أعد التقرير - لـ"برّان برس"- نواف الحميري:
تواصل الخزانة الأمريكية، فرض قيود مالية على النظام المالي والمصرفي التابع لجماعة الحوثي المصنفة أمريكيًا على قوائم الإرهاب، وزادت بعد تصعيد الجماعة في البحر الأحمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
مؤخرًا، طالت هذه العقوبات بنك اليمن والكويت، بتهمة تقديم الدعم المالي لجماعة الحوثي، وتأتي استكمالًا لعقوبات سابقة فرضتها الخزانة الأمريكية على مكاتب صرافة وشبكات مالية تابعة للجماعة.
يتحدث لـ“بران برس”، في هذا التقرير، خبراء اقتصاديون حول أسباب هذه العقوبات وتوقيتها، وانعكاسها على الاقتصاد اليمني، وعلى معيشة اليمنيين، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.
سبب العقوبات وتوقيتها
الخبير الاقتصادي اليمني، عبد الواحد العوبلي، أوضح لـ“برّان برس”، أن “جميع إيرادات الحوثي غير شرعية، حتى إذا قام بغسلها عن طريق شراء عقارات وإنشاء مشاريع وهميه”.
وداخل سلسة عملية غسيل الأموال هذه، قال إن الحوثي بحاجة “إلى كيان شرعي (بنك)، لكي تدخل هذه الأموال عبره كي يستطيع إخراجها إلى خارج اليمن بشكل شرعي”، وبرأيه فإن “بنك اليمن والكويت لعب دور هذا الكيان”.
وأضاف أن الخزانة الأمريكية تعرف أن الحوثي يقوم بهذا الأمر منذُ سنوات، موضحًا أن “سبب اتخاذ هذا القرار في هذا الوقت هو أنهم يعتبرون أن الحوثي أصبح الآن ورقة محروقة, وبدأت الولايات المتحدة بقصقصة أجنحته الاقتصادية عبر هذه العقوبات.
فيما قال الصحفي الاقتصادي، وفيق صالح، لـ“بران ربس”، إن هذه القرارات تستند إلى عقوبات سابقة فرضتها الخزانة الأمريكية استهدفت شركات الصرافة التابعة للحوثيين، وشبكات التمويل الدولية المسؤولة عن توجيه العائدات غير المشروعة من مبيعات النفط الإيرانية للحوثيين.
تداعيات قرارات مركزي عدن
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، فارس النجار، لـ“بران برس”، إن المجتمع الدولي أعاد ترتيب أولوياته بشأن اليمن مما سيفتح المجال أمامه بشكل أكبر لتقليم أظافر جماعة الحوثي.
وأضاف أن هذه الترتيبات جاءت بعد توقيف قرارات مركزي عدن من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن، والذي قال إنه زاد شهيّة الحوثيين “حول العمليات المالية المشبوهة معتقدين أنهم سيستمرون في العبث بالاقتصاد اليمني دون أي رقابة”.
وأوضح أن “توقيف قرار مركزي عدن جاء بهدف المضي في تنفيذ خارطة الطريق التي تعالج ملفات رئيسية كصرف المرتبات وإعادة تصدير النفط، لكن الحوثي تمرد عليها رغم محاولات المبعوثيّن الأمريكي والأممي.
ويرى أن القرار الأخير “جاء لإضعاف قدرة الحوثي الاقتصادية”، معتبرًا “بنك اليمن والكويت من أهم المؤسسات المالية التي يستخدمها الحوثي لتنفيذ صفقاته المشبوهة”، وهذا برأيه “إشارة واضحة بأن الحوثيين لديهم شبكة واسعة يستخدمها لدعم نشاطه العسكري”.
وشدد النجار، على ضرورة دعم المجتمع الدولي للحكومة الشرعية لتنفيذ قرارات مركزي عدن، وعدم ترك القطاع المصرفي بيد الحوثيين، داعيًا الحكومة اليمنية لتنبني استراتيجية وطنية شاملة تهدف لحماية القطاع المصرفي من استغلال الحوثي وتعزيز الرقابة داخله.
شلل عملياتي
أستاذ الاقتصاد المساعد في المعهد الوطني للعلوم الإدارية بتعز، الدكتور هشام الصرمي، أشار في حديثه لـ“ران برس”، إلى أن لهذه القرارات انعكاسات كبيرة على القطاع المصرفي، ومن أهمها تجميد الأصول التابعة للبنك”.
وأضاف: “إذا كان للبنك أصول في الخارج فقد يتم تجميدها فورًا، مما يسبب شللًا في عملياته المالية، وفقدان الوصول إلى النظام المالي الدولي بحرمان البنك من التعامل مع الدولار عبر نظام التحويلات الدولية (SWIFT)، مما يقلل من قدرته على تنفيذ المعاملات عبر الحدود”.
ويرى أن “هذه العقوبات غالبًا تؤدي إلى تسرب العملاء، سواء كانوا أفرادًا أو شركات، خوفًا من تعطل الخدمات المصرفية أو تجميد الأموال إلى جانب تأثير الدومينو على البنوك المحلية الأخرى”.
