|    English   |    [email protected]

"أحمد علي" و"طارق".. تبادل أدوار أم صراع خفي

الاثنين 6 يناير 2025 |منذ يوم
محمد الصالحي

محمد الصالحي

شهد المشهد السياسي اليمني مؤخرا تقاربا غير مسبوق بين المكونات السياسية المشحونة بأحقاد ثورة فبراير 2011 المجيدة، مثل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية الذي يقوده العميد طارق صالح، وحزب الإصلاح اليمني، وتجل ذلك التقارب في مشاركة حزب الإصلاح احياء المكتب السياسي ذكرى مقتل صالح، بوفد رفيع، ليس ذلك وحسب، بل أفردت وسائل أعلام الحزب مساحات واسعة لتغطية الذكرى، رغم اعتراض طيف واسع من قواعد الحزب التي رأت في ذلك التقارب خيانة لداء الشهداء الذي قتلهم صالح بقناصته في مختلف الجبهات، وتسببه في كل ما حدث، الا أن الحزب رأى أن المرحلة تستدعي تناسي أحقاد الماضي وتوحيد البندقية نحو عدو واحد نال من الجميع، حتى حليفه.

وفي الوقت الذي مثل هذا التقارب بارقة أمل لدى اليمنيين، بإنهاء التمترس وراء أحقاد الماضي، وتوحيد الصفوف لإنهاء إنقلاب مليشيات الحوثي التي تستمد قوتها من تفرق مكونات الشرعية، فما أوصلها إلى صنعاء إلا خلاف المكونات السياسية الرئيسية في البلاد والمتمثلة في حزبي الإصلاح والمؤتمر، فوسط هذا التقارب، ظهرت قناة اليمن اليوم التابعة لنجل الرئيس الأسبق "أحمد علي عبدالله صالح" تبث سموم الفتنة، وإثارة أحقاد الماضي، بقذارة تكشف حقيقة من يمولها ويقف خلفها.

أتذكر خطاب أحمد علي عبدالله صالح، ورسالته إلى مجلس الأمن وتسوله من الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل محتلف المكونات السياسية، موقفاً داعماً لرفع العقوبات عنه، ثم حديثه في خطابات مكتوبة، - ندرك جميعنا أنه لم يكتب حرفاً واحداً منها، فنحن نعرف شخصه جيداً، وندرك أنه لا يقوى على قول كلمتين على بعضها، فكيف بخطابات رنانة مطولة مسجوعة- حيث كان يتملق فيها المكونات السياسية، بحديث منمق عن توحيد الصف، ونسيان الماضي، وعدم التمترس وراء أحقاده، وهو ما قوبل بحسن نية من قبل الجميع، حتى أن العديد من السياسيين الذين سارعوا لمباركة رفع العقوبات عن صالح، رأوا في ذلك "خطوة متقدمة نحو المصالحة، وإنهاء الإنقلاب".

شخصيًا.. لم ألتفت إلى من هللوا برفع العقوبات عن "الولد أحمد"، ورأوا فيه منقذا، أنا أعرفه جيداً، فأحمد صالح "شخصية ضعيفة"، بلا موقف محدد من الأزمة اليمنية منذ انقلاب الحوثيين على الدولة في (2014)، حتى قضية مقتل والده على يدهم، فهو لم يجرؤ حتى اليوم إعلان موقف صريح من الحوثيين ومقتل والده، حتى أنه لا يزال حتى الآن نائبا للأمين العام لحزب "المؤتمر الشعبي العام"، جناح صنعاء، من انتخابه في صنعاء في العام 2019، زكان ذلك عقب مقتل والده، وهذا مؤشر على أن الرجل ليست له طموحات سياسية، خصوصاً بعد أن فقد النفوذ الذي كان بحوزته خلال قيادته قوات الحرس الجمهوري.

