|    English   |    [email protected]

اليمن مسرح لأكبر عمليات تجنيد الأطفال في العالم

الأحد 27 أكتوبر 2024 |منذ يومين
محمد العرب

محمد العرب

لا يمكن للعالم أن يبقى صامتاً أمام كارثة تجنيد الأطفال في اليمن؛ فبينما يتفاقم الصراع وتزداد حدة الحرب بسبب تداعيات الانقلاب المشؤوم على الشرعية ، يتحول الأطفال الأبرياء إلى وقود لهذه الحرب، في صورة من أبشع صور الانتهاكات الإنسانية. تشير التقارير الدولية إلى أن جماعة الحوثي الانقلابية قامت منذ عام 2014 بتجنيد ما يزيد عن 30,000 طفل، ليصبح اليمن بذلك مسرحًا لأكبر عمليات تجنيد الأطفال في العالم. هؤلاء الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم في بعض الحالات 10 سنوات، يتم انتزاعهم من مدارسهم ومنازلهم ليتم إلقاؤهم في ساحات القتال.

وتؤكد الأرقام أن نحو 90% من الأطفال المجندين في صفوف الحوثيين. يتم استقطابهم من الأحياء الفقيرة والقرى النائية، حيث يُستغل فقر أسرهم وأوضاعهم المعيشية البائسة. ففي ظل انهيار النظام التعليمي وانتشار الفقر، يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم مجبرين على الانضمام للمعسكرات الحوثية؛ إما بسبب الإغراءات المالية البسيطة أو التهديد المباشر. في كثير من الحالات، يتم وعد الأسر ببعض المال أو الطعام مقابل إرسال أطفالهم إلى المعسكرات التعليمية حسب الوصف الحوثي ، والتي هي في الواقع معسكرات تدريب عسكري.

يعتمد الحوثيون على أساليب مدروسة لاستدراج الأطفال، حيث يتم اختطاف بعضهم مباشرة من المدارس، وتُقام تجمعات داخل المساجد والمجتمعات المحلية لتقديم أفكار تحريضية تُغرس فيها الكراهية وتشجيع القتال. وتُعد هذه التجمعات بمثابة المرحلة الأولى في عملية غسل الأدمغة، ليتم فيما بعد نقل هؤلاء الأطفال إلى معسكرات تدريبية تقع في مناطق سيطرة الحوثيين. تشير التقارير إلى أن نحو 70% من المدارس في مناطق سيطرة الحوثيين تُستخدم لأغراض تجنيد الأطفال وتدريبهم على حمل السلاح، وهو رقم مذهل يكشف عن مدى تجذر هذه الظاهرة.

تتفاوت مدة التدريب في هذه المعسكرات بين أسبوعين إلى شهر، يتعلم خلالها الأطفال أساسيات القتال، ويُغرس فيهم الولاء التام للجماعة. ويتم تزويدهم بأسلحة تتجاوز قدراتهم البدنية والنفسية، ليتم إرسالهم بعد ذلك إلى جبهات القتال دون أدنى اعتبار لعمرهم أو قدرتهم على تحمل هذه الظروف الوحشية. وقد كشفت تقارير أممية أن نحو 30% من الأطفال المجندين لدى الحوثيين لقوا حتفهم على الجبهات في السنوات الأخيرة، مما يعني أن الآلاف من الأطفال قد فقدوا حياتهم في ساحات المعارك.

إضافة إلى ذلك، يُستخدم الأطفال المجندون في مهام خطيرة تشمل المراقبة والاستطلاع وحراسة المواقع ونقل الأسلحة وزرع الالغام ويقومون ايضا بعمليات تجسس لصالح الحوثيين في بعض المناطق. وتحذر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان من أن هذا النوع من التجنيد ليس فقط جريمة حرب بل هو أيضاً اغتيال بطيء لبراءة الطفولة، وتحطيم كامل لمستقبل هؤلاء الأطفال. فمن لا يُقتل منهم على الجبهات، يعود إلى مجتمعه محطماً نفسيا ، يعاني من صدمات لا يستطيع معها العودة إلى حياته الطبيعية.

الأعداد تثير الذعر، إذ تشير تقديرات إلى أن هناك ما يقارب 10% من الأطفال المجندين تعرضوا لإصابات جسدية شديدة وتشمل إعاقات مختلفة ، بينما يعاني 70% منهم من اضطرابات نفسية حادة تتطلب علاجاً طويل الأمد، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الأوضاع المتردية في اليمن. ويؤكد الأطباء النفسيون أن الأطفال العائدين من جبهات القتال يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب الحاد نتيجة الظروف السيئة والانتهاكات الجسدية وحتى الجنسية ، ولا يستطيعون العودة إلى مدارسهم أو الاندماج في المجتمع، مما يجعلهم قنابل موقوتة تهدد استقرار المجتمع اليمني لسنوات قادمة.

وفي السياق ذاته، تكشف إحصاءات الأمم المتحدة عن أن الأطفال المجندين يُشكلون حوالي 40% من إجمالي القوات الحوثية في بعض المناطق. كما يشير خبراء حقوق الإنسان إلى أن كل طفل يتم تجنيده يخسر فرصته في التعليم وفي العيش بسلام، مما يهدد جيلاً بأكمله. ومع ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال المجندين، تزداد الحاجة الماسة إلى تدخل دولي عاجل لوقف هذه الجريمة. فقد تم تسجيل أكثر من 1500 وفاة بين الأطفال على الجبهات خلال عامين فقط، ومع ذلك لا تزال الجماعة الحوثية تواصل استغلال هذه الفئة الأكثر ضعفًا.

ومما يفاقم من الأزمة أن كثيراً من الأهالي يُجبرون على إرسال أبنائهم إلى المعسكرات خوفاً من بطش الجماعة أو طمعًا في بعض المساعدات. فقد كشفت تقارير أن نحو 25% من الأهالي في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي أُجبروا على تسليم أطفالهم، حيث يُعاقب من يرفض بعقوبات قاسية تصل إلى السجن أو حتى الانتقام من أفراد عائلته.

إن هذا الوضع الكارثي يتطلب تحركاً حاسماً وسريعاً من المجتمع الدولي لإنقاذ أطفال اليمن من قبضة جماعة الحوثي وإعادتهم إلى الحياة الطبيعية. فالسكوت عن هذه الجريمة ليس فقط تواطؤاً مع الجناة، بل هو تخلٍّ عن أبسط مبادئ الإنسانية وحقوق الأطفال. إن أطفال اليمن، الذين لا تتجاوز أعمارهم في بعض الأحيان 10 أعوام  ، لا يستحقون أن يعيشوا في ظل هذه الظروف الوحشية، ولا يمكن للعالم أن يغض الطرف عن هذه الجرائم البشعة.

ختامًا، يجب أن يتم فرض ضغوط دولية على الحوثيين لإطلاق سراح الأطفال المجندين وضمان عدم تجنيدهم مجددًا، ويجب كذلك تقديم الدعم لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال نفسيًا واجتماعيًا. إن اليمن اليوم يدفع ثمن هذا الصراع، ولكن المستقبل هو الذي سيتحمل العواقب الحقيقية إذا لم يتم التحرك الآن.