برّان برس - وحدة التقارير:
في إطار سيطرتها على قطاع الصحّة، عمدت جماعة الحوثي المصنفة دوليًا بقوائم الإرهاب، للسيطرة على “المجلس الطبي اليمني”، وحوّلته إلى مصدر إثراء، بعيدًا عن مهامه واختصاصاته المرتبطة بالمهن الطبية.
والمجلس الطبي الأعلى اليمني، هو جهة فنية تخصصية، تم تأسسيه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2000، بأمر رئاسي بهدف وضع معايير لتنظيم الممارسات المتعلقة بالرعاية الصحية، ومراقبة تنفيذ قانون مزاولة المهنة.
مورد مالي
منذ العام 2017، بدأت جماعة الحوثي بتفعيل المجلس الطبي، وبدلاً من استخدامه لتحسين الخدمات الصحية، وبما يعود بالنفع على المواطنين، استغلّته الجماعة فقد لتعزيز إيراداتها وتطفيش العاملين في القطاع الصحي.
وبعكس ما تروّجه الجماعة، عبر وسائلها الإعلامية، من أن المجلس الطبي يختص بمراقبة الشهادات العلمية، وإجراء امتحانات مزاولة المهن الطبية، وتجويد المخرجات، كشفت مصادر طبية لـ“بران برس”، عن مخالفات جسيمة طالت على وجه الخصوص خريجي الكليات الطبية، وكل الكوادر والعاملين في قطاع الصيدلة وغيرها.
وفق المصادر، فإن الجماعة تتعامل مع المجلس كجهة إيرادية تعود عليها بالأموال الطائلة، لا مؤسسة يمكن من خلالها تنظيم العمل وتجويده، ومساعدة العاملين في القطاع الصحّي للحصول على الوثائق المنظمة للعمل.
مصدر طبي قال لـ“برّان برس”، إنه حتى الآن لم يتم اعتماد المجلس الطبي في صنعاء، من قبل المنظمة الدولية للتعليم الطبي، ومن منظمة الصحة العالمية، وقد تخفق طلباته في الاعتماد بسبب هذه الاختلالات والمخالفات.
أمر واقع
المصادر أوضحت لـ“برّان برس”، أن هدف الحوثيين الأساس من السطو على المجلس، هو “جني الأموال، وجبايتها من رسوم الخريجين الذين يضطرون لدفعها تحت سطوة الجماعة التي لا تأبه للجودة ولا الشهادات العلمية”.
قبلها، قالت المصادر إن الحوثيين منعوا عمل خريجي الكليات الطبية في المؤسسات الصحية دون الحصول على “مزاولة مهنة”، من قبلهم (من المجلس الطبي)، وللحصول عليها فرضوا “الكثير من الاشتراطات والأموال”.
“برّان برس”، قابل العديد من خريجي الكليات الطبية في صنعاء، والذين اشتكوا تعسفات جماعة الحوثي، والجبايات الباهظة التي تفرضها عليهم من أجل منحهم “مزاولة المهنة”، فضلًا عن تعمّد تأخير إصدارها.
مزاولة الجبايات
أحمد ناجي، بكالوريوس تمريض، قال لـ“بران برس”، إن “الحصول على مزاولة مهنة من المجلس الطبي، شرط للعمل في مناطق سيطرة الجماعة، فقد فرضت الجماعة قرارات على المؤسسات والمنشئات الطبية استخراج مزاولة مهنة، وفرضوا أموالاً باهظة بعضنا ليس بمقدوره دفعها”.
وأضاف: “عند ذهابي للتسجيل في المجلس الطبي لأجل الاختبار دفعتُ رسوم تسجيل 4 آلاف ريال، ويفرضون على كل سنة 2500 ريال، لكل من تأخر عن التسجيل في المجلس”.
وتابع: “رغم أن المجلس الطبي لم يبدأ بإجراء اختبارات الكفاءة إلا في العام 2017م، ومع هذا فإنهم يفرضون الأموال حتى على الأعوام السابقة قبل بدء الاختبارات”.
ومن ضمن الجبايات، “مبلغ 14000ريال رسوم تسجيل طلب مزاولة، و15000ريال رسوم للتعليم العالي، و36000 ريال رسوم بعد النجاح بالاختبار من أجل إصدار التصريح والمزاولة، و7000 رسوم النقابة.
ووفق “ناجي”، يصل المبلغ الاجمالي الى أكثر من 76000 ريال، وقد يزيد وقد ينقص قليلاً حسب عدد سنوات تخرجك.
