|    English   |    [email protected]

خارطة الطريق الأممية.. مخاوف يمنية من مضامينها وتنازلات الحكومة المتوالية (تقرير)

الأحد 4 أغسطس 2024 |منذ 3 أشهر
مخاف يمنية من خارطة الطريق الأممية - برّان برس مخاف يمنية من خارطة الطريق الأممية - برّان برس

برّان برس | أعد التقرير - شعيب الأحمدي:

تزايدت مخاوف اليمنيين إثر التنازلات المتلاحقة التي تقدمها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، لصالح جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، وآخرها التراجع عن قرارات البنك المركزي في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.

وفي خضم الانتقادات الشعبية لتراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها، تعالت التحذيرات من التفاصيل المبهمة لخارطة الطريق الأممية، دون أن تراعي في تفاصيلها مخاوف اليمنيين المتعلقة بالسلام الدائم والمواطنة المتساوية. 

وحذر باحثون ومحللون تحدثوا لـ"برّان برس”، من أن رغبة الدول الإقليمية والأمم المتحدة وحدها لا تكفي لإنهاء الحرب وإحلال السلام.

وعبر نشطاء وكتاب يمنيون عن أسفهم لتجاهل الحكومة اليمنية والأمم المتحدة والدول الفاعلة في الملف اليمني، طبيعة جماعة الحوثي التي اعتادت أن تكسب بالوساطات والمفاوضات في حين لا تقدم أي تنازل يؤشر على نيّتها لإنهاء الحرب والتعايش مع الشعب اليمني.

وتتعاظم هذه المخاوف مع غموض تحركات الوسطاء، وتكتّم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، عن طبيعة هذه التحركات، ومدى خطورة القرارات التي تتخذها إزائها، والتي تتعلق بمستقبل البلاد، وحياة اليمنيين ومعيشتهم.

تمكين الحوثي

وزير الشؤون القانونية السابق، الدكتور محمد المخلافي، قال إنه “لا توجد خارطة طريق” لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، بالمعنى الإطار العام لمفاوضات وتحقيق السلام.

وأضاف “المخلافي” في تصريح خصّ به “برّان برس”، أن القوى السياسية المشاركة في السلطة التشريعية لم تتسلم “وثيقة رسمية”. وقال إن “ما سمعناه من قيادة السلطة التنفيذية لا يختلف كثيرًا عما ينشر في وسائل الإعلام، ولكن ما يروج له قادة المتمردين الحوثيين لا يعدو عن كونه إجراءات تمكن الحوثي المزيد من السيطرة على الناس في المناطق التي تتحكم بها”.

وعن ملف إعادة الإعمار، قال إن “تكرار الحديث عن إعادة الإعمار في كل المراحل يمثل هاجس لدى قادة المليشيا لتتمكن من التربح الكبير من خلال السيطرة على إعادة الإعمار كما يحدث في المساعدات الإنسانية إما مباشرة وإما عبر الشركات التي يمتلكها قادة المليشيات أقلهم رتبة في هرم المليشيات لديه أكثر من عشر شركات تجارية”.

وقال: عندما يتحدثون (الحوثيون) عن الجانب الإنساني فلا يقصدون بذلك توقف ممارساتها، والتي تتسم بالقسوة والفظاعة ضد السكان، وإنما تقصد تمكينها المزيد من الحصول على المساعدات، وتدفق السلاح، والمال الإيراني عبر الموانئ الجوية والبحرية”.

ويأتي هذا، وفق المخلافي، مع استمرار إجراءات جماعة الحوثي في “حصار اليمن، ومنع تصدير الغاز والنفط، وتعطيل النظام البنكي، والاستيلاء على أموال البنوك والمودعين، وعلى خُمس تحويلات المغتربين أو التحويلات الداخلية عبر البنوك، والاستمرار في قتل السكان داخل منازلهم في الضالع وتعز ومأرب وغيرها من المناطق”.

وأيضًا مع “استمرار استدعاء القوات الأجنبية إلى البحر الأحمر، وتدمير ما تبقى من مقدرات اليمن كما فعل الكيان الصهيوني في الحديدة ويفعله التحالف الغربي انطلاقًا من البحر الأحمر الذي تحول إلى قواعد أجنبية”. 

ولا يستبعد “المخلافي”، أن “يخاض صراع عالمي فيه يدمره ويحوله إلى بحر ميت”.

شروط السلام

وفي كل الأحوال، يقول السياسي المخلافي، إن “تحقيق السلام يتطلب توفير شروط أساسية تتمثل في إزالة الأسباب التي أدت إلى الحرب، وبما يحقق إنهاء اغتصاب السلطة، وحل المليشيات واستعادة الدولة، والعودة إلى العملية السياسية لتحقيق الانتقال الديمقراطي”.

وهذا يتطلب، وفق المخلافي، “وجود شرط جوهري وأساسي يتمثل في تخلي الحوثي عن العنف وتسليم سلاحه، وتحوله إلى تنظيم سياسي وفقًا لشروط قانون الأحزاب، وأن توهل السلطة الشرعية بامتلاك جيش وطني بكل مقومات جيوش الدول الحديثة لتستطيع فرض السلام وحماية استقلال وسيادة اليمن”. 

