بران برس - وحدة التقارير:
“موسى” طفل في العاشرة من عمره، اضطر بفعل الوضع الاقتصادي الذي خلفته الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو 10 سنوات، لترك مدرسته والبحث عن عمل لمساعدة أسرته في توفير متطلباتها، قبل أن يجنده قيادي في جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، للتسول لصالحه.
يقول “موسى” في حديث لـ“بران برس”، إن مشرفًا لأحد النقاط الأمنية التابعة للحوثيين بمحافظة ذمار (وسط اليمن)، يدعى “أبو علي”، أجبره على الوقوف في النقطة (الحاجز الأمني) للتسول لصالحه مقابل مبلغ مالي.
ويضيف: “قال لي أبو علي إن التسول طلبة الله، وما خلاش حد يتسول في النقطة اللي انا فيها، وكنت أجمع (المبلغ) يومياً وأسلمه له، وجلسنا هكذا أكثر من شهرين، وهو يقل لي إنه يجمع لي الفلوس عنده، وبعد الشهرين رفض يدي لي الفلوس”.
وبعد رفض المشرف إعطاء “موسى” المبلغ الذي كان يوهمه أنه يحتفظ له به، رفض الأخير التسول لصالحه، وقرر أن يحتفظ بما يحصل عليه لنفسه، رغم تهديدات المشرف.
وأمام إصرار “موسى”، اضطر المشرف لأن يأخذه على متن طقم إلى النادي الرياضي بذمار، لاسترضائه بعد فشل التهديدات، حسب وصف الطفل، وهناك يقول “موسى” إنه التقى 4 أطفال، جمعه بهم المشرف، وحدثهم عن الجهاد والعمل وجمع المال ودعم المجاهدين".
شبكات
من النادي كانت انطلاقة “موسى” الجديدة رفقة الأطفال الأربعة، حيث أخضعهم المشرف لدورات تعبئة طائفية، وعسكرية، ودربهم على السرقات والتخفي وزراعة العبوات الناسفة طيلة سنة كاملة، طبقًا لحديث “موسى” لـ“برّان براس”.
بعدها يقول “موسى” إنه عمل مع رفاقه الأربعة في ممارسة السرقة (بطاريات، هواتف، مبالغ مالية من السيارات والمحلات)، وكان يسلّم تلك المسروقات للمشرف، الذي كان يطمئنهم بأنه سيحميهم ويخرجهم من “أي ورطة”.
قصة “موسى” واحدة من مئات الحالات، وثّق معد التقرير بعضًا منها لأطفال في صنعاء وذمار والبيضاء، قضوا قرابة ثلاثة سنوات في ممارسة “التسول” لصالح قيادات في الجماعة. إضافة إلى تنفيذ “مهام أمنية بينها زراعة العبوات الناسفة".
وطبقًا لمصادر محلية فإن قيادات في جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، من محافظتي صعدة وعمران تدير شبكة تسوُّل تضم عشرات الأطفال تعمل في شوارع مدينة ذمار، ويتم استخدامهم في مهام أخرى.
وتشير دراسة أجراها مركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العمل، إلى ارتفاع مهول في أعداد المتسولين خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عددهم بصنعاء وحدها “مليون ونصف المليون شخص”، أغلبهم من الأطفال والنساء.
فيما قدر المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، عدد الأطفال الذين يمتهنون التسول بأكثر من 10 آلاف طفل وطفلة في مدينة صنعاء فقط.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن استثمار الحوثيين في ظاهرة التسوّل من خلال استقطاب “المتسولين“ إلى ما يسمّى بـ“الدورات الثقافية”، ومن ثم تجنيدهم في العمل لصالحها إما في جمع المال أو تنفيذ مهام أمنية.
آلية الاستقطاب
“عارف” طفل في الـ13 من عمره، لا تختلف قصته كثيرًا عن قصة “موسى”، فهو يعمل متسولا منذ أكثر من عامين لصالح مشرف في جماعة الحوثي، بعد أن استقطبه بواسطة زميل له في المدرسة يدعى “محمد”.
يقول “عارف” لـ“بران برس”: “كان زميلي محمد يصرف علي في المدرسة، لأنه معه فلوس كثير، وكنا نخرج من المدرسة سوى، ونسير النوادي ومحلات الإنترنت”. ويضيف: كان (محمد) يقل لي إن الفلوس اللي معه من الحوثيين، وانه يشتغل معهم”.
