أعد التقرير لـ"برّان برس" - عمار زعبل:
مع إعلان المعارضة السورية فجر الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، السيطرة على العاصمة دمشق، اتجهت الأنظار إلى مصير الرئيس "بشار الأسد"، وعن الدولة التي سيلجأ إليها، ولم تخرج التكهنات عن روسيا وإيران كونهما الحليفين الاستراتيجيين للنظام السوري منذ عقود.
في وقت لاحق الأحد، كشفت وكالة الأنباء الروسية "تاس" عن مصدر في الرئاسة الروسية "الكرملين"، إن الرئيس السوري السابق بشار الأسد، موجود في العاصمة موسكو، وحصل على "حق اللجوء" في روسيا.
ووفق الوكالة، وصل الأسد وأفراد عائلته إلى موسكو، بناء على اعتبارات إنسانية، ومُنح لهم حق اللجوء".
لماذا روسيا؟
حول أسباب اختيار "الأسد" لروسيا بدلاً عن إيران، قال الباحث في المركز الشرق أوسطي للأبحاث جامعة كولومبيا، الدكتور "عادل دشيلة"، إن اختيار الأسد لروسيا، لكونها دولة عظمى ولأنها دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
وأضاف الباحث دشيلة، لـ“بران برس”، أنه في حال تلّقت روسيا لاحقاً لضغوطات من أجل تسليم الأسد، قد ربما لا تسلمه سواء لمحكمة الجنايات الدولية، أو للمحاكم السورية الداخلية.
من جانب آخر، يعتقد "دشيلة"، أن "روسيا" هي من أمّنت خروج الأسد من سوريا، وهذا "يجعله في مأمن من أي استهداف"، وبرأيه فإن إيران مخترقة باتت دولة "إقليمية هشة"، وسيكون الأسد فيها غير قادر على العيش فيها.
واستطرد قائلًا: "إيران ليست دولة قوية، فهي قد تتخلى عنه في أي لحظة، خصوصاً أنه متهمٌ بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني لقتل عدة قادة إيرانيين من الحرس الثوري خلال مكوثهم في دمشق، وذلك في المرحلة السابقة".
لا أمان في إيران
الباحث دشيلة، لفت أيضًا إلى اتهامات إيرانية للأسد بأنه متواطئ ويعطي الإحداثيات أو ما شابه ذلك مع الكيان الصهيوني لضرب لقادة إيران، ولهذا “إيران ليست خياراً جيداً بالنسبة له على المستوى الشخصي على المستوى السياسي والأمني”.
وأضاف أنه “حتى على المستوى الاقتصادي للأسد ليس آمناً”، مبينًا أن “لديه أموال قام بتهريبها لذا كان خيار اللجوء إلى روسيا بالنسبة له هو أفضل الخيارات”.
تهرّب قانوني
سخر الدكتور دشيلة، في حديثه لـ برّان برس"، من تصريحات الخارجية الروسية التي قالت إنها منحت الأسد وعائلته لجوءاً إنسانياً.
وقال: “بعد المجازر سموه باللجوء الإنساني مع أنه حماية لرئيس دولة، معتبراً "اللجوء الإنساني هو من أجل التهرب القانوني مستقبلاً”. مضيفًا أنه “لا يستطيع الجزم بأن الرئيس السابق بشار الأسد سيخضع لمحاكمات عادلة، لكن ربما قد يجري حوار حول مستقبله السياسي خصوصًا إذا وقعت تفاهمات بين الحكومة السورية القادمة وروسيا”.
وحتى الآن، قال إنه “لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمستقبل الرجل من حيث تسليمه، أما بالنسبة لمستقبله السياسي فقد انتهى”، مبينًا أنه “تسليمه للقضاء أو محاكمته أو حتى استرداد الأموال متروك للأيام القادمة”.
منفذ وحيد
من جانبه، قال الباحث اليمني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية الدكتور علي الذهب، إن "روسيا" مثّلت المنفذ الوحيد لخروج بشار الأسد من سوريا.
وأضاف الباحث الذهب، لـ“برّان برس”، إن “روسيا هي الأكثر موثوقية ولها صداقة تاريخية مع نظام الأسد، الابن والأب، وفي نفس الوقت روسيا لها قاعدة في طرطوس”. إضافة إلى أن “تسليح سوريا أكثره روسي، يعني أن هناك علاقات متجذرة، بين النظامين”.
وتساءل أين كان سيذهب الأسد؟، مجيبًا أنه “لا توجد أي دولة عربية بإمكانها استقباله”. كما أنّ “إيران لم تعد صالحة لأن يلجأ إليها”.
وعبر التاريخ، قال إنه “لم يلجأ أي زعيم عربي إلى طهران مهما كانت علاقاته قوية معها”.
ورقة سياسية
وبالنسبة لروسيا، قال الباحث الذهب، إنها “تريد أن تستفيد من وجود الأسد لديها، كورقة سياسية”.
وبرأيه فإن “الأزمة السورية ما تزال مفتوحة على مصراعيها”، معتقداً أن “موسكو لن تفرط بهذه الورقة في إطار نفوذها إلى المياه الدافئة أي إلى البحر المتوسط”.
وأضاف الذهب في حديثه لـ“بران برس”، أن “هناك ملفات مفتوحة ما تزال مفتوحة لدى روسيا، منها الحرب الأوكرانية، والنفوذ الأمريكي والتدخل في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط”.
كما أن “الأزمة السورية هي إحدى الأوراق التي يستخدمها الغرب في مواجهة روسيا والعكس”، وفق الذهب.
تحالف تاريخي وخيار استراتيجي
من جانبها، ترى الباحثة في المركز العربي في واشنطن، أفراح ناصر، ترى أن اختيار الأسد موسكو لتكون له منفى بدلاً عن إيران، أن ذلك يرجع للتحالف التاريخي بين سوريا والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وهو ما عزز حينها العلاقات العسكرية والتعليمية والثقافية بين البلدين.
وأضافت أفراح ناصر، في حديثها لـ“بران برس”، أن “روسيا برزت كداعم قوي لنظام الأسد، وذلك خلال الحرب الأهلية السورية (في إشارة إلى الأحداث التي مرت بها سوريا بعد العام 2011، وصولاً إلى التدخل الروسي لمساندة نظام الأسد).
وهذا برأيها “جعل من روسيا ملاذاً موثوقاً للنخب السورية ككل من حلفاء النظام”. وإضافة إلى ذلك، قالت إن “تركيز موسكو على حربها في أوكرانيا وتراجع نفوذ حلفاء إيران في المنطقة، لا سيما انتكاسات حزب الله الأخيرة، أدى إلى تقليص خيارات الأسد، مما جعل روسيا الخيار الأكثر استراتيجية.”
خوف وفتور
من جهته، يرى الصحفي والباحث عدنان الجبرني، لجوء رأس النظام السوري إلى روسيا، بأنه عائد إلى خوف “الأسد” من أن الحبل الذي التف على رقبته، سيلتف حول “محور المقاومة” بكامله بما فيه إيران (قائدة المحور).
وقال الجبرني، لـ“بران برس” إن “الأسد يرى أن الدور سيأتي على إيران فلذلك فضل روسيا”. كما أن هذا الاختيار “يعكس حالة الفتور أو عدم التطابق في السياسيات أو وجهات النظر بينه ونظام إيران في الفترة الأخيرة”.
ويعتقد الباحث الجبرني، أن “الأسد قد يكون خائفاً من تصفيته في طهران كون النظام فيها يريد إغلاق هذه المرحلة”.