|    English   |    [email protected]

في عامٍ من الحبر والضوء.. عامٌ على انبلاج "بران برس"

الأربعاء 28 مايو 2025 |منذ يومين
محمد نبراس العميسي

محمد نبراس العميسي

مرّ عامٌ على انطلاق "بران برس"، لكنه لم يكن عاماً عادياً، كان عاماً يخطو فيه الموقع على حواف الحقيقة، ويجمع شتات المعنى في زمنٍ يبدو فيه الإعلام كضوضاءٍ تمشي على قدمين، لا تصغي لأحد، ولا تتوقف عند فكرة.

في هذا العام الأول، لم يكن "بران برس" مجرد موقعٍ إخباري؛ بل كان نافذةً تُطلّ منها الروح على ما تبقّى من نقاء الكلمة. موقع وُلد في زمنٍ تتكدّس فيه المنصات، وتتشابه فيه العناوين، لكنه رفض أن يكون نسخة باهتة. قرر، منذ اللحظة الأولى، أن تكون له نبرة خاصة، نبرة لا تصرخ، بل تفكّر.. لا تتكالب على السبق، بل تتريث عند المعنى.

في خلفية المشهد، يبرز اسم الأستاذ محمد الصالحي، رئيس الموقع، لا كوجهٍ إداري، بل كصوتٍ داخليٍّ يُحسن الإنصات لنبض الواقع، ويمنح الكلمة حرمتها. هو رجلٌ لا يُبشّر بنفسه، لكنه يُجيد الإصغاء للزمن، ويعرف متى يُضيء المساحات المهملة، ومتى يصمت ليترك للناس فرصة أن تقول ما تريد.

أدار الصالحي الموقع لا كمنصةٍ ميكانيكية تُضخ الأخبار، بل كمسؤولية وجودية، بوصف الإعلام مهنةً لا تُمارس إلا من موضع ضمير. ومن هذا الموقع الوجداني، جاء "بران برس" كحارسٍ لماء الحقيقة في زمن الجفاف، وكواحةٍ صغيرة تلتقط أنفاسها في صحراء الكذب الممتد.

لم يكن الطريق معبّداً. كانت في الطريق حفر كثيرة، ومطبات من الإحباط، ورياحٌ من التهويل، لكن شيئاً في هذا المشروع كان يُشبه فكرة "الوقوف في المكان الخطأ بحكمة"، تماماً كما يفعل الشعراء حين يُقحمون أنفسهم في زحام الحياة فقط ليقولوا: هذا ليس مكاني، لكنني أحاول أن أقول شيئاً نقياً فيه.

ولأن الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الخبر، بل وسيلة لفهم الإنسان في واقعه، فإن "بران برس" لم يكتفِ بسرد الوقائع، بل حاول أن يُشير إلى ما خلفها: تلك الفكرة المُهملة، تلك القصة التي لم تُروَ، تلك الزاوية التي لم يُنرها أحد.

لقد مضى عام، نعم، لكنه ليس عاماً يُقاس بالأيام، بل بالأثر. عامٌ جرى فيه "بران برس" كجدولٍ صغير في أرضٍ عطشى، لا يدّعي الامتلاء، لكنه يحمل ماءً نقيًا بما يكفي لأن يُروّي ضمير القارئ.

ولعل أعظم ما أنجزه الموقع في هذا العام، أنه لم يُصِبْ بالغرور، ولم يتكئ على استعراض الأرقام، بل واصل تقديس البدايات، محافظاً على التواضع الأصيل الذي يجعل من العمل الإعلامي رسالة لا وظيفة.

في الذكرى الأولى، نقول: بورك هذا النبض الإعلامي، وبورك كل من حمل الفكرة وسقاها دون أن يطلب التصفيق.
وللأستاذ محمد الصالحي، الذي يُشبه في حضوره الرمزي "رجل الضوء"، نقول: استمر في الإنصات لما لا يُقال.. فثمة من ينتظر كلمة تشبهه.