ولتحقيق هذه الجزئية، قال “المخلافي”، إنه يبدأ بـ“الإدارة الناجحة للمناطق التي تقع تحت إدارة السلطة الشرعية ثم إدارة كل البلاد، وبالتالي تحقيق سلام شامل وعادل بعيدًا عن تكرار الحلول الجزئية الفاشلة اتفاق استوكولهم نموذجًا، ومشاركة اليمنيين في عملية السلام من خلال مشاركة كافة الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات غير الحكومية والمرأة والشباب”.

وشدد “المخلافي”، على ضرورة أن يشمل اتفاق السلام “الآليات والإجراءات والتدابير التي تمنع تكرار الانقلابات، وإزالة آثار الحروب منذ عام ١٩٩٤م، وحل القضية الجنوبية وفقًا لإطار خاص بها؛ بالبناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وحل المستجدات التي ظهرت بسبب الحرب أو ظهور قوى جديدة”.

وأكد ضرورة “إقامة العدالة الانتقالية بما يحقق جبر ضرر الضحايا، ويمنع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان اليمني، وإقامة دولة المواطنة- الدولة الاتحادية الديمقراطية”.

​​​

تنازلات أخرى

الأكاديمي والمحلل السياسي البروفيسور عبدالوهاب صالح العوج، أكد أن الحوثيين يرفعون سقف مطالبهم، موضحًا أنهم “يريدون من المجتمع الدولي والراعيين الإقليميين، أن تقدم الحكومة الشرعية، تنازلات أخرى، إضافة إلى سلسلة التنازلات التي سبق وأن قدمتها منذ بداية الحرب”.

وأكد “العوج”، في حديث خاص لـ“بران برس”، أن جماعة الحوثي “ستكسب من خلال هذه التنازلات التي لا آخر لها، ولا حدود”. 

وإلى ذلك، أشار الأكاديمي “العوج”، إلى أن “اليمن أمام معادلة صعبة”، مبينًا أن الحوثي سيستمر بتهديد الملاحة الدولية والمنطقة، وبذلك سيستمر برفع مطالبه”.

وعن موقف الدول الإقليمية، قال إن “المملكة العربية السعودية لديها رأي بالخروج من المستنقع اليمني، والالتفات إلى البنية الاقتصاديّة والتطور الاقتصاديّ الذي يحصل فيها”.

وعمليًا، قال إن “الأمر يزداد تدهورًا، وتراجعًا في الاقتصاد اليمني، وانهيارًا في العملة المحلية، فيما الحوثي يحقق امتيازات ومكاسب على حساب الشعب اليمني”.

جدوى التنازلات

وعن جدوى التنازلات، قال الأكاديمي العوج، متسائلاً: هل الحوثي سيقبل بهذه التنازلات؟ وهل سيبنى عليها حلولًا مستقبلية للسلم في اليمن؟ وهل سيرضخ للقرارات الدولية أو مرجعيات الحل السياسي؟.

وأكد أن كل هذه التنازلات، إضافة إلى انهيار الاقتصاد، وعدم تصدير النفط الخام والغاز، “يصب في مصلحة الحوثي”. وقال: “لا يوجد أي مؤشر أن الحوثي سيتراجع”.

وفي المقابل، قال إنه “لا يوجد أي مؤشّر أن الحكومة الشرعية ستحزم أمرها وتحدد مطالبها وسقف تنازلاتها”.

رغبة حوثية سعودية

من جانبه، لفت الكاتب والمحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي، إلى الخطوات التمهيدية التي أجريت للتهيئة للتسوية السياسية، بما فيها عقد مباحثات أو مفاوضات معلنة وغير معلنة بين جماعة الحوثي والسعودية، سواء بوساطة عمانية أو وجهًا لوجه في صنعاء أو في الرياض.

وأضاف “الفاتكي”، في حديث لـ“بران برس”، أن المفاوضات بين الحوثيين والسعودية ستستمر سواء أُفصح عنها أم لا، وهذا برأيه “يحقق رغبة الجماعة الحوثية التي لطالما ظلت تطالب بأن تكون المفاوضات بينها وبين السعودية مباشرة بدون الحكومة اليمنية”.

ووفقًا للفاتكي، فإن هذه المطالب “توافقت مع رغبة السعودية منذ حوالي عامين بلعب دور الوسيط بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي”، مبينًا أن هذا ظهر من خلال استجابة الحكومة ومرونتها في المفاوضات مع جماعة الحوثي.

وقال إن “خضوع الحكومة اليمنية لضغوط المجتمع الدولي والإقليمي جعل البعض يفسر التراجع عن بعض القرارات- كقرارات البنك المركزي اليمني الأخيرة- بأنه رضوخا لتهديدات الجماعة الحوثية”.

ورقة رابحة

وبرأي “الفاتكي”، فإن الشرعية الشعبية التي تملكها الحكومة اليمنية، واعتراف المجتمع الدولي بها كسلطة ممثلة للشعب اليمني، “ورقة رابحة بيدها إذا ما أحسنت استخدامها”.

