|    English   |    [email protected]

"ثورة 26 : الشرارة التي أسقطت الإمامة وأقامت الجمهورية في اليمن"

الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 |منذ شهر
عبدالجبار سلمان

عبدالجبار سلمان

تعد ثورة 26 سبتمبر 1962 واحدة من أبرز الأحداث التاريخية التي غيرت مجرى اليمن الحديث، إذ وضعت نهاية لحكم الإمامة الزيدي الذي استمر قروناً وأعلنت قيام النظام الجمهوري في البلاد.

هذه الثورة لم تكن مجرد انقلاب عسكري، بل كانت نتيجة تراكم طويل من الغضب الشعبي والوعي السياسي المتزايد الذي سعى إلى التحرر من نظام الإمامة المتحجر، والذي كان يقف حجر عثرة أمام تقدم البلاد في مجالات التنمية والتعليم والعدالة الاجتماعية.
استمر حكم الإمامة في اليمن الشمالي لعدة قرون، حيث سيطر الأئمة الزيديون على مقاليد السلطة بقبضة حديدية. وقد اعتمدت الإمامة على نظام سياسي ديني مغلق، يتمحور حول سلطة الإمام المطلقة، مع غياب كبير للمؤسسات الحكومية الحديثة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. كما عانى اليمنيون من انتشار الفقر، والجهل، وانعدام المساواة الاقتصادية، مما أدى إلى تنامي السخط في صفوف الشعب، خاصة بين النخب المثقفة والضباط العسكريين الذين تأثروا بالأفكار القومية والثورية التي انتشرت في العالم العربي في تلك الفترة.

في 26 سبتمبر 1962، اندلعت الثورة من داخل صفوف الجيش اليمني، بقيادة مجموعة من الضباط الأحرار الذين تأثروا بالتجربة المصرية تحت قيادة جمال عبد الناصر وثورة يوليو 1952.

تمكن هؤلاء الضباط من الإطاحة بالإمام محمد البدر، آخر الأئمة الزيديين، وإعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية. كان لهذه الخطوة تأثير مدوٍ في اليمن والعالم العربي، حيث اعتُبرت نقلة نوعية في تاريخ اليمن. كان لثورة 26 سبتمبر العديد من الأهداف الطموحة، التي تم التعبير عنها في الشعار الشهير للثورة، وهو "الحرية، الوحدة، التنمية". يمكن تلخيص الأهداف الرئيسية للثورة في ستة مبادئ رئيسية: 1. التخلص من الحكم الإمامي، حيث تمثلت أولى أهداف الثورة في إسقاط النظام الإمامي الثيوقراطي الذي كان يسيطر على البلاد. 2. إقامة الجمهورية، حيث تم إعلان الجمهورية العربية اليمنية كبديل لنظام الإمامة، مع تبني نظام ديمقراطي يرتكز على مبدأ الحكم الشعبي. 3. تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث سعت الثورة إلى توزيع الثروة بشكل أكثر عدلاً، وتحسين مستوى معيشة الشعب اليمني.
4.تعزيز التعليم، كان من بين أهداف الثورة محو الأمية وتوسيع نطاق التعليم ليشمل جميع فئات المجتمع. 5. بناء جيش وطني، حيث تم إنشاء جيش وطني قوي يتبع للدولة وليس لأي فئة أو طائفة. 6. تعزيز السيادة الوطنية، حيث سعت الثورة إلى تحرير اليمن من الهيمنة الأجنبية وتحقيق استقلال كامل في القرار السياسي..
رغم نجاح الثورة في إسقاط الإمامة وإعلان الجمهورية، إلا أن اليمن دخل في فترة صراع طويل مع القوى الملكية، التي لم تقبل بالهزيمة وسعت إلى استعادة الحكم الإمامي. استمر هذا الصراع لسنوات عديدة، وجرّ العديد من الدول إلى التدخل فيه، حيث دعمت مصر الجمهورية الجديدة، بينما حصلت القوى الملكية على دعم من الأنظمة الملكية العربية في المنطقة.

وقد شهدت تلك الفترة العديد من المعارك الدموية التي أدت إلى تدمير جزء كبير من البلاد، إلى أن انتهت الحرب الأهلية بتثبيت النظام الجمهوري.

كانت ثورة 26 سبتمبر محطة فاصلة في تاريخ اليمن، حيث وضعت أسس التحول من نظام تقليدي إلى نظام حديث يعتمد على المؤسسات. أسهمت الثورة في توسيع نطاق التعليم، وتحسين مستوى المعيشة لبعض الفئات، وتطوير الجيش الوطني.

كما ألهمت العديد من الثورات والحركات التحررية في المنطقة، خاصةً في جنوب اليمن، حيث اندلعت ثورة أخرى ضد الاستعمار البريطاني. ختاماً ثورة 26 سبتمبر لم تكن مجرد تغيير في النظام السياسي، بل كانت بداية لتحول عميق في المجتمع اليمني. ورغم التحديات التي واجهتها الثورة والجمهورية في العقود التالية، إلا أن ما تحقق كان إنجازاً كبيراً للشعب اليمني، حيث انتقل اليمن من حكم إمامي مستبد إلى نظام جمهوري، فتحت فيه الأبواب أمام المستقبل وفرص التنمية. الثورة لا تزال تمثل رمزاً للنضال والتغيير في اليمن، ومصدر إلهام للأجيال القادمة لتحقيق الحرية والعدالة.