|    English   |    [email protected]

"مسلخ صيدنايا البشري".. شاهد “سيء السمعة” على دموية نظام الأسد تخرج من أحشائه “قصص مرعبة” (تقرير)

الاثنين 9 ديسمبر 2024 |منذ أسبوع
صورة جوية لسجن صيدنايا صورة جوية لسجن صيدنايا

برّان برس - وحدة التقارير:

على بعد 30 كم شمال العاصمة دمشق، يقع أكبر السجون وأكثرها فظاعة ووحشية في سوريا، الذي يذبح فيه حزب البعث الحاكم أبناء شعبه بهدوء على مدى 38 عاماً منذ تشييده في 1987.

سجن صيدنايا واحداً من أكبر السجون في سوريا وأسوأها سمعة، إذ شكّل طيلة عقود مركز اعتقال للسجناء السياسيين، وتحول بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011 إلى معتقل للناشطين المعارضين، حيث شهد على تعذيب وإعدامات جماعية.

صباح الأحد، وبعد إعلان تحرير العاصمة دمشق وإسقاط نظام بشار الأسد، أفادت قوات المعارضة السورية، أنها تمكنت من مداهمة واقتحام سجن صيدنايا العسكري وتحرير كافة المعتقلين منه.

كما أظهرت مقاطع فيديو بثت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من غرفة مراقبة السجناء في السجن، وأخرى لخروج معتقلين ولقاءهم بذويهم.

 ونجحت قوات المعارضة السورية، فجر اليوم الأحد، في السيطرة على السجن وإطلاق سراح الآلاف من المعتقلين من الطوابق العلوية، لكن الطوابق السفلية الثلاثة، المعروفة باسم السجن الأحمر، والسجن الأبيض، والسجن الأصفر، لا تزال تحت الأرض ومعزولة عن الخارج، فيما يواجه المعتقلون فيها ظروفا مأساوية.

ورصد صحفيون خلال تجولهم داخل السجن غرف تعذيب وأخرى تحتوي على مشانق تحمل آثار دماء حديثة، كما وُجدت سجلات تُظهر أسماء المعتقلين، والتي يبحث الأهالي فيها عن ذويهم على أمل العثور على أي معلومات.

وكانت قد أعلنت قوات المعارضة، عقب تحرير حمص، في اليوم نفسه، تحرير أكثر من 3500 سجين من سجن حمص العسكري، كما أعلنت تحرير المئات من سجن حماة وذلك عقب تحريرها.

خلال الأيام الماضية، ومع إعلان قوات المعارضة السورية عملية “ردع العدوان” في 27 نوفمبر 2024، وحتى تطويق العاصمة دمشق، تصدر الحديث عن سجن صيدنايا العسكري، المعروف بـ"المسلخ البشري"، ومصير المعتقلين فيه، مواقع التواصل الاجتماعي.

قصص مروعة

وتصدر هاشتاق #صيدنايا_العسكري، و #سجن_صيدنايا منصة "إكس"، حيث نُشرت العديد من قصص الناجين من السجن وصور من لا يزالون معتقلين منذ عشرات السنين.

في هذا السياق، رصد “بران برس” العديد من القصص المروعة التي رواها ناجون من سجن صيدنايا، بالإضافة إلى آراء دونها كتاب وناشطون حول هذا السجن الذي يُعد الأسوأ سمعة والأكثر دموية في سوريا.

بداية من الإعلامي السوري فيصل القاسم الذي وصف" سجن صيدنايا بـ"جريمة العصر الأسدية"، مشيراً إلى إعدام 13 ألف معتقل على يد مخابرات الأسد في هذا السجن.

الناشط السوري عمر مدنية كتب: "إخواننا وأخواتنا في سجن #صيدنايا يا وجع القلب.. قد يكون يوم التحرير قريب، وقد تكون دعوة من أحدكم في عتمة الليل قد استجاب الله لها، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب".

عبدالرحمن الكسار، الناشط اللبناني، قال في تدوينة على "إكس": "ستكون لحظة خلع أبواب سجن صيدنايا من أعظم لحظات القرن الـ21".

