|    English   |    [email protected]

بران.. عامٌ من الانبعاث الهدْهُدي

الاثنين 26 مايو 2025 |منذ 4 أيام
توفيق الحميدي

توفيق الحميدي

بران، الموقع الصحفي الذي يكمل عامه الأول، لا يُحسب في الزمن كأشهرٍ وأيام، بل يُحسب كأثرٍ تاريخي ينبعث من أعماق الذاكرة اليمنية، فيتجاوز حدود المهنة إلى حدود الرسالة، وحدود الرسالة إلى حدود المصير.

إنه عام من الانبعاث التاريخي، عام يحلق فيه بران برسائله الهدْهُدية - نسبة إلى هدْهد سبأ، الذي لم يكن مجرد طائر حامل خبر، بل حامل وعي، ونذيرُ تغيير، وصوت الحقيقة التي لا تموت.

بران لا يبعث خبرا ولا يكرر صدى، بل يُحدِث أثراً في الوعي، أثراً يُلامس القلب والعقل قبل أن يرتدّ الذكاء الصناعي الجديد من مقامه، وقبل أن تعيد الخوارزميات ترتيب الأصوات في فضاء يغدو فيه كل شيء قابلًا للابتلاع والنسيان.

قدر الأرض، قدر التاريخ، قدر اللحظة، كلها اجتمعت في لحظةٍ كان يمكن لليمن أن يُطوى فيها تحت سيل الانهيار، حين تداعت أعمدة الجمهورية، وارتفعت موجات الإمامة بتياراتها العنيفة.

لكن مأرب وقفت — لا كمدينةٍ فحسب، بل كمعنى، كرمز، كجدار صلد — لتغيّر قدر التاريخ اليمني، تتحول إلى سدٍّ منيع يحمي الجمهورية وقيمها، يمنعها من الانهيار، ويصنع على ضفة السقوط فرصة للنهوض. مأرب لم تكن فقط تقاتل، كانت تكتب على جدار الزمن: “ما زال في اليمن ما يستحق الحياة”.

وفي هذا المقام، يحضر بران، لا كموقع عابر، بل كحالة، كوعي، كصوت يتجسد في قالبه، في أرقامه، في مواقعه، في لغات تخاطبه، وفي مفرداته التي لا تأتي من فراغ. بران لا يرتدي قدره كفجأةٍ أو مفاجأة، بل يحمله كمن يرتدي درعاً صُنع في معركة الوعي الكبرى.

فالتاريخ، أيها السادة، لا يغيب، بل ينتظر من يستدعيه، ومن يَعي أن لكل لحظة مفصلية صدى، ولكل نداء صادق أثر.

بران، في عامه الأول، ليس احتفالاً بعدد أو موقع، بل إعلان حضور في زمنٍ تهاجر فيه المعاني وتتهاوى الكلمات. إنه يقف كتذكير بأن الصحافة، حين تُصاغ بعقل حرّ وقلب مخلص، تصبح أكثر من مهنة: تصبح مقاومة، وتصبح ذاكرة، وتصبح وعدا.

وعد بأن اليمن، حتى في أقسى ساعاته، ما زال قادرا على أن ينجب منابر لا تخاف من قول الحقيقة، ولا من صناعة المعنى، ولا من حمل عبء الوطن على أكتاف الحرف.