"بران برس".. حين تُعيد مأرب رسم صوتها الصحفي

نشوان العثماني
رغم حداثة انطلاقتها، استطاعت منصة "بران برس" أن تفرض حضورها سريعًا في المشهد الإعلامي اليمني، بمحتوى احترافي متنوع يجمع بين التحقيقات المعمقة، والتقارير الميدانية، والحلقات الصوتية (البودكاست) التي تستضيف شخصيات بارزة في الشأن السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي.
المنصة، التي تبث من محافظة مأرب، جاءت بحلّة تصميم جاذبة وبنية تقنية حديثة تُسهّل التصفح، وتمنح المادة الإعلامية حضورًا بصريًا مميزًا. كما تميزت إلى ذلك بميل واضح إلى عمق القضايا، مبتعدة عن التغطيات السطحية، وساعية إلى تقديم محتوى يعيد الاعتبار للصحافة المهنية في بيئة مضطربة.
وراء هذا المشروع يقف الزميل محمد الصالحي، الذي تربطني به صداقة وزمالة مهنية تعود إلى سنوات ما قبل الحرب، حين عملنا معًا في المنصة الشهيرة "مأرب برس". كان حينها مديرًا للموقع ثم رئيسًا لتحريره، وقاد المنصة لتكون أول صوت إعلامي مستقل ينطلق من خارج صنعاء، ونجح في جعلها منبرًا رئيسيًا لليمنيين على مدى سنوات، في مرحلة كانت فيها أدوات الإعلام رهينة المركز السياسي.
اليوم، يعود الصالحي إلى مأرب، المدينة التي ظلت لعقود على هامش التأثير، ليطلق منها مشروعًا جديدًا يحمل اسمًا ضاربًا في جذور المكان والتاريخ: بران، في إشارة إلى معبد "بران" الشهير، أحد أبرز معالم سبأ القديمة، ورمزًا راسخًا للهوية اليمنية العريقة.
وبرغم استقلالها التحريري، تتبنى "بران برس" بوضوح موقفًا منحازًا للصف الوطني في مواجهة المشروع السلالي الإمامي، وهو انحياز نابع من رؤية وطنية لا تنكر ضرورات الاصطفاف في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن، حيث بات الحياد المطلق ضربًا من العزلة عن الوجع الجمعي.
ليس من السهل أن تولد منصة إعلامية بهذه المهارة في بلد تتجاذبه الانقسامات وتثقل عليه صراعات السياسة والسلاح، لكن الأمر هنا يقدم نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه الإعلام حين يُؤسّس على القيم المهنية، ويُغذّى برؤية واضحة ووعي بمكانة الصحافة في لحظة وطنية حرجة.
لقد كانت "برّان برس" ضرورية، وجاء حضورها لافتًا، بل عابرًا لحدود الاعتياد، وهي اليوم تمثل إضافة مائزة في ساحة طال انتظارها لنبض نابع من قلب مأرب إلى اليمن بأكمله.