المعركة الكبرى.. الشرق الأوسط يعبر خط التحول

نشوان العثماني
في لحظة فارقة، بدا وكأن الشرق الأوسط يخلع جلد العقود الماضية ليدخل طورًا جديدًا من تاريخه المعقد والمضطرب.
إسرائيل وإيران، الخصمان المزمنان، لم يعودا على ضفتي التهديدات وحروب الوكالة، إذ دخلا اليوم، على غير السابق، في مواجهة مباشرة مفتوحة، قد تكون الأعنف منذ عقود.
الغارات الإسرائيلية التي استهدفت العمق الإيراني - مواقع نووية وعسكرية، ومقرات قيادة، وشخصيات رفيعة من الحرس الثوري - لا تُقرأ إلا بأنها إعلان تحول استراتيجي: لم تعد تل أبيب تقبل بالتهديد الإيراني المستدام، ولا الاكتفاء بملاحقة أذرعه في المنطقة. لقد اختارت أن تُحدث كسرًا صريحًا في البنية المركزية للنظام ذاته.
في المقابل، تبدو إيران هذه المرة بلا هامش مناورة. الأذرع التي اعتادت الاحتماء خلفها قد استُنزفت أو تم قصقصتها، في لبنان وسوريا واليمن وإن كانت الأخيرة لا تزال ضمن الدخول المحتمل على خط المعركة. أما الداخل الإيراني، فبات أكثر انكشافًا من أي وقت مضى. وكلما حاول النظام الرد حفاظًا على هيبته، اقترب أكثر من هاوية لا يضمن النجاة منها. رفع الكلفة بات ضرورة وجودية، لكن التصعيد الشامل قد يعني نهاية المشروع بكامله.
من جهتها، لا تملك إسرائيل أن تتراجع، وقد فتحت هذا الباب. التراجع الآن ليس خيارًا سياسيًا، بل خسارة لزمام المبادرة والردع. ولهذا، فإن المنطقة تقف أمام جولة تصعيد محمومة وغير مسبوقة. ليست حربًا بالوكالة، ولا تبادل رسائل. هذه حرب بين مشروعين متصارعين منذ عقود: دولة يهودية محصنة، ونظام ثيوقراطي شيعي مثقل بالتشققات يحاول إنقاذ صورته بعبارات استنفدت أثرها.
في هذا السياق، تبرز مؤشرات على تورط وشيك للحوثيين، كذراع تبقّى من أذرع طهران. وتدخلهم المحتمل سيُعيد تفعيل دائرة الاستهداف الأمريكي، ويعيد خلط الأوراق في البحر الأحمر ومحيطه، في لحظة شديدة الحساسية. الإدارة الأمريكية، وإن لم تعلن انخراطًا مباشرًا، لن تتساهل مع أي تهديد لمصالحها الإقليمية.
لكن الأهم، أن هذه ليست لحظة تصعيد تقليدي، بل نقطة تحول كبيرة. المشروع الإيراني الذي شوه دولًا كاملة – من اليمن إلى لبنان، ومن العراق إلى سوريا – يبدو اليوم وقد انقلبت عليه الدائرة. للمرة الأولى، لا يتعرض للضغط على الهامش، بل في المركز. والضربة، التي طالما أُجّلت صارت واقعة وقد فاقت المتخيل.
وإذا ما قرر النظام الإيراني توجيه ضربة نوعية، مباشرة أو عبر أذرعه، فإن الرد هذه المرة قد لا يكون أقل من المميت. إسرائيل، وقد غيرت منطق التعامل، لن تكتفي بردّ محسوب، قدر ما ستسعى إلى شلّ القدرة، وربما إسقاط الرأس إن لزم الأمر. اللعبة تغيرت، ومعها تغيرت القواعد: إما نهاية وشيكة لمشروع الهيمنة الطائفية، أو غرق في مواجهة لا تشبه ما قبلها.
في الخلاصة، لا عودة إلى ما قبل هذا اليوم. المنطقة دخلت مرحلة جديدة من التشكل، والمؤشرات كلها تقول إن زمن الهيمنة الإيرانية بلغ ذروته وبدأ الأفول. المشروع الذي بنى سطوته على الدم والانقسام والميليشيات، يتلقى الآن أولى ضربات العزل والاحتواء من الداخل والخارج معًا.
والعمامة التي طالما استندت إلى قداسة زائفة، بدأت تفقد وزنها، لا بالتآكل البطيء، بل بالضربات القاطعة.