برّان برس - وحدة التقارير:
في خطوة غير اعتيادية، ظهر المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، جوليان هارنيس، بمحافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، والتي تشهد أسوأ أزمة إنسانية على مستوى الجمهورية اليمنية، في ظل التدفق الكبير للنازحين إليها بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
تأتي زيارة “جوليان هارنيس”، المتأخرة لمحافظة مأرب التي تحتضن أكثر من 62% من نازحي اليمن، بعد سنوات من إصراره على البقاء في مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المصنفة عالميًا في قوائم الإرهاب منذ تعيينه، رافضًا دعوات الحكومة اليمنية المعترف بها، للانتقال إلى مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.
وعن سبب زيارته إلى مأرب، قال "جوليان هارنيس" في تصريح خاص لـ"بران برس"، عقب جلسة مباحاثات مع السلطة المحلية بالمحافظة، اليوم الأربعاء، إنه في مأرب ليفهم كيف أوضاع الناس هنا حيث 1.6 مليون نازح يعيشون حياة صعبة جدا، والمخيمات تحتاج مساعدات مهمة جدا.
المنسق الأممي المقيم، أضاف في تصريحه المقتضب: "أنا هنا في محافظ مأرب لمعرفة كيف يمكننا في الأمم المتحدة تقديم الدعم للنازحين والعمل مع الحكومة والمانحين ومركز الملك سلمان للإغاثة والأهمال لإنسانية، في تقديم المساعدات للنازحين".
تحذير
لأوّل مرّة، تمكّنت السلطة المحلية بمأرب، خلال هذه الزيارة، من إطلاع منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جوليان هارنيس، على الأوضاع الإنسانية “المعقدة والمتدهورة” التي يعيشها النازحون والمجتمع المضيف بالمحافظة.
ووفق وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” (رسمية)، فقد حذّرت السلطة المحلية بمأرب من “خطورة تراجع الدور الإنساني للأوتشا وشركاء العمل الإنساني في مأرب، مما ينذر بحدوث انهيار شامل للخدمات الأساسية في العديد من القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها الصحة والتربية”.
وأكّدت “أهمية أخذ المنسق الأممي ومكتبه البيانات الحقيقية لحجم الاحتياجات الإنسانية وواقع الوضع الإنساني من الجهات الرسمية للسلطة المحلية والكلسترات الفرعية بالمحافظة، بما يساعد مكتب الأوتشا على اتخاذ القرارات السليمة في توزيع التمويلات المقدمة بعدالة”.
وقالت إن قيام المسؤول الأممي ومكتبه بـ”أخذ بيانات من مصادر غير معروفة يتسبب في حرمان المحافظة والنازحين فيها من التمويلات التي من شأنها التخفيف من معاناتهم واحتياجاتهم الإنسانية، وتُعمق من تدهور الأزمة الإنسانية وانهيار الخدمات”.
غياب الاستجابة
في جلسة المباحثات، أكد وكيل محافظة مأرب، عبدربه مفتاح، أهمية هذه الزيارة التي تعد الأولى للمنسق المقيم هارنيس، إلى المحافظة، ليطّلع عن قرب على حقيقة الواقع الإنساني “المعقّد” الذي يعيشه “أكبر تجمع سكاني للنازحين في اليمن”.
وحذّر الوكيل مفتاح، من انهيار إنساني شامل في المحافظة جراء غياب الاستجابة الكافية من قبل المنظمات الأممية والدولية، وتراجع المانحين عن الوفاء بتعهداتهم، وعدم تقديم الدعم الإنساني العاجل للقطاعات الحيوية، وفي مقدمتها قطاعا الصحة والتربية والتعليم، وفق الوكالة.
ودعا الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية والمحلية، إلى التحرك العاجل لاحتواء كارثة إنسانية وشيكة في مختلف القطاعات الخدمية بالمحافظة. لافتًا إلى الزيادة السريعة في عدد سكان المحافظة بسبب موجة النزوح المستمرة منذ سنوات، حيث يعيش في مأرب حاليًا أكثر من 3 ملايين نسمة، منهم 2.2 مليون نازح.
وتحدث المسؤول المحلي، عن تراجع عدد من المنظمات الأممية والدولية الفاعلة عن دعم القطاعات الحيوية بالمحافظة، ما أدى إلى إغلاق العديد من المشاريع الإنسانية في كافة القطاعات الأساسية، وزاد من تدهور الأوضاع الإنسانية، المتدهورة أصلًا.
الداعم الأممي للجماعة الإرهابية
ويتهم “جوليان هارنيس”، وهو أعلى موظف أممي يقيم في صنعاء، بدعم جماعة الحوثي وحربها ضد الشعب اليمني، مغلّبًا أفكاره وعلاقاته الشخصيّة على حساب مهنته ومهنيته وإنسانيته والعمل الإنساني برمّته.
وتزايدت الشكوك بشأن موقف وتحركاته، مع صمته المطبق إزاء حملات الاختطاف الحوثية الواسعة ضد موظفي المنظمات الأممية والوكالات الدولية في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ منتصف العام الماضي.
وفي ذروة الإدانات المحلية والإقليمية والدولية للجماعة، والتي تطالبها بوقف هذه الحملة وإطلاق المختطفين، أطلق “جوليان” تصريحًا غريبًا في ديسمبر/ كانون الأول 2024، قال فيه إن علاقة الأمم المتحدة تحسنت مع الحوثيين رغم استمرارهم في اختطاف موظفيها، مرجعًا تدهور العلاقة معهم سابقًا إلى مواقف المنسقين السابقين، مؤكدًا أن العلاقة مع الجماعة بوجوده أصبحت أفضل.
