برّان برس - وحدة التقارير:
"خلّد البطل الجسور سيرةً عسكرية وتجربة مهنية واحترافية وقصة إلهام وطني، ستتذكرها الأجيال بفخر، وبرز كفارس مقدام وضابط مثالي وجندي ملتزم وقائد أمين متجدد، ترك سمعته الطيبة في كل المواقع والميادين التي تنقل فيها، مجسداً شرف العسكرية ومبادئها وقيمها وانضباطها محارباً من أجل الدولة ونظامها الجمهوري في وجه المليشيات الإيرانية منذ بداياتها بعقيدة وطنية جمهورية صلبة".
بمثل هذه الكلمات نعت وزارة الدفاع في الحكومة اليمنية المعترف بها، في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2021، استشهاد اللواء "ناصر الذيباني"، رئيس هيئة العمليات الحربية، التي قالت إنه "استشهد وهو يؤدي واجبه الوطني والقتالي ويقود معارك التصدي للحوثيين، في أطراف محافظة مأرب شمالي شرق اليمن".
الدفاع اليمنية بذلك لخصت حكاية "قائد" في الجيش اليمني، رفض الاستسلام أو التسليم بالواقع، الذي تشكل أواخر العام 2014، وما شهده من انقلاب على الدولة والمؤسسات وأولها المؤسسة العسكرية، فذهب كما يقول بيان نعيه، إلى نداء الواجب، فكانت له وقفات عظيمة، وبصمات خالدة في اعادة بناء القوات المسلحة وبدأ من صحراء الربع الخالي في وضع النواة الأولى لاعادة تشكيل هيئات ودوائر الجيش ووحداته وقيادته ومناطقه.
منذ تلك اللحظة الفارقة في تاريخ اليمن الحديث، كان اللواء الذيباني يضعُ نفسه بين الكبار، وهو الضابط الرفيع القادم من الأكاديمية العسكرية، ومن الميدان أيضاً، مستكملاً ما بدأه الأحرار اليمنيون ذات يوم، ممن ثاروا على الإمامة، بعد أن عرفوا خطرها، وهو ما وقر في قلب وذهن الذيباني الذي أقسم على منازلة وقتال النسخة الجديدة من الإمامة ولعلها الأخيرة، حتى لفظ أنفاسه وهو مضرج بدمه ومعفر بتراب وطنه الذي قدسه ووهب حياته من أجله.
ولجلده وصبره ومعاركه، التي تجاوزت المئات، بدءاً من أطراف مأرب، وصولاً إلى تخوم صنعاء في نهم وخولان، وفي الجوف والبيضاء، مقاتلاً ومعايشاً لجنوده ومخططاً وإدارياً، وصاحب تكتيك قتالي، وقبل ذلك شجاعة وإقداماً وإصراراً وإيماناً بالقضية الوطنية العادلة، وعقيدة قتالية لا تتزعزع، تحول "الذيباني" إلى رمز جمهوري وبطل لا يمكن إهماله، حينما يتحدث أحد عن الجمهورية وحماتها، وعن القوات المسلحة بكل قادتها وأبطالها وشهدائها.
يؤكد ذلك، أنه مع مرور 4 سنوات من استشهاده، فإنه ما زال يمثل قيمة لكل جندي أو ضابط رافقه أو قاتل معه في أي جبهة قتالية، حيث واصل الرجل شق طريقه إلى المجد، كأحد القادة الاستثنائيين، الذين لم يعرف الاستسلام إليهم طريقاً، فعاش متحفزاً، وبعد رحيله ها هي سيرته ما زالت هي الأخرى تحفز كل من يريد مواصلة المشوار، مشوار النضال حتى استعادة مؤسسات الدولة وتخليص اليمنيين من شر الحوثيين ومشروعهم التدميري.
من هو الذيباني؟
ولد "ناصر علي عبدالله صالح الذيباني" المعروف بـ "أبو منير" في العام 1968 بمديرية الرضمة، محافظة إب، (وسط اليمن)، وفيها تلقى تعليمه الابتدائي ثم الأساسي في دولة الكويت، ليعود مستكملاً دراسته الثانوية في مدينة النادرة في المحافظة ذاتها.
مشواره العسكري
في العام 1986، بدأ مشواره العسكري ملتحقاً بالكلية الحربية، بالتزامن مع دراسته في جامعة صنعاء، ليواصل تدرجه في السلك العسكري، حتى حصوله على درجة الماجستير من كلية القيادة والأركان بجمهورية السودان.
