ثروات اليمن المدفونة من الذهب والمعادن النادرة تائهة بين الصحراء والسياسة
محمد العرب
اليمن، ذلك البلد الذي يزخر بتضاريس متنوعة تجمع الجبال الشاهقة، الأودية العميقة، والصحاري الشاسعة، هو أكثر من مجرد موقع استراتيجي على خريطة العالم العربي ، يكمن في باطن هذه الأرض كنوز من الموارد الطبيعية التي لم يُستغل معظمها حتى الآن، رغم الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تقدمها هذه الثروات ، من الذهب والفضة، إلى النحاس والزنك، بل وحتى المعادن النادرة ذات القيمة العالية كالكوبالت والنيكل، يمكن لليمن أن يتحول إلى مركز رئيسي للتعدين في المنطقة، لكن الصراعات السياسية والاضطرابات الداخلية، خاصة بعد الانقلاب الحوثي الارهابي ، جعلت هذه الثروات ضحية للإهمال والتعطيل.
تعد المعادن الثمينة مثل الذهب من أبرز الموارد الموجودة في اليمن. تشير الدراسات الجيولوجية إلى وجود كميات كبيرة من الذهب، خاصة في مناطق مثل حضرموت وحجة وصعدة. وتتركز أهم مواقع الذهب في وادي مدن ووادي عيسى ووادي جنة في حضرموت، وكذلك في منطقة بني غرامة بمحافظة حجة. وتوجد إشارات قوية إلى تواجد احتياطات ضخمة من الذهب في جبال محافظة صعدة ، تقدر الكميات المحتملة من الذهب في اليمن بملايين الأطنان، ومع تحسين آليات الاستكشاف والتقنيات، يمكن أن تصبح اليمن من أهم مصدري الذهب في المنطقة، إذا استُغلت هذه الاحتياطيات بشكل سليم.
إلى جانب الذهب، تحتوي اليمن على كميات كبيرة من الفضة، والتي عادة ما توجد في نفس المناطق التي يتواجد فيها الذهب. هذه المادة الثمينة، التي تُستخدم في الصناعات الإلكترونية والتكنولوجية، تُعتبر من الموارد غير المستغلة في اليمن. تشير التقديرات إلى وجود الفضة بكميات كبيرة في مناطق حضرموت وصعدة وحجة، ما يوفر فرصة اقتصادية كبيرة لليمن في حال استثمارها بشكل فعال.
أما النحاس، فهو أحد المعادن الأساسية التي تتمتع اليمن باحتياطيات كبيرة منه، خاصة في محافظة مأرب. تُعد منطقة وادي ظهر في مأرب من أبرز المواقع التي تشير الدراسات إلى وجود النحاس فيها بكميات كبيرة، فضلاً عن مناطق أخرى مثل وادي بيحان ووادي النجد ويعتبر النحاس من المعادن الأساسية التي تدخل في صناعات مثل البناء والإلكترونيات، ويعد توفره في اليمن إضافة هامة لدعم الصناعات المحلية وفتح آفاق التصدير. وبالإضافة إلى النحاس، تمتلك اليمن كميات كبيرة من الزنك والرصاص، حيث توجد هذه الموارد بكثرة في منطقة متفرقةبمحافظة لحج. وتعد منطقة جبل الشعرة من المناطق التي تحتوي على كميات تجارية من الزنك والرصاص، حيث أظهرت الدراسات الجيولوجية مؤشرات واعدة لتوفر هذه الموارد بشكل يتيح استغلالها تجاريًا.
من بين المعادن الثقيلة الأخرى، يتميز الحديد بوجوده بكميات ضخمة في اليمن، خاصة في مناطق حضرموت وشبوة. تشير الدراسات إلى أن مناطق ثمود وسناو وحبان تحتوي على كميات كبيرة من الحديد، وهي كميات يمكن استغلالها لدعم الصناعات المحلية، خصوصاً مع تطور قطاع البناء والنمو السكاني في اليمن. الحديد يعتبر من أهم المعادن للصناعات الأساسية، ويمكن أن يسهم بشكل كبير في تنمية الاقتصاد اليمني إذا تم توفير البنية التحتية اللازمة لاستغلاله.