أما الناشط السعودي فارس العمري، فقد وصف سجن صيدنايا بأنه "يختلف عن تلك السجون التي سمعت بها، لأنه ببساطة عبارة عن تابوت ومركز لتحنيط الأحياء والأموات... تستعمل فيه أغرب وأبشع أساليب التعذيب".

وكتب آخر يصف سجن صيدنايا قائلا "هذا كابوس وبيت الرعب الذي أسس لسلخ البشر أصحاب الفكر والوعي، هذا السجن مشهور بالوصف الدقيق الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود".

وذكر مدونون أن في سجن صيدنايا أو المسلخ آلاف المعتقلين السياسيين والمفكرين السوريين الذي اعتقلهم نظام الأسد منذ 40 عاما لم يروا فيها الشمس، ولا يعرف أحد عنهم شيئا.

المسلخ البشري

وفي أغسطس/آب 2017، وصفت منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا بـ “المسلخ البشري”، موثقة إعدامات جماعية سرية شنقاً بحق 13 ألف معتقل بين عامي 2011 و2015، معظمهم من المدنيين المعارضين.

وقدرت المنظمة عدد المعتقلين في السجن بين 10 آلاف و20 ألف شخص، مشيرة إلى أن سجن صيدنايا هو المكان الذي تقوم فيه الدولة السورية بذبح شعبها بهدوء.

منذ بدء الثورة في سوريا عام 2011، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 310 آلاف شخص، يتهم النظام السوري بارتكاب “جرائم حرب”.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوجد أكثر من 200 ألف شخص بين معتقل ومفقود في سجون النظام منذ عام 2011 حتى 2017.

الإنشاء والتحصين

يقع السجن قرب دير صيدنايا المسيحي التاريخي على بعد 30 كيلومترا شمال العاصمة دمشق، بني عام 1987، وينقسم إلى جزأين، يُعرف الجزء الأول بـ"المبنى الأحمر"، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين، أما الثاني فيعرف بـ"المبنى الأبيض"، وهو مخصص للسجناء العسكريين.

توجد العديد من السجون في سوريا، خاصة في العاصمة دمشق، حيث لكل محافظة سجنها المركزي الخاص، ولكن السجون الأكثر فظاعة هي تلك التي تتبع الأجهزة الأمنية، والتي يبلغ عددها عشرة سجون أبرزها سجن صيدنايا

يعد من أكبر سجون سوريا، عُرف منذ تشييده عام 1987 بأنه سجن عسكري يضمّ آلاف الجنود والضباط المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية، لكنه في الواقع كان معتقلا لمئات من السياسيين السوريين والعرب، أغلبيتهم الساحقة من الإسلاميين.

تصميم صيدنايا

يتميز بتصميم فريد يجعله أحد أشد السجون العسكرية تحصينا، ويتكون من 3 مبان كبيرة تلتقي في نقطة يطلق عليها “المسدس”.

يتكون كل مبنى من 3 طوابق لكل منها جناحان، ويحتوي الجناح الواحد على 20 مهجعا جماعيا بقياس 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضا، تتراص في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل 4 منها في نقطة تهوية واحدة.

نقطة المسدس هي منطقة تلاقي المباني الثلاثة، وهي النقطة الأكثر تحصينا في السجن، توجد فيها الغرف الأرضية والسجون الانفرادية.

وفيها كذلك حراسات على مدار الساعة لمراقبة المساجين ومنعهم من مشاهدة أي ملمح من ملامح بناء السجن أو وجوه السجّانين.

كشف تقرير صدر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا عن 3 مستويات تمر بها المنظومة الأمنية للسجن، إذ تعتبر الشرطة العسكرية (الفرقة الثالثة للجيش السوري) هي خط الدفاع الأول لحماية الجدران الخارجية من التهديدات الأمنية ومنع هروب المعتقلين.

كما تتولى وحدات من اللواء 21 التابع للفرقة الثالثة تأمين الجزء الداخلي من السجن ومراقبة وتأديب المعتقلين، ويحيط بالسجن حقلا ألغام، داخلي وخارجي، أحدهما مضاد للأفراد والآخر مضاد للدبابات.