وتوقع أن تواجه هذه البنوك “صعوبات في التعامل مع الأطراف الأجنبية بسبب المخاوف من العقوبات الثانوية”، وهذا برأيه “يؤدي إلى صعوبة التمويل والسيولة، ويضعف قدرة البنك من الاقتراض من البنوك الدولية، مما يؤدي إلى أزمة سيولة”.
وتؤدي هذه العقوبات، وفق الدكتور الصرمي، إلى “زعزعة الوضع الاقتصادي، في مناطق سيطرة الحوثي كهبوط العملة المحلية بسبب انخفاض الثقة في القطاع المصرفي، وهروب رؤوس الأموال”.
وما سبق، قال إنه “يشكل ضغط كبير على طبعة الريال القديمة التي تعاني أساساً من الانعدام والتهالك، وارتفاع أسعار السلع المستوردة لمناطق سيطرة الحوثي”، متوقعًا أن العقوبات “قد تجبر الشركات المحلية على اللجوء إلى مصادر تمويل بديلة ذات تكاليف أعلى”.
رسالة وطوق نجاة
أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، عبد الرحمن البحر، يرى أن “استهداف بنوك تابعة لمركزي صنعاء بعقوبات أمريكية يعني تضييق نطاق التجارة الخارجية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتضييق نطاق استيراد السلع والخدمات من الخارج من خلال التحويلات المالية الدولية من وإلى هذه البنوك”.
وأضاف في حديثه لـ“بران برس”، أن هذه العقوبات تهدف لـ“زيادة الضغط على الحوثيين للرضوخ لعدم استهداف خطوط الملاحة الدولية والسفن التجارية وضمان أمنها من خلال عدم استهدافها بالصواريخ أو الطائرات المسيرة”.
عن فحوى قرار الخزانة الأمريكية بشأن بنك اليمن والكويت، قال الخبير الاقتصادي العوبلي، إنه يعتبر “رسالة لبقية البنوك والمصارف اليمنية للتوقف عن التماهي مع السياسات التي تتبعها جماعة الحوثي بحق القطاع المصرفي”.
ويرى أن هذه الرسائل لم تعد كافية، مشددًا على ضرورة “إنفاذ قرارات مركزي عدن الذي تم تعطيلها بسبب تدخل المبعوث الأممي من أجل تخلص القطاع البنكي وخاصة التي مقراتها الرئيسية في صنعاء من الضغوطات الحوثية، والتماهي مع السياسات المالية التي تتنافى مع مبادئ وقوانين العمل المالي دولياً”.
وعن نطاق تأثير العقوبات، أوضح الاقتصادي وفيق صالح، أن “الاستهداف ليس ضد القطاع المصرفي اليمني بشكل عام، وإنما هي إجراءات لتجفيف الأنشطة المالية والمصرفية المرتبطة بجماعة الحوثي والتي تستفيد منها في تمويل أنشطتها العسكرية والتمويلية”.
وقال إن “القطاع المصرفي يستطيع أن ينأى بذاته، ويحافظ على مركزه المالي من خلال تجنب كافة التعاملات المالية المشبوهة والمرتبطة بالحوثيين”.
وشدد على ضرورة “الإلتزام بالمعايير الدولية الصارمة في مجال مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، ومضاعفة عملية الرقابة الداخلية والخارجية على المعاملات المالية والمصرفية بما يسهم الامتثال لآليات قوانين المنظومة المصرفية الدولية.”
ويرى أن “حجم الضرر الذي سيلحق بالقطاع المصرفي يرتبط بالكيفية التي ستتعامل بها جماعة الحوثي مع البنوك والمصارف، فإذا أجبرت القطاع المصرفي على التماهي مع ممارساتها الكارثية فهذا سيؤثر بالتأكيد على وضع الأنشطة المالية والمصرفية بصنعاء وبقية المناطق المرتبطة بها”.
وقال “صالح”، إن التزام البنوك والمصارف بالقوانين والقواعد الدولية في آلية العمل المالي والمصرفي، والتزامها بمبادئ الحوكمة والامتثال، والتنسيق مع البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دولياً، “سيشكل طوق نجاة للقطاع المصرفي اليمني بشكل عام”.
قرارات غير كافية
وعن جدوى القرارات، قال الاقتصادي النجار، إن الحوثي أصبح “يدير شبكات واسعه لتمرير صفقاته المشبوهة، وهذا القرار لا يمكن الإعتماد عليه وحده لتجفيف منابع تمويل الحوثيين؛ لأنه لم يعد يأبه بتدميره، في حين أنه قام بإنشاء منظومة كبيرة متوغلة في الاقتصاد اليمني أصبحت مرتبطة بشبكات غسيل أموال خارجية”.
ومن أجل تحييد قدرة الحوثي الاقتصادية، شدد على ضرورة “دعم الجهود الدولية لتوسيع قائمة العقوبات لتشمل جميع شبكات الحوثي، بما فيها شركات الصرافة والكيانات الوهمية، وإصدار أقصى العقوبات بحقها من أجل تقييد موارد الحوثيين والشبكات الداعمة له”.