شروط مجحفة
في حديثه لـ“بران برس”، أكّد “ناجي”، أن هناك طلاب يدفعون أكثر من المبلغ الذي ذكره آنفًا، وهو بخلاف “مصروفات المعاملات اليومية” التي قال إنها تتضاعف “بسبب قلة الموظفين في المجلس مقابل كثرة في المراجعين، وطالبي الحصول على المزاولة”.
وعن سبب “كثرة المراجعين”، أوضح “ناجي”، أنه يعود إلى “الشروط المجحفة التي تفرضها جماعة الحوثي على كل خريجي القطاع الطبي الذين يسعون للعمل أو لفتح منشأة طبية أو بغرض التجديد الدوري (كل سنتين)”.
وتعليقًا على هذا المشهد، قال إن “مبنى المجلس الطبي تحوّل إلى مركز إيرادي للجماعة لجمع الأموال الطائلة”.
تأخير
وإضافة إلى التعسفات والجبايات الباهظة، اشتكى العديد من الخريجين لـ“بران برس” من تأخّر تجديد مزاولة المهنة في المجلس الطبي لعدّة أشهر، واتهم البعض جماعة الحوثي بتعمّد هذا الأمر للحصول على المال.
أمين صالح (اسم مستعار)، بكالوريوس صيدلة، قال لـ“بران برس”، إنه ذهب إلى المجلس الطبي من أجل التسجيل لاختبار الكفاءة بداية عام 2023م، وأجرى الاختبار نهاية العام ذاته، إلا أنه حصل على “المزاولة” في يونيو/حزيران 2024.
وعن سبب التأخير في إصدار المزاولة والتصاريح، قال إنها “حيلة حوثية خطيرة” للإضرار بالخريجين، وقال: “نحن كخريجين نتضرر كثيراً من هذا التأخير في إصدار التراخيص والمزاولة لأكثر من 5 أشهر”.
ومن هذه الأضرار، أوضح “أمين”، أن “تاريخ انتهاء المزاولة خلال سنتين، ولا نستلمها إلا بعد أن يمر عليها أكثر من 5 أشهر، ليضطر الخريج للمعاملة من جديد بعد سنة ونصف وبرسوم جديدة ومصروفات جديدة، وهكذا كل سنتين يجبر المجلس الخريجين على التجديد؛ ليجني الأموال الباهظة لهذه الجماعة الظالمة”.
وقال: “تخيل في العالم كله صاروا يجددون مزاولتهم وتراخيصهم بضغطة زر، بينما لدى الجماعة في صنعاء لازم أنك تتعطل أشهر، لكي تجدد المزاولة، وهذا غير الوساطات والاستعانة بصديق، ناهيك عن حاجتك لأكثر من سنتين من أجل يسلموا لك كرت التصريح لفتح صيدلية”.
شهور من الانتظار
خلود غالب، خريجة مختبرات طبية، قالت لـ“بران برس”، إن لها أكثر من أربعة أشهر حتى الآن، وهي تنتظر إصدار المزاولة، “رغم أنها تجديد فقط”.
وأضافت: “وإذا أحدنا مستعجل ويريد يسافر أو شخص مغترب منتظر لها في الغربة عشان يكمل أموره فيتم تأخيره أشهر، لا يوجد اهتمام والأمور سائبة”.
مزاولة الارتزاق
الغريب في الأمر، وفق “خلود”، أن الحوثيين “يأخذوا رسوم؛ رسوم تجديد، ورسوم بطاقة، ورسوم نقابية”، ومع هذا يتعمّدون تأخير إنجاز المعاملة.
وقالت في حديثها لـ“برّان برس”: “للأسف لقد حولوا مزاولة المهنة إلى مزاولة من أجل الارتزاق على العاملين في القطاع الصحي، ويتعمدون تأخير الخريجين في إصدار المزاولة”.
وبالعكس، قالت إنهم سريعون “في إصدار قرارات إعادة الاختبار، وأي إجراء يعود عليهم بالأموال”، مضيفة أنهم “يهتمون بهذه الأمور ويستعجلون عليها”.
تهديد
ومضت “خلود”، في حديثها لـ“بران برس”، قائلة: حتى إعلاناتهم التي تروج لتجديد مزاولة المهنة، يهددون فيها من لم يجدد مزاولة المهنة خلال فترة محددة؛ فستتعرض ملفاته للتلف”.