وتوجد أيضا وحدة معينة مختصة بمراقبة الاتصالات الأرضية واللاسلكية الواردة إلى السجن والصادرة منه، إضافة إلى جميع الاتصالات اللاسلكية القريبة.

المعتقلون

كان سائدا أن يفرز المعتقلون داخل أقسام سجن صيدنايا حسب التهم السياسية الموجهة إليهم، فكان يضم معتقلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وحركة التوحيد الطرابلسية.

كما ضم السجن معتقلين لبنانيين من أطراف عدة غير موالية لسوريا، وفلسطينيين متهمين بأن لهم علاقة جيدة مع المعارضة السورية، ومعتقلين شيوعيين ومن الأحزاب الكردية على اختلافها، إضافة إلى بعض العسكريين السوريين.

بدأ سجن صيدنايا منذ غزو العراق عام 2003 باستيعاب المتطوعين العرب العائدين من القتال في العراق وأعضاء تنظيم القاعدة.

وضم كذلك أشخاصا من تيار “السلفية الجهادية” والتنظيمات الإسلامية الصغيرة غير المعروفة، إضافة إلى الفارين من أحداث مخيم نهر البارد في لبنان، وشيئا فشيئا تحول إلى "سجن للجهاديين" بسبب ارتفاع أعداد المعتقلين العائدين منهم من العراق.

ماذا تعرف عن غرف الملح؟

هي غرف تمتلئ أرضيتها بالملح بارتفاع نحو 20 إلى 30 سنتيمترا، وتستخدم لتعذيب المعتقلين نفسيا، كما توضع فيها جثث المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب أو التجويع.

ويُكتب رقم على كل جثة، وتوضع في الملح مدة 48 ساعة، ثم تنقل إلى مشفى تشرين العسكري بسيارة نقل المعتقلين لمعاينة الجثة وإصدار شهادة وفاة، ثم تُرسل إلى فرع السجون في الشرطة العسكرية ثم إلى المقابر الجماعية.

تغيرت قليلا حياة مساجين صيدنايا أثناء فترة تولي عقيد يدعى لؤي يوسف الإدارة العامة للسجن، إذ وُصف بأنه شخص "متفهم ومنفتح" وحاول تغيير السياسة العامة للسجن، فقد سمح لعائلات المساجين بالزيارات.

وكان يقابل المساجين شخصيا ويتجاذب معهم الأحاديث، ووعد بتحسين المعاملة داخل السجن، فكان أحد أبرز قراراته دمج المساجين في الغرف والمهاجع دون النظر إلى التهمة السياسية الموجهة ضدهم.

وقد جمع عددا من "الإسلاميين المتشددين" مع آخرين متهمين بالتجسس لصالح إسرائيل، الأمر الذي ولّد توترا بين المساجين، وأسفرت عنه جريمة قتل نهاية 2005.

دخل سجن صيدنايا مرحلة جديدة من الشدة والحزم، وفُرضت عقوبات مغلظة بحق الإسلاميين فيه، وجرى تعيين مدير جديد يدعى علي خير بيك رفع حدة الإجراءات القمعية والعقوبات، أبرزها قطع التيار الكهربائي عن كامل السجن لأشهر عديدة.

وفي مارس/آذار 2008 فوجئ سجان بوجود خط كهرباء داخل أحد المهاجع، وأثناء محاولة معرفة مصدره أتى مدير السجن وبدأ بتعذيب رئيس جناح كل مهجع ومن بعده باقي السجناء، كما أرسل الكثير من المساجين إلى زنازين العزل الانفرادي.

نجح أحد المساجين بالهرب من أيدي معذبيه وساعده مساجين يقفون بجانبه، وبدأت حالة اشتباك بينهم وبين السجانين، وفتحت أبواب الزنازين وخرج الوضع عن السيطرة.

