|    English   |    [email protected]

الهجمات الأمريكية في اليمن.. أهداف استراتيجية أم مغامرة عسكرية ؟

الجمعة 25 أبريل 2025 |منذ 21 ساعة
عبدالجبار سلمان

عبدالجبار سلمان

في 15 مارس 2025، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إطلاق حملة عسكرية واسعة ضد جماعة الحوثيين في اليمن. هذه الخطوة المفاجئة أعادت تسليط الضوء على واحدة من أكثر مناطق الصراع تعقيداً في الشرق الأوسط، وأثارت جدلاً واسعاً حول دوافعها ومآلاتها، سواء من حيث المصالح الأمريكية أو انعكاساتها الإقليمية والدولية.

تقول واشنطن إن هدف العملية هو تفكيك القدرات العسكرية للحوثيين، لا سيما الترسانة الصاروخية والطائرات المسيّرة، والتي باتت تشكل تهديداً مباشراً لحركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. 

إلى جانب ذلك، لا تخفي الإدارة الأمريكية أن العملية تهدف أيضاً إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال استهداف أحد أبرز وكلاء طهران خارج حدودها. إلا أن مراقبين يرون في هذا التصعيد جزءاً من استراتيجية أوسع تسعى لإعادة فرض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وسط تحولات جيواستراتيجية متسارعة وتنامي الدور الصيني والروسي في الإقليم. 

في المقابل، جاء الموقف الأوروبي متحفظاً وحذراً. فبينما أكدت فرنسا وألمانيا أهمية حماية الملاحة الدولية، دعتا في الوقت ذاته إلى ضبط النفس وتجنب تصعيد الصراع. الاتحاد الأوروبي، الذي لطالما اتخذ موقفاً أكثر ميلاً للحلول الدبلوماسية، عبّر عن قلقه من أن تؤدي الحملة إلى مفاقمة الأزمة الإنسانية في اليمن، وتعقيد جهود السلام الأممية. إيطاليا وإسبانيا أبدتا تحفظاً أكبر، فيما امتنعت بروكسل عن تبني موقف موحد لدعم العمليات العسكرية الأمريكية، مفضلة الإبقاء على دور الوسيط بدلاً من الشريك العسكري. 

هذا التباين يعكس اختلاف المقاربة الأوروبية عن الأمريكية، لا سيما في ما يتعلق بالتعامل مع إيران، حيث لا تزال دول الاتحاد حريصة على الحفاظ على قنوات التواصل مع طهران، في إطار الاتفاق النووي الذي لا تزال أوروبا طرفاً فيه، رغم انسحاب واشنطن منه سابقاً. 

من جهتها، اعتبرت إيران أن الهجوم الأمريكي بمثابة “عدوان مباشر على محور المقاومة”، وهددت برد فعل متعدد الجبهات. طهران لم تلجأ إلى التصعيد المباشر حتى الآن، لكنها حذرت من أن استمرار العمليات قد يؤدي إلى انفجار الوضع في البحر الأحمر والخليج العربي. 

وسائل الإعلام الإيرانية وصفت الحملة بأنها محاولة يائسة لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، محذّرة من أن الرد لن يقتصر على اليمن فقط. وتزامن ذلك مع تحركات عسكرية في العراق وسوريا ولبنان، حيث لوحظ نشاط متزايد للفصائل الموالية لطهران، ما اعتبره محللون مؤشراً على احتمال توسع المواجهة إلى مناطق نفوذ أخرى.

 وسط هذا المشهد المتشابك، يبدو أن اليمن مرة أخرى يجد نفسه ساحةً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. في حين تعتبر واشنطن عمليتها ضرورة استراتيجية لضبط التوازنات في البحر الأحمر، تراها أوروبا مقامرة غير محسوبة قد تؤدي إلى تقويض الجهود الدولية لتحقيق السلام، وتوسيع رقعة الصراع لتشمل أطرافاً أخرى. 

أما إيران، فهي تنظر إلى الحملة كمحاولة لإعادة تطويقها إقليمياً، ولن تتردد في الرد بشكل غير مباشر عبر حلفائها، مما يزيد من احتمالات الانفجار الإقليمي. 

في ظل هذا المشهد، يدور في أذهاننا عدة أسئلة: هل ستقود هذه الحملة إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في اليمن والمنطقة، أم أنها ستفتح الباب أمام فصل جديد من الصراع طويل الأمد، بتكلفة إنسانية وجيوسياسية باهظة ؟  هل ستنجح واشنطن في إعادة رسم ملامح الأمن الإقليمي من خلال هذه الحملة ؟ أم أنها ستضيف فصلاً جديداً إلى سجل التدخلات التي انتهت بتكلفة باهظة دون نتائج حاسمة ؟ 

ما بين الأهداف الاستراتيجية التي تطرحها واشنطن، والمخاوف من مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب، تبقى العملية الأمريكية في اليمن محل جدل واسع. فنجاحها يتوقف ليس فقط على القدرات العسكرية، بل على فهم دقيق لتعقيدات المشهد اليمني، والتوازنات الإقليمية المتغيرة. 

في النهاية، تبدو الحملة الأمريكية في اليمن ترجمة واضحة لمبدأ القوة في السياسة الخارجية، لكنها أيضاً اختبار لقدرة واشنطن على تحقيق أهداف استراتيجية من خلال أدوات عسكرية محدودة، وفي بيئة إقليمية تزداد تعقيداً. قد تنجح الولايات المتحدة في كبح جماح الحوثيين مؤقتاً، لكن السؤال الأعمق يبقى: هل يمكن لأي تدخل خارجي أن يعيد تشكيل موازين القوى في اليمن، دون معالجة جذور الأزمة السياسية والاجتماعية ؟ أم أن هذه العملية ليست سوى فصل جديد من فصول تدويل الحرب اليمنية، وإعادة توزيع أوراق النفوذ على حساب معاناة شعب أنهكته الحرب ؟