وأوضحت أن الهدف من هذا التهديد هو “إجبار الكوادر الصحية على دفع المال”، مستغربة أن تفرض هذه الجبايات رغم أن “تجديد مزاولة المهنة حق مجاني لكل خريج”.
وقالت إن “الأصل في تجديدها، تجديد المعلومات والمصادر العلمية والدراسات الحديثة، وليس التجديد بدفع المال، والأصل أن يتم تجديدها آلياً، لكنها سلطة جبايات، وتجميع أموال”.
توسيع الأوعية المالية
المصادر قالت إن اختبارات مزاولة المهنة، تشمل جميع التخصصات الطبية، وكل الدرجات والمستويات العلمية؛ وتشمل حاملي شهادات الدبلوم المتوسط والعالي، وحملة شهادة البكالوريوس، وشهادتي الماجستير والدكتوراه.
ورغم أهمّية هذه الاختبارات في تحديد كفاءة الملتحقين بالمهن الطبية، وتأمين سلامة المواطنين المحتاجين للرعاية الصحية، إلا أن المصادر أكّدت أن هدف الجماعة جباية الأموال، وتحقيق الثراء لقياداتها فقط.
وقالت المصادر الطبية إن الجماعة تجري أربعة اختبارات في السنة، كل ثلاثة أشهر اختبار، بما يمكنها من جني أموالاً كبيرة من حاملي الشهادات والدرجات العلمية كافة، فيما تفرض تجديد المزاولة كل سنتين.
وأضافت أن الجماعة تزيد رسوم المزاولة كلما زادت الدرجة العلمية، وكل ثلاثة أشهر تحقق أمولاً ضخمة تذهب إلى جيوب مشرفي جماعة الحوثي في المجلس الطبي، والتي تبلغ ملايين الريالات سنويًا.
أموال أكثر
بعد تحقيقها أموالًا طائلة من المجلس الطبي في صنعاء، قالت المصادر إن الجماعة ذهبت لافتتاح فروع ومراكز جديدة لاختبارات مزاولة المهنة في العديد من المحافظات ومنها محافظتي إب والحديدة.
وذكرت المصادر أن الجماعة أرسلت العديد من مندوبيها لجمع أكبر قدر ممكن من الأموال من جيوب الكوادر الطبية وكل منتسبي القطاع الصحي.
وأكّدت المصادر أن هدف هذه المراكز هو جني الأموال فقط. ووفق المصادر يتم هذا، تحت غطاء القانون، وشعار تسهيل عمل منتسبي القطاع الصحي، وتذليل الصعاب في طريقهم.
وفي 21 أغسطس/ آب 2024، أعلنت وزارة الصحة في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تدشين عمل المجلس الطبي الأعلى في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، بعد عام من قرار لمجلس القيادة الرئاسي بإعادة تشكيله.
ووفق وكالة الأنباء اليمنية سبأ (رسمية)، تسلّم وزير الصحة، قاسم بحيبح، من المجلس الطبي الأعلى وثائق الترخيص الطبي المهني ومزاولة المهنة له بعد تجديدها له كممارس صحي.
وخلال عملية التدشين، دعا الوزير بحيبح، منتسبي القطاع الصحي الحكومي والخاص لاستخراج بطاقة التوصيف المهني ومزاولة المهنة الجديدة من المجلس الطبي بعدن.
وقال إن “أمام المجلس مهاماً كبيرة منها معادلة الشهادات الطبية للكوادر الصحية، والعمل على رعاية حقوق المرضى من خلال الحرص على جودة المخرجات، والتعامل مع المرضى وفق أحدث الممارسات، من خلال المرخصين لذلك مهنياً”.
من جانبه، أكد رئيس المجلس الطبي الأعلى، الدكتور عمر زين، "جهوزية المجلس بكافة لجانه للبدء في استقبال الطلبات الخاصة للتصنيف المهني ورخص مزاولة المهنة. مشيرًا إلى أن المجلس سيتلقى الطلبات من القطاعين العام والخاص والكادر اليمني والأجنبي على حد سواء، ولكل التوصيفات المهنية المختلفة.
ولفت الدكتور عمر زين، إلى أن “المجلس الذي أنشئ بقرار جمهوري له جملة من الأهداف السامية في حماية حق المريض وضمان حصوله على خدمات صحية ذات جودة عالية”.
وفي 30 أغسطس/ آب 2023، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، قرارًا بإعادة تشكيل أعضاء المجلس الطبي من 15 عضوًا.