|    English   |    [email protected]

“الصيدليات الوطنية”.. مشروع ثراء حوثي لضرب قطاع الصيدلة باليمن (تقرير)

الأحد 18 أغسطس 2024 |منذ 3 أشهر
بران برس بران برس

برّان برس- وحدة التقارير:

منذ 5 سنوات، بدأت جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، بإنشاء صيدليات خاصة بها لبيع الأدوية، تحت مسمى “الصيدليات الوطنية”، ويتبع وزارة الصحة في حكومة الجماعة غير المعترف بها.

مؤخرًا افتتحت الجماعة عدّة صيدليات أنشأتها داخل أحواش المستشفيات الحكومية بصنعاء، ومنها مستشفيات السبعين، والثورة، والجمهوري، وعبرها تقوم جماعة الحوثي ببيع الأدوية للمواطنين مباشرة.

أكّدت مصادر طبّية لـ“بران برس” أن سلطات الجماعة هدمت جزءً من مساحة المستشفى الجمهوري التعليمي، أحد أكبر المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء، لإنشاء صيدلية من هذا النوع بداخله منتصف العام الماضي.

اهتمام مركزي

كان القيادي الحوثي “طه المتوكل”، الذي عيّنته الجماعة وزيرًا للصحة في حكومة “بن حبتور” المقالة (غير معترف بها)، قد أعلن اعتزام جماعته تنفيذ هذا المشروع أواخر العام 2019، أثناء حضوره حفلًا في صنعاء بمناسبة “اليوم العالمي للصيادلة”.

ووفق إعلان “المتوكل”، وهو خطيب متعصّب لجماعة الحوثي، فإن المشروع لا يقتصر على العاصمة صنعاء، بل سيشمل بقيّة المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعته، مبررًا هذه الخطوة بأنها تأتي لـ“بيع الدواء بسعر التكلفة بما يضمن الحفاظ على جودة المنتج والفاعلية في الأداء”. دون أن يتطرق لآثارها المدمّرة على القطاع الخاص.

في 17 مايو/ أيار 2024، وجه رئيس ما يسمى بـ“المجلس السياسي الأعلى” التابع للجماعة، مهدي المشاط، باستكمال إنجاز “الصيدليات الوطنية” في عموم محافظات الجمهورية، لما لذلك من “أهمية في توفير الأدوية والعلاجات للمرضى في المستشفيات والمرافق الصحية”.

تقرير إنجاز صادر عن وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خلال الفترة من 2020 إلى 2023، أوضح أن الهيئة العليا للأدوية أنشأت “مباني الصيدلية الوطنية لعدد 5 صيدليات بأمانة العاصمة بإجمالي مبلغ 286 ملياراً و364 مليوناً و800 ريال والعمل مستمر لاستكمال بقية المحافظات”.

السيطرة الشاملة

مصادر مطلعة، أوضحت أن هذه الخطوة “تأتي في إطار تحركات الجماعة لخصخصة القطاعات الحكومية على أكثر من صعيد، وفي كافة القطاعات والمؤسسات لا سيما القطاع الصحي؛ كالمستشفيات والمؤسسات الدوائية”.

وندد الكثير من الصيادلة اليمنيون في صنعاء بهذه الإجراءات التي وصفوها بـ“غير المسؤولة”، موضحين الأضرار التي ستلحق بهم على إثرها. ووصفوا الجماعة بأنها “جشعة وانتهازية تنافس البسطاء في أرزاقهم”، مشيرين إلى أنها تهدف إلى “الإثراء غير المشروع”.

منافسة للمواطن

عزيز أحمد، مندوب علمي لدى إحدى شركات الأدوية بصنعاء، قال إن “وزارة الصحة (الخاضعة لسلطة الحوثيين بصنعاء) تنافس المواطن البسيط في بيع الأدوية”.

وعبر “عزيز”، في حديثه لـ“برّان برس”، عن سخطه من تصرفات الحوثيين قائلًا: “إنه زمن سيطرة العصابات وحكمها للشعب بالقوة، وتطبيقها لمبدأ السيطرة الاقتصادية الشاملة، فاذا كانت السلطة داخلة في التجارة وهي المراقبة، فلن يلقى المواطن من ينصفه".

وأضاف: “بدلاً من اهتمامهم بتوفير الأصناف المعدومة، وإيجاد حلول لمشاكل الدواء، راحوا ينافسون المواطن”، مبينًا أن “أي شركة تنزل أدوية لصيدلياتهم الحكومية يجبرونها على الشروط التي يريدونها، وإذا لم يتم قبول مرتجعاتهم من الأدوية المنتهية؛ فانهم يمنعون استيراد أصنافها عبر الهيئة العليا للأدوية التي يسيطرون عليها".

ضرب القطاع الخاص

الصيدلي محمد حامد، يعمل بإحدى الصيدليات في صنعاء، قال لـ“برّان برس”، إن “فتح صيدليات تتبع الحوثيين يضرب القطاع الخاص”.

ومن الأضرار المباشرة، ذكر أن “الصيدليات القريبة من مستشفيات الجمهوري والثورة والسبعين عليها أن تغلق أبوابها أو تتحول إلى بقالات، لعدم قدرتها على منافسة سلطات الأمر الواقع التي نزلت السوق لتنافسهم".

وأضاف “حامد”، أنه “رغم ركود السوق الدوائي، وانعدام القدرة الشرائية للناس، جاءت خطوة فتح صيدليات حكومية تتبع وزارة الصحة لتزيد الطين بلة، وراحت تفاقم من الوضع المتردي بالأساس”.