لكن المعادن الأساسية ليست وحدها ما يجعل اليمن أرضاً للثروات، بل تتواجد أيضاً معادن نادرة وقيّمة مثل النيكل والكوبالت، وهما من المعادن التي تُستخدم بكثرة في صناعة البطاريات الحديثة وتقنيات الطاقة المتجددة، وهي صناعات تشهد نمواً عالمياً متزايداً وتشير الدراسات إلى أن منطقة الحجرية في تعز قد تكون من أهم المواقع لاستخراج النيكل والكوبالت ، الكوبالت والنيكل هما معادن ذات قيمة اقتصادية عالية نظرًا لدورهما الرئيسي في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة المحمولة، ويعتبر توفرهما في اليمن فرصة استراتيجية لدخول السوق العالمية في قطاع المعادن النادرة.
كما أن الأحجار الكريمة تشكل جزءاً من ثروات اليمن المدفونة. فالأحجار الكريمة مثل العقيق والزبرجد تتواجد بكثرة في مناطق مثل خولان ووادي حجر في حضرموت. العقيق اليمني، على وجه الخصوص، يحظى بشهرة عالمية ويعتبر من بين الأحجار الأكثر طلباً بسبب جودته العالية. يمكن أن يسهم استثمار قطاع الأحجار الكريمة في اليمن في تنويع مصادر الدخل، بالإضافة إلى تعزيز القطاع السياحي حيث أن السياح غالبا ما يبحثون عن الأحجار الكريمة كمنتجات محلية.
ومن بين كنوز اليمن المدفونة، يمتاز موقع (جبل صلب) في صنعاء باحتياطيات معدنية متنوعة وواعدة، إذ تشير الدراسات إلى وجود خامات غنية من الذهب والنحاس والزنك. يُعتبر هذا الموقع من أهم الموارد المعدنية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، إذا تم استغلاله بالشكل المناسب في ظل استقرار سياسي وأمني.
ورغم وجود هذه الموارد الهائلة، إلا أن اليمن لم يتمكن حتى الآن من الاستفادة منها على نحوٍ كامل بسبب الوضع السياسي المضطرب في البلاد. يلعب الانقلاب الحوثي دوراً رئيسياً في تعطيل عمليات التعدين واستغلال الموارد الطبيعية ، فقد سيطرت الجماعة على عدد من المناطق الغنية بالموارد المعدنية، ما جعل من المستحيل تقريباً تنفيذ أي مشاريع للتنقيب أو التعدين في هذه المناطق. إضافة إلى ذلك، تحول الحوثيون إلى استغلال بعض هذه الموارد بشكل غير قانوني لتمويل أنشطتهم العسكرية، مما يعرقل الاستثمارات الدولية والمحلية ويهدد مستقبل هذه الثروات.
تأثير الانقلاب لم يقتصر فقط على تعطيل الاستثمارات، بل أثر أيضا بشكل سلبي على البنية التحتية في البلاد. إذ إن المناطق الغنية بالموارد تفتقر إلى الطرق والمرافق الأساسية التي تسهل عمليات التنقيب والنقل، ويزيد من تعقيد الأمور أن الأوضاع الأمنية غير مستقرة في معظم المناطق التي تحتوي على الموارد المعدنية، مما يخلق بيئة عمل خطرة للمستثمرين.
في الختام، اليمن هو بلد غني بموارد طبيعية هائلة، قادرة على تحويله إلى أحد مراكز التعدين الرائدة في المنطقة. الذهب، الفضة، النحاس، الزنك، والحديد، بالإضافة إلى المعادن النادرة كالكوبالت والنيكل، جميعها تمثل فرصة اقتصادية عظيمة تنتظر استغلالها. لكن حتى تستعيد اليمن استقرارها السياسي وتحقق الاستقرار الأمني، ستظل هذه الثروات مدفونة تحت الرمال، في انتظار من يرفع عنها الغطاء ويستغلها في بناء اقتصاد يمني قوي ومستدام.