|    English   |    [email protected]

قرارات البنك المركزي واستراتيجية عزل الحوثيين.. تحديات وفرص إعادة الاستقرار الاقتصادي

الاثنين 15 يوليو 2024 |منذ 4 أشهر
عبدالجبار سلمان

عبدالجبار سلمان

البنك المركزي اليمني يُعتبر من أبرز المؤسسات المالية في البلاد، وقد واجه العديد من التحديات منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن. من أبرز هذه التحديات الصراع على السلطة بين الحكومة المعترف بها دوليًا والحوثيين اللذين يسطيرون على أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. تعاني اليمن من تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة الحرب المستمرة والانقسام السياسي، وقد اتخذ البنك المركزي اليمني عدة قرارات ضمن استراتيجياته لعزل الحوثيين وإعادة الاستقرار الاقتصادي.
 
في سبتمبر 2016، قررت الحكومة اليمنية نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، بهدف استعادة السيطرة على الاقتصاد الوطني ومنع الحوثيين من استخدام الموارد المالية لأغراضهم الخاصة. هذا القرار كان له تأثير كبير على النظام المالي في البلاد، حيث أدى إلى انقسام البنك المركزي إلى فرعين: أحدهما في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، والآخر في عدن تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا. بالإضافة إلى ذلك، واجه البنك المركزي في عدن تحديات في إصدار العملة والسيطرة على التضخم. قررت الحكومة اليمنية طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية في روسيا لتعويض النقص الحاد في السيولة المالية. ومع ذلك، أدى هذا الإجراء إلى تضخم كبير وانخفاض قيمة الريال اليمني، مما أثر سلبًا على الاقتصاد والمواطنين. كما أصدرت الحكومة قرارات للسيطرة على تحويلات الأموال في محاولة للحد من تأثير الحوثيين على الاقتصاد، بما في ذلك حظر تحويل الأموال عبر شركات معينة، وتحديد سقف للتحويلات المالية. بالإضافة إلى ذلك، عانت الحكومة من صعوبات كبيرة في دفع رواتب الموظفين الحكوميين، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وزيادة معاناة السكان. سعت الحكومة اليمنية، بدعم من التحالف العربي، إلى عزل الحوثيين ماليًا من خلال سلسلة من الإجراءات.
 
شملت هذه الإجراءات فصل المؤسسات المالية والمصرفية في صنعاء عن النظام المالي الدولي، بهدف منع الحوثيين من الوصول إلى الموارد المالية الخارجية. أصدرت الحكومة قرارًا بنقل إدارة وأنشطة البنوك المحلية وشركات الصرافة إلى عدن، وألغت تصاريح البنوك التي لم تنتقل إلى عدن. كما حظرت التعامل مع الكيانات والمحافظ وخدمات الدفع الإلكتروني غير المرخصة، وسحبت الأوراق النقدية القديمة الصادرة قبل عام 2016، وحظرت التحويلات الخارجية إلا عبر البنوك وشركات الصرافة المعتمدة من البنك المركزي. علاوة على ذلك، شددت الحكومة الرقابة على الواردات، خاصة تلك التي قد تُستخدم لتمويل الحوثيين، من خلال مراقبة حركة السلع عبر الموانئ والمطارات ومحاربة الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية مثل تهريب الوقود والسلع. كما فُرضت عقوبات دولية على شخصيات وكيانات مرتبطة بالحوثيين، مما حد من قدرتهم على التحرك المالي واستخدام النظام المالي العالمي. يواجه البنك المركزي اليمني عدة تحديات، أبرزها إعادة توحيد البنك المركزي، وهي من أكبر التحديات التي تواجه اليمن. يتطلب هذا الأمر اتفاقًا سياسيًا شاملاً بين الأطراف المتنازعة، إذ يعوق استمرار النزاع تحقيق الاستقرار الاقتصادي المستدام. يهدف البنك المركزي إلى تحقيق الاستقرار المالي وضمان قدرة البنوك المحلية على تقديم الخدمات المالية الأساسية رغم الظروف الصعبة. كما يسعى إلى تحقيق استقرار العملة المحلية، وهو ما يتطلب سياسات نقدية ومالية فعالة ودعمًا دوليًا لإعادة بناء الاقتصاد. لمواجهة هذه التحديات، ينتهج البنك المركزي سياسات نقدية مثل تعديل أسعار الفائدة وضبط العرض النقدي.
 
إن تزايد التضخم يجعل الحياة اليومية للمواطنين أكثر صعوبة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد الكلي. إضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الشفافية والمساءلة في العمليات المالية للحكومة والبنك المركزي سيسهم بشكل كبير في استعادة الثقة وتحسين الأوضاع الاقتصادية. لكن الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية يحد من القدرة على بناء اقتصاد مستدام. يتمتع البنك المركزي اليمني بعدة فرص يمكن استغلالها لإعادة بناء الاقتصاد. أولاً، دعم المجتمع الدولي يمكن أن يلعب دوراً كبيراً من خلال تقديم المساعدات والمساهمة في إعادة الإعمار. ثانياً، الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية يمكن أن تعزز النمو وتخلق فرص عمل جديدة. ثالثاً، تعزيز دور القطاع الخاص يمكن أن يساهم في تحسين الإنتاجية والنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، تقديم برامج لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من قبل البنك المركزي يمكن أن يحفز الاقتصاد المحلي، يخلق فرص عمل، يحسن بيئة الأعمال، ويشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي. على الرغم من الصعوبات الأمنية والسياسية، فإن الحفاظ على استقرار سعر الصرف يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين. في النهاية، تتسم قرارات البنك المركزي اليمني واستراتيجياته لعزل الحوثيين بالصعوبة والتعقيد وتواجه تحديات كبيرة. فسيطرة الحوثيين على جزء كبير من الموارد الاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها، بما في ذلك بعض المناطق النفطية، تجعل من الصعب على الحكومة المركزية جمع الإيرادات الضرورية.
 
بالإضافة إلى ذلك، يسيطر الحوثيون على العديد من المنافذ الجمركية والمناطق التجارية الحيوية، مما يعزز قدرتهم على جمع الإيرادات بشكل مستقل عن الحكومة المركزية. تأتي قرارات البنك المركزي اليمني لعزل الحوثيين عن النظام المالي في إطار جهود الحكومة اليمنية لإعادة السيطرة على الاقتصاد الوطني وتقليل نفوذ الحوثيين. تتطلب محاولة عزل الحوثيين اقتصاديًا جهودًا منسقة من الحكومة والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. ويستلزم دور البنك المركزي اليمني في مواجهة نفوذ الحوثيين جهودًا متضافرة على عدة مستويات، بما في ذلك تحسين الإدارة المالية، والتعاون الدولي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، ودعم القطاع الخاص.
 
ولكن، لا يمكن تجاهل أن الحلول الاقتصادية الفعالة تعتمد بشكل كبير على التوصل إلى حل سياسي شامل للصراع في اليمن. ولكن ياترى هل سوف يتراجع البنك المركزي اليمني عن القرارات بعد الضغوط الدولية ؟ خصوصاً بعد ضغوطات المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ على الشرعية اليمنية والتحالف العربي !  هل سوف تتكرر حادثة إتفاقية أستوكهولم التي منعت تحرير الحديدة والتي دعمت الحوثيين بشكل غير مباشر تحت ذريعة الجانب الإنساني، وأصبحت الحديدة اليوم مركزاً لعمليات ارهابية تهدد العالم بعد الهجمات والقرصنة في البحر الأحمر !