وكيف أثّرت على حياته بشكل كبير، فقد ترك أسرته وأولاده ومنزله، وتغرب من أجل العلاج. وقال إن أكثر شيء آلمه هو ابتعاده عنهم لفترات طويلة، بينما كان يصارع المرض”.

وفي الغربة العلاجية، قال إن التفكير بوضع أسرته وظروفهم المعيشية، وتكاليف العلاج، كان همًا آخر يضاعف معاناته، مؤكداً أنه خضع للعلاج الكيميائي لمدة شهر كامل، أجرى خلاله 23 جرعة من 35 المقررة له، وحينها انهار جسمه، ولم يعد بإمكانه تحمل جرعة واحدة، حد قوله.

وأضاف: "كان جسمي بالكامل محروقًا من الداخل. كنت لا أستطيع الأكل أو الشرب أو النوم من شدّة الألم”. وبصوت مخنوق، قال: “كنت أفضل أن أموت في مأرب بدلاً من مصر، وفي كل الأحوال، كنت على يقين بأن الله سيستجيب دعائي ويرفع عني البلاء، والحمدلله تماثلت للشفاء. لكن الفحوصات أظهرت عودة المرض مجددًا".

غياب التشخيص المبكر

المواطن “علي الحويسك”، من أبناء مديرية مراد، جنوب مأرب، تحدث لـ“بران برس”، عن أبرز المعاناة التي تواجه مريض السرطان، وهي برأيه “عدم وجو التشخيص الصحيح، وأجهزة الكشف المبكر عن المرض”. 

وروى “الحويسك”، تجربته مع اكتشاف إصابة والده بالسرطان، قائلًا: كنا نأخذ والدي إلى المستشفى، وكان الأطباء يقولون لنا في البداية إن لديه مشاكل في البروستات، وفي مرة أخرى قالوا إنه يعاني من حصوات”.

وبعد سنوات من المعاناة، قال: “اكتشفنا أن والدي كان مصاباً بورم في المستقيم، وقررنا أن نسافر به إلى مصر للعلاج، لكن لم يتمكن الأطباء من فعل أي شيء، بل تفشى المرض أكثر، وبعد سنة كاملة من المعاناة عدنا به إلى مأرب”. 

وأضاف بصوت حزين متقطع: قبل أشهر قليلة فارق والدي الحياة، بعد أن عجزنا عن فعل أي شيء له”.

مركز أورام بمأرب.. ضرورة ملحّة

تقول “سهام العفيف”، إن أمنيتها كمريضة سرطان، هو أن يتم إنشاء مركز متخصص بمأرب. مضيفة أن وجود هذا المركز بمأرب سيخفف معاناة المرضى، ويغنيهم عن السفر الشاق الذي يضاعف ألم ومعاناة المرضى. 

فيما قال “الحويسك”، إن الكثير في منطقته، بعضهم زملاء وأصدقاء، تعرّضوا لنفس المعاناة مع هذا المرض “الخطير”، الذي قال إنه يفتك بكثير من الناس في ظل انعدام العناية الطبية اللازمة لمكافحته.

قصص سهام، وأم محمد، والهيثمي، والسريحي، والحويسك، تظهر حجم المعاناة القاسية التي تطحن مئات المرضى بالسرطان وعائلاتهم بمأرب، لعدم وجود مركز متخصص يكفيهم مشقّة البحث عن العلاج داخل البلاد وخارجها.

العديد من هؤلاء نازحين، وغالبيتهم لا يملكون تكاليف الانتقال داخليًا، فكيف بالسفر إلى الخارج أو شراء الأدوية قياسًا بوضعهم المعيشي وحالتهم المادية الصعبة، وبالأخص الأسر التي لديها أكثر من مريض كالنازحة أم محمد.

وبشأن أدوية مرضى السرطان، قال مدير صحّة مأرب، إنها “مكلفة جداً، ولا يمكن توفيرها إلا من خلال جمعيات ومنظمات أو دعم وزارة الصحة”. مؤكدًا حاجة مأرب إلى “مركز متكامل لعلاج السرطان”.

في تصريح سابق، قال وزير الصحة، الدكتور قاسم بحيبح، إن اليمن تسجل نحو 30 ألف حالة إصابة بالسرطان سنويًا، وهذا يستدعي تدخلًا عاجلًا لبناء مراكز متكاملة لعلاج السرطان بمختلف المحافظات، بما فيها مأرب.

دور مجتمعي ضعيف

إضافة لتواضع الدور الرسمي رغم توجه قيادة المحافظة لإنشاء مركز متخصص بالأورام، يلاحظ أيضًا ضعف دور المجتمع المدني لمواجهة الأورام السرطانية بمأرب، ومساعدة المرضى وأقاربهم.

بداية العام المنصرم، أنشئت مؤسسة التفاؤل لرعاية مرضى السرطان، إلا أنها تقدم خدمات بسيطة، وتفتقر لأبسط المقومات.

وعن مؤسسة التفاؤل، قال مديرها الدكتور علي الرمال، لـ“بران برس”، إن تأسيسها “جاء كضرورة ملحة لتلبية احتياجات هؤلاء المرضى، في ظل عدم وجود مركز متخصص لعلاج السرطان في مأرب”.

وأضاف: “فكرنا في توفير ما يمكننا من مساعدة للمرضى، لكن للأسف لم نتمكن من تحقيق الهدف المنشود بسبب شح الإمكانيات المتوفرة، وعدم توفر الامكانات المادية”.

دعوة للتعاون

عن دور المجتمع المدني، قال الشيخ عارف العجي المرادي، إنه “لا يقل أهمية عن دور الجهات الرسمية في دعم مرضى السرطان”، مبيناً أن الكثير من المرضى وأسرهم ليس لديهم القدرة على العلاج، والقليل من الناس قادرون على السفر للعلاج.

وعبّر الشيخ المرادي، عن أسفه لأن حملات التوعية “ضعيفة جدًا، بل تكاد تكون منعدمة في ظل الحرب والظروف الصعبة”. داعيًا المجتمع في مأرب لمضاعفة جهود التوعية، وتقديم الدعم اللازم لمرضى السرطان كأقل واجب.

وفي إطار الجهود المجتمعية، تحدث المدير التنفيذي لمؤسسة التفاؤل، الدكتور إبراهيم دغبس، لـ“بران برس”، عن محاولات لإنشاء مركز لعلاج مرضى السرطان بمأرب “بعد أن لاحظنا تزايد معاناة المرضى بالمحافظة”.

وفي البداية، قال: “تبرع أحمد سعيد (اسم مستعار) بمبنى من ثلاثة طوابق، لكن المشروع لم يكتمل بسبب مشاكل في التأثيث”. ومع ذلك، قال: “لم نتوقف بل قادنا لمبادرة جديدة تبرع فيها الشيخ محمد الخراز، بقطعة أرض لإنشاء مركز”، داعيًا لأن “يتعاون الجميع في البناء والتأثيثـ وشراء الأجهزة والمعدات اللازمة لتخفيف معاناة مرضى السرطان”.
 

مواضيع ذات صلة