|    English   |    [email protected]

مناضل جسور وإداري ناجح.. ثلاث سنوات على استشهاد مدير مديرية حريب ناصر القحاطي

الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 |منذ شهر

برّان برس- خاص:

صباح الاثنين 20 سبتمبر/أيلول 2021، افتتح مدير عام مديرية حريب جنوبي محافظة مأرب، ناصر علي القحاطي، ثلاث مدارس ثانوية في مدينة حريب، ضمن مساعيه الحثيثة لتعزيز الخدمات، وفي مقدمتها التعليم.

في اليوم التالي، اجتاحت جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب مديرية عين، شمالي غرب محافظة شبوة، وبدأت التقدم نحو مديرية حريب المجاورة بهدف السيطرة عليها مجددًا بعد دحرها منها في مارس/آذار 2016.

وهنا لم يكن أمام “القحاطي”، إلا ارتداء ملابس الحرب وتقدم صفوف المقاتلين للتصدّي للهجوم الحوثي الذي حشدت له الجماعة كل مقدراتها، وألقت بثقلها في هذه المعركة لإعادة سيطرتها على أهم مديريات مأرب الجنوبية.

استبسل “القحاطي” ورفاقه في التصدّي لحشود الجماعة على أطراف المديرية. وبعد ساعات من المواجهة والصمود استشهد المدير القحاطي، بنيران مسلحي الحوثي في إحدى مناطق مديرية عين التابعة لمحافظة شبوة، الحدودية مع حريب، بعد ملحمة بطولية خاضها في الدفاع عن المديرية.

وهنا توقفت مسيرة “القحاطي” الوطنية والمهنية والمجتمعية في الذكرى السابعة لاجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء 21 سبتمبر/أيلول 2021، وتدشينها الحرب الشاملة في البلاد، لتتعطل معها كل مشاريع البناء والتنمية.

من هو القحاطي؟

ولد ناصر علي القحاطي الجناحي المرادي، في قرية "الصالبة" عزلة آل جناح بمديرية حريب، عام 1978.

ينحدر القحاطي من أسرة تتسم بالكرم والشهامة، وتهتم بالعلم وذات وجاهة. والده الشيخ علي القحاطي، أحد وجهاء قبيلة آل جناح مراد ومن وجهاء وأعيان حريب.

حرص والده على تعليم “ناصر”، الذي تلقى علومه الإبتدائية بعزلة آل جناح، ثم انتقل لدراسة الثانوية بمديرية الجوبة المجاورة، وفيها أكمل مرحلتي الإعدادية والثانوية العامة.

التحق بحلقات القرآن ومخيمات ومعاهد القرآن وعلومه خلال صيف كل عام دراسي. بعد إكماله الثانوية العامة التحق بجامعة صنعاء، وحصل على شهادة البكالوريوس في القرآن وعلومه.

تبنى العديد من الأنشطة التعليمية والمبادرات المجتمعية الخيرية بعد إكماله دراسته الجامعية، و كانت صفات القيادة مرافقه له منذ سن مبكر.

أدوار قيادية وثورية

بدأ حياته النضالية والعملية من العام 2005، حيث مثل محافظة مأرب في دورة القيادة التي أقامتها الحكومة اليمنية.

ترشح للانتخابات المحلية في دورتين انتخابيتين، وبات عضواً في المجلس المحلي بالمديرية في الفترتين 2001 و 2006.

في العام 2011، التحق بثورة الشباب الشعبية السلمية في جامعة صنعاء، وعاش معهم سنوات الثورة والشجاعة بكل تفاصيلها.

رافق الشهيد الفريق الركن عبدالرب الشدادي، وعمل ضمن القوات العسكرية لحماية المتظاهرين السلميين. حينها تعرض لإصابة خلال مشاركته في التصدي لهجوم مسلّح على المتظاهرين السلميين في جولة "كنتاكي" بصنعاء.

أدوار وطنية وبطولية

مع اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء، وزحفها نحو إسقاط باقي المحافظات وإعادة الحكم الإمامي في العام 2014، كان “القحاطي”، من أوائل المدافعين عن الجمهورية.

التحق بداية بالمطارح التي أقامتها “قبائل مأرب” بمنطقتي نخلا والسحيل شمالي غرب المحافظة، ومن ثم التحق بمطرح قبيلة مراد الذي أقامته بمنطقة “نجد المجمعة” التابعة لمديرية الجوبة جنوبي المحافظة، والذي أنشئ لمواجهة حشود جماعة الحوثي القادمة نحو مأرب من جهة محافظة البيضاء التي كانت قد سيطرة عليها.