سجل حافل بدعم التمرّد
منذ عمله في مكتب اليونيسف باليمن عام 2013، اُتهم “جوليان” بتركيز الدعم الدولي لليمن لتنفيذ مشاريع في معقل الحوثيين الرئيس بمحافظة صعدة، والتواصل معهم بشكل وثيق بعد انقلابهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، وصولًا للمشاركة بإعلان انقلابهم الذي ألغوا فيه دستور البلاد وحل برلمان الشعب عام 2015.
ومع تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها، تزايد الاتهامات والشكوك حوله، بما فيها تركيز أنشطته وتحرّكاته على وقف الغارات الجوّية ضد الجماعة، والترويج لرواياتها المضللة في تقاريره وبياناته الرسمية، إضافة إلى دعم طباعة مناهجها الدراسية الطائفية رغم خطورتها على الأجيال ومستقبل البلاد.
وتوسّعت هذه الشكوك مع موقفه تجاه الحملة الحوثية المكثّفة لاختطاف عشرات الموظفين الأمميين، وتعذيبهم والتحريض ضدهم بوصفهم عملاء وجواسيس وتعريض حياتهم للخطر، إذ لم يكتف “جوليان” بالصمت بل ذهب لتأكيد رواية الحوثيين، بتأكيده حساسيتهم من الوظائف التي تتضمّن معلومات شخصية. ولم يتوقف هنا، بل أعلن أن علاقة الأمم المتحدة مع الجماعة في أفضل حالاتها، وعمل على إعاقة أي موقف أممي أو دولي ضدها.
الحوثي ربح الحرب
في 19 أغسطس/آب 2024، عبّرت 50 منظمة مجتمعية محلية، في بيان مشترك، عن خيبة أملها “العميقة”، وإحباطها من نهج الأمم المتحدة في اليمن خلال العقد الماضي، متهمة الأمم المتحدة بـ“الفشل” في الالتزام بمبادئ الإنسانية، والحياد، وعدم الانحياز، والاستقلالية.
وقالت إن هذا النهج “مكن الحوثيين من تسييس وحرف مسار المساعدات والانتفاع منها عسكرياً، وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتعزيز قوتهم العسكرية وتقويض الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في اليمن”.
وعبّرت عن شعورها “بخيبة أمل عميقة” من نهج المنسق المقيم الجديد، جوليان هارنيس، والذي قالت إنه “يتبنى نهجًا أكثر ليونة تجاه الحوثيين منذ توليه منصبه.
وانتقدت تأكيده على “ضرورة استمرار الأمم المتحدة في العمل مع الحوثيين، واستئناف برنامج المساعدات الغذائية العامة لبرنامج الغذاء العالمي بصرف النظر عن الظروف”.
ونقل البيان عن “جوليان هارنيس”، قوله اجتماعاته مع المدراء القطريين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية، إن “الحوثيين ربحوا الحرب، وإن دور الأمم المتحدة يقتصر على دعمهم (الحوثيين)”. وإضافة إلى ذلك، قال إنه “تجاهل الآراء المعارضة من المدراء القطريين، بل ونظم للإطاحة برينو ديتال، رئيس مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) الذي اتخذ من عدن مقراً له، بعد خلافه مع الحوثيين.
واعتبرت المنظمات المحلية، في بيانها، أفعال وتصريحات المسؤول الأممي المذكور “تقوض مصداقية الأمم المتحدة وتفشل في معالجة القضايا الجادة المطروحة، مما يزيد من معاناة اليمنيين الممتدة منذ وقت طويل”.
وأوضحت أن المنسق المقيم الحالي للأمم المتحدة يتبنى “نهجًا أكثر ليونة على أمل ضمان سير العمليات بشكل سلس بغض النظر عن التأثير الأوسع على اليمن”، وهو ما يعد قفزًا على الواقع ومصالح اليمنيين ومستقبلهم.
ولم تتوقف المنظمات المذكورة عند انتقاد المنسق الأمم المقيم، بل طالبت في بيانها باستبداله فورًا، والذي قالت إنه “يركز بشكل مقلق على البرامج والعمليات فقط- بشخص يعطي الأولوية لحساسية النزاع ويلتزم بمبدأ لا ضرر ولا ضرار”.
ما وراء الزيارة؟
الزيارة “المفاجئة” للمسؤول الأممي، جوليان هارنيس، إلى محافظة مأرب، لأوّل مرّة منذ تعيينه، تثير سؤالًا كبيرًا حول سبب تخلّيه عن قراره البقاء الدائم في صنعاء. كما تثير أسئلة كثيرة حول دوافع هذه الزيارة، في ظل الشكوك المتزايدة حول طبيعة تحركاته وعلاقته بالحوثيين.
ويبقى السؤال الأهم، هل هذه الزيارة منسّقة مع الحوثيين بحيث لا تؤثّر على علاقته الجيدة معهم، أم أنها انقلابًا على هذه العلاقة ونفيًا لاستنتاجه وقناعته السابقة بأن الجماعة ربحت الحرب وعلى اليمنيين والعالم التعامل معها كأمر واقع؟.