
أعد التقرير - لـ"برّان برس"- نواف الحميري:
مثّلت الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى المملكة العربية السعودية، أهمّية خاصة في ظل تصاعد التوترات التي تشهدها المنطقة، ومنها المتعلقّة بالملف اليمنى.
تعد العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والسعودية أحد الركائز الأساسية في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد تعززت هذه العلاقة وتعمّقت أكثر خلال ولاية ترامب الأولى (2017 – 2021)، وظهر ذلك في صفقات الأسلحة الضخمة والدعم الأمريكي سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خصوصًا بشأن الأزمة اليمنية.
ومع عودة زخم هذا التحالف الاستراتيجي من جديد، خلال الزيارة التي تشمل قطر والإمارات، كان اللافت غياب الملف اليمني في جدول الأعمال، خصوصًا في ظل تعثر جهود السلام، واستمرار التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.
يناقش “بران برس”، في هذه المادة، مع باحثين وخبراء يمنيون وعرب طبيعة هذه الزيارة وانعكاساتها على الملف اليمني، وما إذا كان تراجع الملف ضمن سلم الأولويات يشير إلى مقاربة جديدة تنتهجها واشنطن ودل الخليج تجاه اليمن.
اليمن من الزاوية الأمريكية
يرى الدكتور فارس البيل، رئيس مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية، إن الملف اليمني سيطرح بشكل أو بآخر خلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة، لافتًا إلى إشارة الرئيس ترامب إلى المشكلة اليمنية بالحديث عن الحوثي فقط.
وهذا برأي الدكتور البيل، “نقطه تدفعنا إلى قراءه طبيعة نظره الإدارة الأمريكية للمشكلة اليمنية، معتقدًا أن “الإدارة الأمريكية الحالية تختزل المشكلة اليمنية في الحوثيين باعتبارهم ورقه ضمن المشكلة الإيرانية، وليست حاله يمنيه مستقلة، وبالتالي لا ينظر إلى القضية اليمنية إلا باعتبار أن الحوثي أداه إيرانية تتعمد التخريب”.
وتتضمن طبيعة التعامل مع الحوثيين من هذا المنظور، وفق البيل، إما أن يكون هنالك اتفاق شامل مع إيران يفضي إلى نزع المشروع النووي ونزع القوه الاستراتيجية بما فيها الصواريخ، وإبطال وكلائها بما فيهم الحوثيون أو فالخيار العسكري وارد لتنفيذها. وجماعة الحوثي ضمن هذه الدائرة.
ومن خلال الحديث عن إيران، قال البيل، في حديثه لـ“بران برس”، إن “هنالك رغبه أمريكية في إزاحة النفوذ الإيراني من المنطقة”، معتقدًا أن “هذا هو الهدف الأساسي الآن: إما أن تذهب إيران وتصبح دولة مسالمة مستقرة دون أنياب أو ستنزع هذه الأنياب بما فيها القوه النووية الداخلية والوكلاء، وهذه هي النقطة الأساسية في اليمن، وجوهر الحديث.
وقال إن ترامب، “لم يلمح إلى اتفاقيه سلام في اليمن، لأن القصة مختلفة فالنظرة إلى المشكلة اليمنية هي أن هنالك جماعة تتبع إيران، وإزاحتها هو الحل الحقيقي والوحيد إما بالاتفاق أو بالعمل العسكري في كل الأحوال”.
عجز وفشل
وأما الدكتور عبدالقادر الخلي، أستاذ العلوم السياسي في جامعة تعز، فقد استغرب غياب الملف اليمني “كليًا عن التصريحات الرسمية الأمريكية خلال زيارة ترامب، رغم استمرار الحرب في اليمن منذ نحو عقد، وتصاعد التوترات في البحر الأحمر.
وقال في حديثه لـ“بران برس”، إن تغييب اليمن وسط هذه الأولويات يشير إلى رؤية أمريكية تعتبر أن الملف لم يعد يحتل موقعًا متقدمًا في أولوياتها الجيوسياسية.