مطلع العام 2015 شارك القحاطي، في معارك "قانية" جنوبي مأرب، والتي نجح خلالها رجال القبائل في كسر هجمات الحوثيين لاجتياح مأرب من الجهة الجنوبية، وذلك قبيل انطلاق عملية "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية لإسناد الحكومة اليمنية في مواجهة الانقلاب الحوثي.

في 27 مارس/آذار 2015 اجتاح الحوثيون مديرية بيحان التابعة لمحافظة شبوة، وتقدموا باتجاه مديرية حريب جنوبي مأرب، وكان “القحاطي” في مقدمة رجال المقاومة الشعبية الذين تصدّوا لهذا الهجوم.

وفي ابريل/نيسان 2015، تولى “القحاطي” قيادة المقاومة الشعبية في القطاع الجنوبي بمنطقة الجفينة جنوب مدينة مأرب، وشارك بفعالية في قيادة معارك التصدي للحوثيين حتى تم دحرهم في أكتوبر/تشرين الأول 2015.

وبعدها انتقل إلى قيادة قطاع نخلا شمالي غرب مأرب، وشارك في عمليات التحرير أواخر العام 2015 واستمر مطلع العام التالي حتى وصلت عملية التحرير إلى أراضي محافظتي الجوف وصنعاء.

تحرير وإدارة

في 19 مارس/آذار 2016، شارك في عملية تحرير مديرية حريب (مسقط رأسه)، والتي كانت عملية خاطفة تمكنت خلالها قوات الجيش والمقاومة من تحرير مديرية حريب بمأرب، وصولًا إلى تحرير مديرية عين بمحافظة شبوة المجاورة وأجزاء من مديرية عسيلان.

في العام ذاته، جرى تعيين “القحاطي” مديراً عامًا لمديرية حريب، ليبدأ مشوار الإدارة وأعمال التنمية والبناء وتوفير الخدمات حتى استشهاده في 21 سبتمبر/أيلول 2021.

إبان تعيينه مديرًا عامًا لحريب كانت المديرية تعيش وضعًا مأساويًا جراء سيطرة الحوثيين عليها، وتحويلها إلى خلفية لتعزيز معاركها التوسّعية.

وعمل بشكل حقيق لتفعيل المكاتب التنفيذية والإدارات، ونجح في توفير الخدمات للسكان خلال فترة وجيزة.

رمزًا للإدارة والبطولة

بعد استشهاده أصبح “القحاطي” رمزّا للبطولة في الدفاع عن الوطن والإدارة بعد التحرير. أكد العديد من أبناء حريب في أحاديث متفرقة لـ“بران برس”، أنه ضرب أروع الأمثلة لكل مسؤول في الدفاع عن جغرافيا سلطته وإدارته؛ فواجب الدفاع لا يستثني مسؤول عن المشاركة في حماية الأرض والإنسان والمكتسبات والدولة.

ومع حلول الذكرى الثالثة لاستشهاده، يقول مدير مكتب التخطيط بمديرية حريب، مبخوت مبارك العقيلي، لـ“بران برس”، إن “القحاطي كان لا يفوته شيء فيه مصلحة لمدينته، منذ أن تم تعيينه مديرًا للمديرية وهو لا يتوقف، لا يكل ولا يمل، ولا يهدأ له بال قبل أن يستنفد كل طاقته في خدمة المديرية التي ينتمي إليها بكافة عزلها وقراها”.

ويضيف: “كان وطنيًا من الطراز الأول، ولذلك فإنه لا يتوانى بأن يكون من أصحاب الصفوف الأولى في كل شيء، ولو كان في ذلك تقديم حياته ثمنًا لما يؤمن به وهو ما حدثˮ.

وقال إن “القحاطي كان ممن يؤثرون خدمة منطقته ووطنه على مصلحته الشخصية، وحقق الكثير من المشاريع لمديريته، واستفاد منها كثير من مواطنيه الذين كانوا يعولون عليه الشيء الكثير”.

نموذج تضحية وفداء

الشهيد ناصر القحاطي، هو شقيق الجريح المقعد “يحيى علي ناصر القحاطي” أحد ضباط قوات الأمن الخاصة وقائد الحزام الأمني لمدينة مأرب، والذي أقعدته إصابة تعرض لها خلال قيادته العمليات الأمنية في محيط المدينة.

وهو أيضًا شقيق الجريح "إبراهيم علي القحاطي"، الذي شارك ببسالة في التصدي لعدوان جماعة الحوثي على مأرب، وكان يخوض معارك الدفاع ببسالة عالية قبل أن يتعرض لإصابة بالغة أقعدته إلى جانب شقيقه “يحيى”.

وهو نموذج للتضحيات التي قدمتها أسرة الشيخ “علي القحاطي المرادي”، كأحد الأسر الماربية الجمهورية المخلصة لما تراه واجبًا يفرض على الجميع الوقوف والصمود والدفاع عن الأرض والعرض والمكتسبات الوطنية مهما كان الثمن.