وهو ما يشير إلى أن للشهيد الذيباني اهتمامه بالتحصيل العلمي والعسكري متوجاً مشواره بشهادة الزمالة من الأكاديمية العسكرية في صنعاء كلية الدفاع الوطني، لرسالته الموسومة بعنوان (التدخل الإيراني في المنطقة العربية وخطره على الأمن القومي اليمني والعربي واستراتيجية مواجهته).
المهام والمناصب
أما عن مهامه فبعد تخرجه من الكلية الحربية، انتقل للعمل في الشرطة العسكرية وتدرج في المناصب حتى شغل منصب قائد سرية ونائب القائد للشؤون الفنية، ولاحقًا، عمل في مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة ومن ثم في الاستخبارات العسكرية.
وفي سيرته تولى العديد من المناصب القيادية منها، رئيساً لأركان حرب اللواء 31 مدرع في عدن، وقائدا للواء 130، وقائد جبهة صرواح، وقائد اللواء 133، فمديراً لدائرة العمليات الحربية، ثم قائداً للمنطقة العسكرية السابعة.
ومن مهامه، أن تقلد نائباً لرئيس هيئة العمليات الحربية، وبعدها قائداً للمنطقة العسكرية الثالثة، ثم رئيساً لهيئة العمليات الحربية، كأرفع منصب تقلده حتى استشهاده.
الدورات والأوسمة
إلى ذلك للقائد الشهيد الذيباني مشاركات عدة في الدورات التدريبية، وهي: "دورة قادة سرايا، دورة قادة كتائب في معهد المشاة (معهد الثلايا) في عدن، دورة قادة كتائب في قوات الأمن المركزي سابقاً، دورة ضباط الحرس الجمهوري (أول دورة)، دورة صاعقة، دورة مظلات، دورة أمن وحماية، دورات في حقوق الإنسان.
أما عن الأوسمة، حصل "الذيباني" على وسام الواجب عام 1994، بالإضافة إلى العديد من الشهادات التقديرية من رئيس الأركان والوحدات العسكرية.
المعركة الأخيرة
في أحد أحاديثه الصحفية، يقول أبو منير، "واجبي يفرض أن أكون مع كل جندي وكل مقاتل في الصف الأمامي، لقيادة المعارك، والمشاركة فيها وليس للاستطلاع فقط، نحن نتواجد في المواقع الأمامية حين يتطلب الأمر، مثلما نتواجد في غرف القيادة للإشراف والمتابعة".
وهو العهد والوعد الذي ظل عليه حتى معركته الأخيرة مع أنه يستطيع وفق منصبه أن يكون بعيداً عن أزيز الرصاص يدير المعارك عن بعد إلا أنه آثر إلا أن يكون وسط جنوده، خاصة مع احتدام المعارك أطراف مأرب حينها، والتي رمت إيران بثقلها كله من أجل دخول مأرب، إلا أن الذيباني ومن معه أوقفوا ذلك الزحف، في معركة سميت معركة القادسية الثانية ".
حيث قاد الذيباني معركته الأخيرة بشراسة أرعبت جحافل الحوثيين وإيران، ليحقق نصرًا كبيرًا مجبراً تلك الجحافل على التشرد في الشعاب مهزومةً لا ترى غير نيران الأبطال تدك صفوفهم وتمزقها.
قائد فذ
وبذلك سجل "الذيباني" بدمه السطر ما قبل الأخير في ملحمة الانتصار لليمنيين، كقائد يماني صلب، فـ"فقدت المؤسسة العسكرية برحيله قائداً فذاً مخلصاً لوطنه ومعركة اليمن والعرب المصيرية"، وفق ما جاء في برقية عزاء من رئيس الجمهورية السابق "عبدربه منصور هادي".
وفي برقيته قال "هادي": "لقد كان اللواء الذيباني في مقدمة الصفوف متسلحا بشجاعته وإيمانه الجمهوري بضرورة القضاء على المشروع الإيراني الطائفي المتمثل في ميليشيا الحوثي الانقلابية.. كان صلبا متماسكا مجسدا للشجاعة في انقى صورها".
أما نائب رئيس الجمهورية السابق الفريق الركن علي محسن الأحمر فقد رأى فيه أنه أحد "القادة الأوفياء الذين تنبهوا لخطورة المشروع الإيراني الفارسي وذراعه الحوثي الخبيث في بلادنا منذ وقت مبكر".
وقال في تعزيته: "إن الذيباني قاوم بشراسة وصلابة هذه الشرذمة الحوثية الخبيثة، وشهدت له بذلك كل مواقع الفداء في طول البلاد وعرضها"، مؤكداً أن "رحيل القادة الشجعان مثل اللواء الذيباني يثبت عدالة قضيتنا ويبعث روح المقاومة والشجاعة في نفوس الأجيال".