وتابع: “لقد كرهونا في دراسة تخصص الصيدلة بمحاربتهم للشركات الدوائية والصيدليات ومنافستها، وهذا يعتبر تنكيل بحق الصيادلة وغسيل أموال، المستفيد الوحيد منها شلة تتبع وزير الصحة مباشرةً”.

نهب واستحواذ

محمد سالم، عضو في نقابة ملاك الصيدليات، أوضح لـ“برّان برس”، أن غرض هذه الصيدليات التي استحدثها الحوثيون “توفير وبيع الأدوية المعدومة والمهربة”، إضافة إلى ما قال إنه “نهب الأدوية المجانية المقدمة من المنظمات الدولية، وبيعها في هذه الصيدليات”.

“وكذلك الحال بالنسبة للأدوية التي يتم مصادرتها من صيدليات البسطاء، فإنه يتم بيعها في هذه الصيدليات”، وفق “محمد سالم”، الذي قال إن الجماعة تسعى لـ“تنمية تجارتها والسيطرة الشاملة على القطاعات الاقتصادية المتعددة”.

وقال “سالم”، إنه “رغم ثراء المسؤولين في وزارة الصحة (الخاضعة لسيطرة الحوثيين)، الا أنهم أصروا على منافسة البسطاء”، واصفًا هذا بأنه “قمة الفوضى، خصوصاً عندما يتربع على وزارة الصحة تجار وفاسدون”.

ولهذا قال إنه “من الطبيعي أن يتم تحويل وزارة خدمية الى وزارة همها جمع الأموال، والمتاجرة بها”.

غياب الدور النقابي

كثير من الصيادلة في صنعاء تساءلوا اشتكوا غياب دور نقابة الصيادلة اليمنيين المخولة بالدفاع عن حقوقهم، مستغربين “خفوت صوتها وكأنها غير موجودة، فلا احتجاجات ولا شعارات ولا تنديدات ولا بيانات ولا اضرابات”.

وحول هذا، قال عضو في نقابة الصيادلة اليمنيين بصنعاء، لـ“بران برس” مفضلًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن دورها حاليًا “يقتصر في تسجيل الأسماء، وإصدار بطائق العضوية، واستلام الأموال فقط”.

وبرر الموقف، بالقول إن “سلطة الأمر الواقع في صنعاء (في إشارة إلى الحوثيين)، هي التي تسيطر على النقابة عملياً،”. وقال إن “من يحاول أن يرفع صوته من أعضاء النقابة فيتم قمعه أو مطاردته أو اسكاته، مضيفًا أنه “حتى الانتقاد لم يعد مجدي، وقد يكون ضرره أكثر من نفعه”. 

وعن دور أعضاء النقابة، قال: “تعبنا، ونحن ننتقد خصوصاً في ظل كثرة الفساد وظهوره فوق القانون وبالقوة فالسكوت أفضل”.

مخالفة للقانون

وعن خطوة السلطات الحوثية لإنشاء صيدليات، قال عضو النقابة، إنها “خطوة منافية للدستور والقانون”، موضحًا أن “القانون يمنع إنشاء الدولة لصيدليات خاصة تابعة لها تنافس الصيادلة في بيع الأدوية”. 

واعتبر ما قام به الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء “سياسة انتهازية، وظالمة”، مبينا أن غرض هذه الخطوة “السيطرة الواسعة على السوق، وترجيح كفة الاقتصاد لصالح الجماعة المسيطرة”.

استحواذ على كل شيء

سيطرة الحوثيين لا تقتصر على قطاع الأدوية، بل شملت الهيئة العليا للأدوية، والمجلس الطبي، وغيرها من القطاعات. إضافة إلى الهيمنة على نقابات الأطباء والصيادلة، ومصنعي الأدوية، وملاك صيدليات المجتمع”.

ووفق المصادر فقد استولت جماعة الحوثي على “بعض مصانع الأدوية”، موضحة أنهم “استغلوا الثروة التي يمتلكونها لفتح شركات دوائية، والتضييق على الشركات الأخرى، ضاربين باللوائح والقوانين عرض الحائط”.

ولم تتوقف الجماعة هنا، بل تقول المصادر إنها “ذهبت لشرعنة قوانين ولوائح تُدَعِّم سيطرتها، وتعمل على إذلال منافسيها في السوق”.

وتحدثت المصادر عن قيام الحوثيين بفرض شروط ورسوم وصفتها بـ“المجحفة” جعلت الإقدام على فتح مركز طبي أو صيدلية أو مختبر أو عيادة طبية “أمر فيه مجازفة”. 

وكانت تقارير صحفية، قد تحدثت عن تعرض قطاع الصيدلة، لانتهاكات غير مسبوقة من قبل سلطات الحوثي، خصوصًا بعد تعيين القيادي “طه المتوكل”، وزيرًا للصحة.

وكان “المتوكل”، قد أقر في تصريح صحفي، بإغلاق 432 صيدلية بزعم أنها “غير مرخصة”، إضافة لإحالة 75 أخرى إلى نيابة الأموال العامة. 
وتضاف هذه الممارسات إلى اختطاف عشرات الصيادلة، وجباية أموال ضخمة من الصيدليات وشركات الأدوية.

وسبق وأن اتهمت “نقابة ملاك صيدليات المجتمع” في بيان نشرته بحسابها الرسمي على “فيسبوك”، الحوثيين بممارسة التعسف والابتزاز، عبر مكتب الصحة بالأمانة، مؤكدة أن “الإجراءات المتخذة ضد الكثير من الصيادلة، مخالفة للقانون، وتؤثر بشكل سلبي على سمعة قطاع الصيدلة”.

مواضيع ذات صلة