وإضافة إلى الأسباب المرتبطة بالاستراتيجية الأمريكية، فسر الدكتور الخلي، “تغييب الملف اليمني بعامل داخلي أساسي، يتمثل في فشل الدبلوماسية اليمنية الرسمية في توصيف الصراع وتدويله بشكل ناجح”.
تجاهل أم تنصل
وفقًا للدكتور الخلي، فإن “الغموض الذي يكتنف السياسة الأميركية تجاه اليمن لم يعد غموضًا بريئًا، بل أقرب إلى تنصل محسوب”. مضيفًا أن “الإدارة الأميركية تتعامل مع الملف من زاوية إدارة المخاطر وليس منطق الحلول”.
ويعني هذا الأمر برأيه، “الرغبة في تجميد الصراع بدلًا من إنهائه، وتفادي فتح جبهة إعلامية حول الكارثة الإنسانية، وتوجيه الحلفاء نحو ملفات "أكثر أولوية" كالنفط، والطاقة، وإيران، والتطبيع. وبذلك، أصبح اليمن مجرد "تكلفة هامشية" تُدار من الخلف، لا من الطاولة.
دلالات وحلول
وعن دلالات هذا الغياب، قال أستاذ العلوم السياسية إن في مقدمته “تآكل مكانة اليمن في الإدراك الجيوسياسي الدولي. فالصراع الذي كان يُرى يومًا ما بوابة لإعادة تشكيل المنطقة أصبح يُعامل كحالة مزمنة لا تستحق الانتباه الفعلي إلا عند تهديد الملاحة أو المنشآت النفطية.
ويرى أن غياب اليمن عن أجندة واشنطن، “يُشجع الحلفاء على تطبيع التجاهل، واستثمار الموارد في قضايا أكثر فاعلية سياسية وإعلامية. إضافة إلى “تحوّل الحوثيين إلى أمر واقع مقبول ضمنيًا”، ويعني هذا أن كثيرًا من دوائر صنع القرار لم تعد ترى إسقاطهم هدفًا واقعيًا ما داموا لا يهاجمون المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية.
واعتبر غياب اليمن عن جولة ترامب “تعبير عن فشل مزدوج: فشل التحالف في تقديم استراتيجية خروج مشرفة، وفشل القيادة اليمنية في فرض الملف على الطاولة الدولية. وبينما تُعاد صياغة خارطة الشرق الأوسط، تظل اليمن خارج النص، بلا حلفاء حقيقيين، وبلا أدوات ضغط فاعلة.
وبرأي الخلي، فإن “مواجهة هذا التغييب تبدأ بإعادة تعريف الصراع، وتصعيد الدبلوماسية النشطة، والبحث عن خطاب سياسي جديد لا يستجدي الاهتمام بل يفرض نفسه كقضية إقليمية لا يمكن تجاهلها دون تكلف”.
نتائج محتملة
من جانبها، ترى الخبيرة المصرية في العلاقات الدولية، الدكتورة شيماء سمير محمد حسين، أن “هناك نتائج محتملة لزيارة ترامب على الملف اليمني. فعلى الصعيد الدبلوماسى، من المحتمل أن تسهم في تحفيز البحث عن حلول سياسية جديدة، من خلال إحياء المفاوضات، والتواصل مع الحوثيين للدفع بهم إلى طاولة المفاوضات”.
وقالت في حديثه لـ“بران برس”، إنه بالإمكان أن “يلعب الضغط الأمريكي دورًا في توحيد صفوف المعارضة الحوثية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، مع الحرص على منع تمدد النفوذ الإيراني. ولا تستبعد أن “يرتبط الملف اليمني بالتفاوض النووي مع إيران، مما قد يحقق نتائج مثمرة على الصعيدين”.