إنجازات ومساهامات

وفق المعلومات التي حصل عليها “بران برس”، فقد عمل “القحاطي“ في مجال التعليم على “تأسيس صندوق التعاقد للمعلمين لعدد 350 معلماً ومعلمة، وتغطية كافة مدارس مديرية حريب بالمعلمين”.

إضافة إلى “إكمال العمل المتعثر في مدرسة الثورة منذ 2006، وفتحها أمام الطلاب في العام 2019”. وكذا “استكمال بناء فصول إضافية للمدرسة في 2021، واستكمال بناء مدرسة العادي وفتحها، وبناء 3 فصول لمدرسة الأمل، وبناء سور لمدرسة الخنساء”.

كما عمل على توفير حافلات نقل جماعي لنقل الطالبات الجامعيات من حريب إلى جامعة إقليم سبأ، من خلال استئجار حافلات وتوفير وقود لها وسائقين وصيانتها. وكذا المساهمة مع الجامعة في توفير حافلتين لنقل الطلاب الجامعيين من حريب. إضافة إلى استئناف العمل في المعهد الفني في حريب بعد سنوات من تعثره.

ساهم في رفع دعم مستشفى حريب العام، من مليون وثلاث مائة ريال شهرياً إلى 10 مليون ريال، واستعاد عدد من الكوادر الطبية في المستشفى بعد مغادرتهم خصوصاً في مجال الجراحة.  وسعى لتوفير دعم المنظمات الدولية لمستشفى حريب، ودعم النفقة التشغيلية للمستشفى. 

كما عمل على تفعيل دور الوحدات الصحية، من خلال توفير كادر ونفقة تشغيلية وإسعافات أولية، وصيانة عدد من الوحدات الصحية وإعادتها للعمل.

وكذا رفع وحدة الصالبة الصحية من وحدة صحية إلى مركز صحي. إضافة إلى بناء محارق للوحدات الصحية للتخلص من المخلفات والنفايات، وتوفير مواطير متنقلة بأحجام مختلفة لرش ومكافحة البعوض.

وإلى جانب هذا، تابع الجهات الصحية لتوفير الأدوية، خصوصاً المخصصة للأوبئة والحالات الطارئة والأمراض الدائمة. وعمل على توفير أجهزة ونقاط فحص حمى على مداخل المديرية إبان تفشي جائحة كورونا.

وفي مجال الصحة أيضاً، عمل على إعادة تأهيل مبنى مستشفى حريب العام، وإعداد دراسات لتوسيع مستشفى حريب العام ورفعها للجنة المناقصات.

وفي مجال الكهرباء، أسس محطة طاقة مشتراة خاصة بالمديرية بعد أن كانت مرتبطة بمديرية الجوبة، ورفع حصة المديرية من 4 جيجاوات إلى 10 جيجاوات، وعمل على متابعة المحافظة في توفير مادة الديزل للمحطة، وعمل على تفعيل عمل خطة الطوارئ في كهرباء المديرية.

وفي مجال المياه والصرف الصحي عمل على توفير منظومة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية لمشروع فرع مؤسسة المياه بمديرية حريب، وسعى لإضافة بئر ومنظومة طاقة كهربائية متكاملة، وخط ضخ لمشروع فرع مؤسسة المياه بمديرية حريب. وعمل على اعتماد وإنجاز مشروع الصرف الصحي لمدينة حريب.

كما عمل على صيانة خزان مياه الوسيعة والعادي وخبارة وإنجاز شبكة ضخ واسعة وكهرباء وغطاسة لكهرباء لبئر مشروع المياه لتلك المناطق. وكذا تجهيز مشروع مياه لعزلة معشراء بحريب، وبناء 200 وحدة صرف صحي لمعشراء أيضاً.

وفي مجال النظافة والأشغال عمل على إعادة تشغيل مكتب النظافة بالمديرية بعد توقفه لعدة لسنوات، وتوفير شاحنات ومستلزمات وشفاط مجاري وكادر وظيفي لصندوق النظافة بالمديرية.

وفي مجال الوقود، عمل على رفع حصة المديرية في مادة الغاز المنزلي، واعتمد عدة وكالات في أرياف المديرية لتغطية احتياج السكان وعمل على توفير مادة البترول وتنظيم عمليات صرف الوقود.

باتت مدرسة الثورة الثانوية بمدينة حريب، التي افتتحها قبل يوم من استشهاده تحمل اسمه، وأصبح رمزًا للمسؤولية، ومثالًا لما يتوجب أن يكون عليه كل مسؤول محلي لخدمة وطنه ومجتمعه والتضحية في سبيلهما.
 

مواضيع ذات صلة