وطمعًا في أن يحصل على فلوس كثير كـ“محمد”، ترك “عارف” منزله بحجة البحث عن عمل. وأخذه زميله “محمد” ومعه ثلاثة أطفال آخرين تعرف عليهم عن طريق "محمد" في النادي، إلى المشرف “أبو أحمد” والذي بدوره نقلهم إلى “رداع”، وسلمهم لمشرف آخر يدعى "أبو مطلق"، والذي بدوره قام بتجنيدهم في التسول لصالحه.
وتظهر القصص الموثقة أن إغراء الأطفال بالمال واحدة من أبرز أساليب قيادات ومشرفي الحوثي لاستقطاب الأطفال، وذلك من خلال إعطاء مبالغ للبعض منهم ليقوموا تلقائيًا باستقطاب زملائهم من المدارس والشوارع.
تشجيع الظاهرة
توضح نتائج استطلاع إلكتروني أجراه “يمن انفورميشن سنتر”، حول ظاهرة التسوّل في اليمن، أن الأطفال هم أكثر الفئات تسولًا بنسبة 44%، يليهم النساء بواقع 39 %، والمسنين 13% ، فيما 4% ذوي الإعاقة.
وحول أسباب تفشي ظاهرة التسوّل، جاء الفقر على رأس قائمة آراء المستطلعين بنسبة 57.4%، فيما كشفت 19.1% من آراء المشمولين بالاستطلاع عن “وجود جهات داعمة للتسول”. وهو ما يعزز التقارير التي تفيد بضلوع الحوثيين في تشجيع الظاهرة، وفق مراقبين.
وعن كيفية مكافحة الظاهرة، اتجهت آراء 59% من المشمولين بالاستطلاع إلى رعاية الفقراء وإعطائهم حقوقهم، و19% رأوا سن القوانين الرادعة للتسوّل، و%12 اقترحوا التوعية والتحذير من الظاهرة، و10% بإنهاء الصراع.
تسول رسمي
أدت الأوضاع المعيشية الصعبة للسكان جراء انقطاع المرتبات, وانعدام فرص العمل، وسبل الرزق، إلى تزايد أعداد المتسوّلين، وباتت، وفق مراقبين، من أكبر الظواهر انتشارًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ووفق مصدر مطلع، فضل عدم كشف هويته لأسباب أمنية، فإن ممارسة التسوّل في كثير من المناطق باتت تجري بإشراف قيادات حوثية، حيث طورت الجماعة عملية استقطاب المتسولين لتأخذ طابعًا شبه رسميًا منذ إعلانها برنامج “معالجة ظاهرة التسول”.
وأضاف أنها “نفّذت حملات ميدانية استهدفت مئات المتسولين في المناطق الخاضعة لها، وأخضعتهم لدورات ثقافية طائفية وعسكرية من 6 أشهر إلى سنة، وأجبرتهم على العمل لصالحها تحت التهديد بالسجن".
وبهذا يقول المصدر إن الجماعة حوّلت التسوّل إلى عمل رسمي، وباتت تستغلّ هذه الفئة لرفد جبهاتها بمقاتلين وتعزيز أرصدتها المالية، فيما البعض يجبروا على دفع نسبة مما يجمعونه يومياً مقابل السماح لهم بالتسول.
استغلال واستقطاب
مدير عام حقوق الإنسان بأمانة العاصمة فهمي الزبيري، أكد “تزايد حالات التسول بشكل مخيف” منذ سيطرة الجماعة المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لها.
وقال “الزبيري” في حديث لـ“بران برس” إن “ظاهرة التسول اتسعت وتضاعفت بالأخص في صفوف الأطفال والنساء، مع صعوبة الأوضاع القهرية التي يعانيها المواطنون في صنعاء نتيجة للتدهور الاقتصادي والمعيشي وقطع المرتبات واشتداد الفقر والجوع”.
واتهم الحقوقي “الزبيري”، جماعة الحوثي بـ“استغلال الحالة الاقتصادية الصعبة وخروج الناس للتسول، والعمل على استقطابهم إلى شبكات منظمة للتسول لصالحها، وخاصة الأطفال".
وأردف: “فيما البعض تذهب بهم إلى دورات طائفية لغسل أدمغتهم استعدادا لإلحافهم بجبهات القتال، بما فيهم أطفال تقل أعمارهم من 14 سنة، وهو ما يعد اعتداء على المواثيق الدولية التي تنص على حماية الأطفال”.
واعتبر مدير عام حقوق الإنسان بأمانة العاصمة، قيام الجماعة بتجنيد "الأطفال المتسولين" للالتحاق بصفوفها القتالية، مستغلة أوضاعهم المعيشية، ”جريمة حرب”، مشيرًا إلى أن سياسة الجماعة وممارساتها منذ الإنقلاب “أوصلت المواطنين إلى الفقر والعوز والجوع، وأجبرت الأسر على إرسال أطفالها للتسول”.