وأظهرت أوراق التحقيق أن التمرد تزامن مع استعدادات دمشق لاستضافة مؤتمر القمة العربية في 29 من الشهر نفسه، وحاولت السلطات تدارك الأمر دون لفت الانتباه، إذ وصل عدد من قادة الأجهزة الأمنية إلى صيدنايا لاستيعاب الموقف وطلبوا الاجتماع بمندوبين عن السجناء.

وسرعان ما توصلوا إلى اتفاق لإنهاء التمرد شمل إنهاء الإجراءات التعسفية التي مارسها علي خير بيك على السجناء، وفتْح الزيارات، وتحسين ظروف الاعتقال وإعادة النظر في المحاكمات.

وافقت الدولة على مطالب السجناء، وهكذا انتهى ما صار يعرف بالتمرد الأول الذي استمر يوما واحدا فقط، ثم دخل الاتفاق بين الدولة والسجناء حيز التنفيذ.

عصيان لأشهر عدة

لاحقا، عمّت أرجاء السجن حالة عصيان وفوضى وعدم انضباط للسجناء استمرت أشهرا عدة حتى فجر يوم 5 يوليو/تموز 2008 عندما قررت السلطات تحويل صيدنايا إلى سجن تأديبي.

بدأ عناصر الشرطة بتنفيذ إجراءات عقابية تعسفية، الأمر الذي أدى إلى انتفاضة المساجين، واستطاع أحد السجناء الالتفاف وراء الباب، ثم احتجز عددا من الجنود والضباط بمساعدة زملائه.

وفورا استنفرت الدولة وضربت طوقا أمنيا وعسكريا حول السجن، وبدأ إطلاق الرصاص والغاز المدمع بشكل عشوائي، بعدها استدعي مئات العناصر من قوات حفظ النظام والتدخل السريع التي حاولت تخليص أفراد الشرطة العسكرية لكن دون جدوى.

عُزِل علي خير بيك وعُيّن مدير جديد للسجن وهو العميد طلعت محفوظ الذي كان مديرا لسجن تدمر سابقا، وحاولت الدولة احتواء الموقف فأرسلت إلى الرئيس السوري بشار الأسد مندوبا شخصيا عنه لحل الأزمة وهو اللواء منير أدانوف أحد رجالات الحكومة البارزين.

شكلت لجنة لتمثيل السجناء تكونت من 6 أشخاص لحل أزمة السجن والحد من إهدار الدماء، وتم الاتفاق على تسليم دفعات من الشرطة مقابل إخلاء الجرحى والمصابين من السجناء إلى المستشفى العسكري.

لكن السجناء الذين نقلوا إلى المستشفى تعرضوا لجولات من التعذيب والاضطهاد حتى أن عددا منهم قتلوا تحت التعذيب، وخلال أيام عدة سلّم السجناء جميع أفراد الشرطة المحتجزين، ولكن بقي السجن في حالة استنفار، واستمر الطوق الأمني حوله.

الحل الأخير

استمرت هذه الأزمة أشهرا عدة، ولكن طبقت الدولة حصارا كليا على السجن لأسابيع عدة بقطع المواد الغذائية عنه ثم الماء والكهرباء.

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2008 بدأت المرحلة الأخيرة والأصعب، إذ أرسلت الدولة عددا من الرافعات وسيارات الإطفاء التي أحاطت بالسجن، واعتلى القناصة تلك الرافعات وبدأت عملية استهداف المساجين أينما كانوا.

حاول المساجين حفر نفق للنجاة بأرواحهم ولكن باءت المحاولة بالفشل، وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 قررت الحكومة السورية إخلاء سجن صيدنايا ونقل المعتقلين إلى سجن عدرا المدني.

أخلي السجن بالكامل ما عدا 20 شخصا رفضوا الخروج، ولكن بعدما مشطت الدولة السجن قتلت عددا منهم واعتقلت الآخرين، عندها انتهى العصيان الذي استمر نحو 9 أشهر متواصلة، ولاحقا استدعي أكثر من 100 شخص للتحقيق بتهمة قيادة التمرد وعرضوا على محكمة أمن الدولة فحكمت على 6 منهم بالإعدام، ونتيجة لهذه الأحداث أصبح صيدنايا يعرف بـ"السجن الأحمر".

مواضيع ذات صلة