“برّان برس”.. عامٌ من النبأ اليقين

محمد الصالحي
في مثل هذا اليوم قبل عام، انطلقت مؤسسة "بران" الإعلامية ودشن رسميًا موقعها الإخباري "بران برس"، من قلب محافظة مأرب، تحت شعار "ويستمر النبأ اليقين" باللغتين العربية والإنجليزية، لتكون صوتاً إعلامياً صادقاً ونافذةً للحقائق، ومصدر إخباري يضع الجمهور الكريم في قلب الأحداث بدقة ومهنية، ويعرض له المعلومات بقوالب شيقة وفريدة (تقارير - تحقيقات - أفلام وثائقية - بودكاست - تصاميم بورتريه - إنفو جرافيك - موشن جرافيك - تغطيات يومية - حوارات - برامج مختلفة - قصص صحفية ومصورة).
جاء انطلاق "بران برس" استجابةً لحاجةٍ ملحّة في المشهد الإعلامي اليمني، وبالذات من محافظة مأرب، التي كانت وما تزال محوراً سياسياً وعسكرياً وإنسانياً بالغ الأهمية. كانت مأرب تشهد بناء وتنمية غير مسبوقة على وقع أصوات المدافع وأزيزها، لكن كان كل ذلك مغيب عن الإعلام، فخلال زيارتي لها في العام 2023م بعد سنوات من النزوح القسري في الخارج، اندهشت بما رأيت، فمدينتي التي أحفظ كل أزقتها، لم أعد أعرف مداخلها ومخارجها، فقد شهدت نهضة لم أتوقعها، فشعرت بأهمية وجود وسيلة إعلامية تكون صوتًا لمأرب، لقد شعرت أن مأرب تستحق منبراً ينقل صوتها بصدق، يوثق الواقع، يواكب الأحداث، وينقلها بمصداقية ووعي ومسؤولية، ويمثّل قضاياها بعدالة، ويُعيد رسم صورتها كما هي: "حضارةٌ تقاوم، ووطنٌ يبنى، وإنسانٌ يصبر ويصنع".
خلال أشهر طويلة من العمل المتواصل والتخطيط والتجهيز، لم نكن نبحث عن تكرار تجربة إعلامية تقليدية، بل اخترنا عن وعي أن نشق طريقًا صعبًا، نبدأ من الصفر في بيئة غير مستقرة، ونرفع سقف المهنة، ونعيد الاعتبار لدور الإعلام كأداة وعي وتغيير لا كأداة تزييف أو ترويج، أطلقنا المؤسسة وموقعها الإخباري من مأرب، وواجهنا في طريقنا عوائق البدايات، وتحديات الميدان، لكننا تجاوزناها بالإيمان بالمهمة وبقوة الفريق وبثقة جمهورنا المتنامي، فالإعلام بالنسبة لنا لم يكن وظيفة.. بل رسالة، عملنا جاهدين لأن يكون الموقع ركيزة مهمة في مشهد صحفي حديث ومتطور يستفيد من أحدث التقنيات في عالم الميديا والاتصال، متسلحًا بقيم مهنية رفيعة تتوخى المصداقية والموضوعية، ليكون واحداً من أهم مصادر الأخبار والمعلومات في اليمن.
خلال عام، لم نكن نبحث عن عدد مشاهدات، بل عن أثر حقيقي. لم نُرضِ طرفًا سياسيًا ولا بحثنا عن مجاملة سلطة. فكنا نُؤمن أن الخبر الحقيقي لا يحتاج إلى بهرجة، بل إلى مهنية وشجاعة، غيّرنا في مفاهيم الصحافة اليمنية، تركزت سياستنا على محددات واضحة، تتمثل في (الدقة، الوضوح، المهنية، التوازن، الموضوعية والرصانة في التناول)، وتجاوز التغطية العابرة إلى الغوص في دلالات الأحداث وخلفياتها عبر التقارير والتحليلات، والتحقيقات والحوارات. أعدنا تعريف التغطية الصحفية، فكنّا في قلب القضايا السياسية دون انحياز، وتناولنا الوضع الاقتصادي بعدسة الناس لا الأرقام، واقتربنا من هموم الإنسان اليمني لا من البيانات الرسمية فقط.
"بران برس" ليس مجرد اسم، بل هو امتداد لتاريخ ضارب في الجذور، اقتُبس من اسم معبد بران، أحد أبرز معالم الحضارة السبئية في اليمن القديم. والتي كانت شاهداً على قوة وعظمة الإنسان اليمني في البناء والاستقرار والتقدم. فمن هذا الإرث العريق، استلهمنا اسم مؤسستنا لنقول رسالة إعلامية ضاربة في عمق التاريخ، تطل إلى المستقبل بثقة ويقين، فالإعلام ليس فقط حاضرًا متفاعلاً، بل هو صلة وصوت بين الماضي العريق والمستقبل الواعد.
طوال عامنا الأول، التزمنا بتغطية أهم القضايا السياسية، من الملفات الوطنية والحوارات والمواقف، إلى القضايا الاقتصادية التي تؤثر على حياة المواطنين، والملفات الإنسانية التي تعكس وجع الناس وصبرهم في زمن الحرب والنزوح. سياسياً.. كنا حاضرين في قلب الحدث، ننقل الوقائع ونحلل المواقف ونغوص فيما وراء الأحداث، ونمنح منابرنا لكل من يحمل رأياً مسؤولاً. وسلطنا الضوء على الواقع الاقتصادي الصعب، ولامسنا أوضاع المواطنين، كما لم نغفل صوت المتضررين، وتابعنا قضايا النازحين، وفتحنا ملفات الانتهاكات الإنسانية، وعكسنا الوجع والكرامة في آنٍ واحد.
وراء كل خبرٍ دقيق، وكل تقريرٍ مهني، وكل تغطيةٍ استثنائية، كان هناك فريق رائع يستحق كل الثناء. فطاقم "بران برس" لم يكونوا مجرد موظفين، بل رُسل الحقيقة، وسفراء المهنة، الذين حملوا على عاتقهم مهمة بناء مؤسسة إعلامية من الصفر، وبكل ما تعنيه الكلمة من إصرار وشغف وتضحية. ولم يكن لهذا المشروع أن ينجح أو يستمر لولا الطاقم المهني الرائع الذي آمن بالفكرة منذ اللحظة الأولى، وواجه معنا كل التحديات بروح الفريق الواحد. من مدير التحرير إلى نائب رئيس المؤسسة، والمحررين والفنيين والمصممين، والإداريين والمراسلين، كلّهم كانوا خيوطاً في نسيج النجاح الذي نفتخر به اليوم. وفي هذه المناسبة أقدم لهم شكري وتقديري الخالص، فقد أثبتوا أن الكلمة الحرة تحتاج إلى من يحملها بإخلاص وشجاعة، وهذا ما فعلوه بكل اقتدار.
"بران برس" لم يكن مجرد موقع، بل مشروع وطني ورسالة حضارية. ونحن اليوم لا نحتفل فقط بسنةٍ مضت، بل نضع حجر الأساس لسنوات قادمة، يكون فيها "بران برس" منبراً للوعي، وجسراً بين المواطن والحدث، ونافذةً للحقيقة كما هي، بلا تزييف ولا تهويل. عام مضى، والنبأ اليقين يستمر.. بمزيد من الدقة والمصداقية، وبروح لا تهزمها الظروف، وبعزيمة لا تنكسر أمام التحديات.
*محمد الصالحي | رئيس المؤسسة - رئيس التحرير