عموماً.. لم يمر كثيرا، حتى غدر "الولد أحمد"، بجميع من وثقوا به وخطاباته الكاذبة وفي مقدمتهم عضو مجلس القيادة الرئاسي "طارق صالح" الذي عمل بلا كلل على إقناع المجلس بالعمل على رفع العقوبات عن "أحمد علي"، وشرعت قناته الفضائية "اليمن اليوم"، في بث سموم أحقاده، وإظهار حقيقته، وهذا على ما يبدوا أنه مقدمة "لاصطدام طموحات أحمد صالح بطموحات طارق صالح أو العكس" خصوصا وأن الأخير دائم الحديث عن توحيد الصف وتصويب البندقية نحو مليشيا الحوثي، لاستعادة صنعاء، لكن على العكس من ذلك، وجه نجل صالح أول سهام أحقاده نحو مأرب، التي احتضنت أنصار والده الفارين من تنكيل الحوثيين.. مأرب التي كان بإمكان محافظها وعضو مجلس القيادة اللواء سلطان العرادة، اعتراض مضي المجلس في رفع العقوبات عن "أحمد" لكنه تسامى عن الجراح.. مأرب التي تحتضن الملايين من اليمنيين اللذين تضرروا من سياسة صالح وتحالفه مع الحوثيين، لكنهم رغم ذلك تعالو عن جراحهم، ومضوا مع جهود المصالحة، حتى بات معظهم يصف صالح بـ"الزعيم الشهيد".. مأرب التي لم يمر سوى أيام من احتضانها احتفاءًا كبيرًا لإحياء ذكرى مقتل صالح.. فلماذا يصر "مدلل صالح" على نكران الجميل.

المثير للضحك في حملة اليمن اليوم الناطقة باسم "نجل صالح"، هو حديثها عن تخادم بين الحوثيين والإصلاح في مأرب، وما يثير السخرية هو أن تلك السخافات تأتي من شخص لم يعلن موقفا واحدا من الحوثيين، ومن عمل والده على انشاء غرفة عمليات أشرفت على تسهيل مرور عصابات الحوثيين وتسليمها مؤسسات الدولة بشكل تام، ووجه الخطبة تلو الخطبة للتحريض ضد الشعب اليمني، ووصفه بأنه ينتمي لداعش، وظل محتفظا بولائه للحوثيين، يقدم لهم الخدمات، ويوجه أتباعه لإطاعتهم وتنفيذ أوامرهم، ولم يتوقف عن أداء هذا الدور حتى كانت مدرعات الحوثيين تحاصر منزله بغرض التخلص منه، بعد انتهاء مهمته، وهنا أنوه إلى أننا نقول هذا فقط من باب تذكير من يتحدث عن "الشرف" بمساوئه وأسرته، الملطخة بالدماء من جمعة الكرامة، وقصف الوساطة في منزل الأحمر، إلى محرقة تعز، مرورًا بجرائم قناصتهم في تعز، وغيرها من الجرائم، وهذا لا يعني أننا نتمترس خلف "أحقاد الماضي"، فنحن بكل تأكيد مع مصالحة واسعة، لكن مصالحة حقيقية، تمهد لإنهاء الإنقلاب واستعادة الدولة، وبناء دولة تستوعب الجميع بعيدًا عن صناعة أصنام جديدة من رماد الماضي. 

أخيرًا.. أرى أن المحرج الأكثر من موقف "الولد أحمد"، هو العميد طارق صالح، الذي صور لزملائه في مجلس القيادة الرئاسي أن ولد عمه قد تجاوز الماضي، وأقنعهم بالمواقفة على رفع العقوبات عنه، إضافة إلى محاولته تصدير نفسه كحريص على توحيد الصف، ومثلت شطحات "الولد أحمد" أول رصاصة في خاصرة المصالحة التي يتغنى بها "طارق" في كل محفل، وكل خطاب. وبالنظر إلى سيكولوجية أسرة صالح الدائمة التلفّت نحو الوراء، ومحاولاتهم المستمرة إظهار سيرهم نحو الأمام؛ فيما أن ماضٍ ثقيل بيجرهم للوراء، ويستحيل أن يكون عامل قوة للصعود؛ ويدفعهم نحو مزيد من الصبيانية والعمى.. نتساءل إن كان تضارب التوجهات بين "أحمد" و"طارق"، تبادل أدوار، أم خلاف خفي بينهما على تصدر المشهد واستعادة مجد الأسرة المندثر، خصوصا في ظل الصعوبات والمطبات التي يرى "أحمد" أنها تقف أمام طموحه السياسي إن كان له طموح، وصعوبة أن يكون له دور في توحيد حزب المؤتمر الشعبي العام، في ظل استمراره بمنصب نائب الأمين العام للحزب في جناح صنعاء الموالي للحوثيين، الأمر الذي أفقده الكثير من شعبيته، في مقابل تزايد شعبية "طارق" الذي يمكن القول أنه استطاع إلى حد ما أن يجمع حوله المؤتمريين الموالين للشرعية، وصنع نفوذ سياسي وعسكري، وبدعم إقليمي، وهذا ما جعل "أحمد" يرى أن الأمور تسير لترجيح كفة "طارق".