كما أن تعنت جماعة الحوثي، وعدم التزامها بأي اتفاق تبرمه مع الحكومة برعاية أممية أو بوساطة إقليمية يمنح الحكومة مبررًا قويًا للتخلص من الضغوط الدولية والإقليمية التي تمارس عليها لتقديم تنازلات.

وعبر عن أسفه لأن هذه التنازلات “تصب في صالح جماعة الحوثية”، مؤكدًا أهمية أن تستخدم الحكومة هذه المبررات للتمسك بقراراتها السياسية، وممارسة دورها السيادي، وعدم السماح للمليشيا بمنازعتها في مركزها القانوني والدستوري”.

ورقة الحرب

ومن جانبه، يرى البروفيسور “العوج”، أن “أوراق الضغط الحكومية ذهبت كلها أدراج الرياح”. وقال إن جماعة الحوثي سيطرت على قرارات كثيرة، أهمها الاستيلاء على البنك المركزي في صنعاء، مخزون الثروة اليمنية من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الاتصالات والانترنت وموارد ميناء الحديدة وغيرها”.

وبرأي “العوج”، فإنه لم يتبق أمام الحكومة اليمنية من أوراق ضغط في مجابهة جماعة الحوثي، سوى “إعلان الحرب”، معللًا ذلك بأنها “ستذهب باتجاه تغير المعادلة إلى العمل العسكري”، مؤكّدًا أنه “من دون ذلك لم تعد تمتلك أي أوراق ضغط؛ لأنها تفقد مشروعيتها ووجودها، وأصبح الحوثي أمام القاصي والداني كأنه طرفًا معترفًا به”.

وشدد “العوج”، على ضرورة أن “تذهب الحكومة باتجاه نسف كل المرجعيات منها القرارات الدولية، مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاقيات الرياض، وتذهب بالاتجاه نحو الحل العسكري هذه ورقتها الوحيدة التي تمتلكها الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي”.

تحذيرات حزبية

والخميس 1 أغسطس/آب 2024م، حذرت الأحزاب السياسية بمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، من أي مفاوضات تكرس التقسيم للمؤسسات السيادية الوطنية، داعية الحكومة “الشرعية” لتحمل مسؤوليتها في قيادة معركة التحرير واستعادة الدولة.

واستهجنت الأحزاب، في بيان لها، اطلع عليه “برّان برس”، “التكتم الشديد على خارطة الطريق التي يجري الحديث عنها”، معتبرة ذلك التكتم “مصادرة لحق اليمنيين في تقرير مصيرهم السياسي والسيادي”.

وذكرت أن المدخل الأساسي لأي تسوية “يجب أن يشمل وقف أي تشريعات وإجراءات تكرس الطائفية والمذهبية، وخاصة في المناهج الدراسية التي تعمل على جرف الذاكرة الوطنية والسياسية اليمنية لدى الأجيال الحالية والقادمة”.

وحذّرت الأحزاب السياسية، من أن أي تسوية سياسية لا يشارك فيها مختلف التعبيرات السياسية والمدنية اليمنية ستكون “تسوية لا تعني ولا تعبر عن إرادة اليمنيين”، داعية الحكومة اليمنية المعترف بها لـ“تحمل مسؤوليتها في قيادة معركة التحرير واستعادة الدولة عبر النضال الوطني الفاعل على كافة الجبهات والأصعدة، بما في ذلك جبهة المفاوضات”.

الإعلان الأممي

وفي 23 يوليو/ تموز، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، عن توصل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وجماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، إلى عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.

وتضمن الاتفاق، وفق بيان عن مكتب المبعوث، على “الغاء القرارات والاجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن اي قرارات او اجراءات مماثله. إضافة إلى استئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميا، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً او بحسب الحاجة.

وشمل الاتفاق أن تعقد اجتماعات لمعالجة التحديات الادارية والفنية والمالية التي تواجهها الشركة، والبدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والانسانية بناء على خارطة الطريق.

ونوه إلى الدور الهام الذي لعبته المملكة العربية السعودية في التوصل إلى هذا الاتفاق، مؤكدا جاهزية الأمم المتحدة للعمل مع الطرفين لتنفيذ التدابير التي اتفقا عليها، وعرض أن يدعم مكتبه التواصل مع السلطات في الأردن ومصر والهند.

ومن جانبها، سارعت الحكومة اليمنية إلى تنفيذ التزاماتها حيث تم إيقاف الإجراءات التي اتخذت بحق البنوك، في وقت استأنفت شركة الخطوط الجوية رحلاتها من مطار صنعاء إلى الأردن والقاهرة والهند للمرة الأولى منذ 2014.

وفي 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت الأمم المتحدة، عن توصل الأطراف اليمنية إلى تفاهمات للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.

وتوقفت خارطة الطريق، وجهود السلام في اليمن، بفعل هجمات جماعة الحوثي المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، ضد سفن الشحن التجارية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

مواضيع ذات صلة