وهذه الديناميكيات السياسية، برأيها “تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في اليمن، وهو ما قد يدفع الأطراف المعنية للعمل نحو إيجاد تسوياتٍ تخدم المصالح المشتركة”.
عودة الصراع
على المستوى العسكري، لا تستبعد الخبيرة المصرية أن “تسهم الزيارة إلى زيادة الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي للعمليات السعودية في اليمن، مما ينتج عنه تصعيد العمليات العسكرية والضربات الجوية ضد الحوثيين، بما في ذلك استهداف قيادات حوثية جديدة رفيعة المستوى”.
وفي هذا السياق، تقول بإمكانية “أن يتضمن ذلك تطوير القواعد العسكرية الأمريكية في السعودية، ونشر أنظمة دفاع صاروخي متطورة لحماية المنشآت الحيوية”.
وإقليميًا، لا تستبعد “عمليات تنسيق عسكري أكبر بين الرياض وواشنطن، حيث يمكن تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أكثر فعالية لمواجهة التهديدات المشتركة، وهو ما ستواجهه إيران بمزيد من الدعم العسكري للحوثيين”.
واقتصاديًا، ترى الدكتورة شيماء، إمكانية أن تشمل النقاشات “اتخاذ عقوبات مالية، كتجميد الأصول المالية لشخصيات وقيادات حوثية في الخارج، إضافة إلى فرض حظر على تحويلات المغتربين”.
ومن المحتمل أيضًا، برأيها، أن “تسعى واشنطن لربط المساعدات الإنسانية باليمن بالإصلاحات السياسية، مما يهدف إلى دفع الأطراف نحو الحلول السلمية”.
وفي هذا السياق، قالت: “يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا تنمويًا من خلال دعم برامج إعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية بالتزامن مع تحقيق الاستقرار السياسي”.
تحديات قائمة
ورغم النتائج المحتملة للزيارة والتي وصفتها بـ“الإيجابية”، قالت الخبيرة المصرية، إن “التحديات لا تزال قائمة، حيث تظل المفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية معقدة مما يجعل الكفة تميل أكثر إلى التصعيد العسكري”.
وما بين التقدم العسكري والعمليات السياسية، قالت: “يبقى الوضع الإنساني في اليمن مقلقًا، حيث يواجه الملايين من السكان أزمات إنسانية متفاقمة تتطلب استجابة عاجلة”.
وأكدت على ضرورة الأخذ في الاعتبار “التوترات القائمة بين الولايات المتحدة وإيران”، معتبرة “أي تصعيد في المواجهات قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في اليمن”. وفي هذه الحالة “يجب أن تتسم السياسات الأمريكية بالتوازن بين الضغط على الحوثيين وحماية المصالح السعودية في المنطقة”.
سياق واقعي
من جانبه، يرى المحلل السياسي السعودي، الدكتور تركي البقلان، أن افتتاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زياراته الخارجية إلى السعودية تحمل رسائل عدة منها: أن المملكة بقيادة الأمير محمد بن سلمان، تتجه نحو القمة ولما لها من دور قيادي في الدول الخليجية والعربية.
واستبعد الفرضيات المتداولة بشأن اليمن قائلًا: لا يوجد حديث يذكر على أن زيارة ترمب، ستغير من مجريات الأحداث اليمنية نحو حل سلمي تديره السعودية برعاية أمريكية. موضحًا أن الزيارة تركزت بشكل أساسي حول الملف الاقتصادي والمشاريع التطويرية ولرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.
واتفق مع الرأي القائل بأن “الحوثيين ينظر إليهم على أنهم ضمن الملف الإيراني”. وقال: إذا حدث تغيير في الملف الإيراني سوف تنحل الأزمة اليمنية وستتغير كل الموازين وسيكون هناك حل سلمي.
وفي حال فشل الاتفاق بين الولايات وإيران، يرى السياسي القبلان، أنه “سيفتح الملف من جديد وستعود المعركة من جديد وسيكون هناك رغبة أمريكية بإنهاء الحوثيين”.