|    English   |    [email protected]

“بران برس” يسلط الضوء على العادات والطقوس الرمضانية اليمنية التي غيبتها الحرب والتكنولوجيا (تقرير)

الاثنين 10 مارس 2025 |منذ 8 ساعات
بران برس بران برس

أعد التقرير لـ“بران برس” - خديجة خالد:

اعتاد اليمنيون على استقبال شهر رمضان، قبل قدومه بتزيين المنازل، وشراء المستلزمات الغذائية الخاصة، إضافة إلى التفرّغ لإحياء لياليه بأنواع العبادات والأذكار والطقوس والعادات التي توارثوها جيلًا بعد جيل.

إلا أن هذه العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية تأثّرت بفعل الحرب المستمرّة منذ 10 سنوات، وما أحدثته من تحديات أمنية ومعيشيّة أضرّت بغالبية اليمنيين ودفعتهم إلى شفا المجاعة، فقلّصت بعضها وألغت البعض الآخر، بدءًا من مراقبة هلال رمضان والترحيب به وصولًا إلى مراقبة ليلة القدر وتوديع الشهر الفضيل. 

كما أن التكنولوجيا ألقت بظلالها هي الأخرى على بعض من الطقوس الرمضانية التي كانت معتادة ف اليمن.

طقوس وأسمار

دأب اليمنيون على استقبال شهر رمضان، من قبل حلوله بأيام، سواء من خلال تنظيف المنازل وتهيئتها للأجواء الرمضانية الروحانية بالزينة والمستلزمات، أو من خلال إشعال النيران وترديد الأهازيج وتبادل التهاني والتبريكات مع ظهور هلال الشهر الكريم.

وإضافة إلى ذلك، يتم الإعداد للمبادرات والفعاليات الاجتماعية والإنسانية كإفطار الصائمين أو مساعدة المحتاجين أو غيرها من صور التكافل الاجتماعي والتي ما تزال صامدة رغم تداعيات الحرب المدمّرة.

بعد الإفطار وأداء صلاة التراويح، كانت الأحياء اليمنية تشهد أهازيج شعبية رمضانية، حيث يجتمع الشباب والكبار في الأزقة ويتبادلون الأهازيج والمساجلات الشعرية. إلا أن هذه التجمّعات تقلّصت بفعل الحرب.

يقول محمد القوس، وهو مهتم بالعادات والتراث اليمني لـ“بران برس”: إن الأهازيج الرمضانية والسمر الليلي كانا جزءًا أصيلًا من التراث الثقافي والاجتماعي في الأحياء اليمنية، حيث كانت الشوارع تضج بالحياة بعد صلاة التراويح، ويتبادل الشباب والكبار الأهازيج والمساجلات الشعرية التي تعكس روح التآخي والفرح في رمضان”. 

وعبر عن أسفه أن “الحرب المستمرة تسببت في تراجع هذه العادات العريقة، حيث خيم الخوف على الأحياء، وأصبح الناس يتجنبون التجمعات خوفًا من القصف أو الاعتقالات”. 

ومع ذلك، قال: “يبقى الأمل في أن يعم السلام، وتعود هذه التقاليد التي تعبر عن الهوية اليمنية الغنية إلى سابق عهدها”.

المدفع وليلة القدر

مدفع رمضان كان تقليدًا قديمًا في اليمن، كما هو الحال في العديد من الدول الإسلامية، حيث كان يُستخدم للإعلان عن موعد الإفطار خلال شهر رمضان، لكن هذه العادة اختفت تقريبًا لأسباب متعددة.

 دعاء الواسعي، مهتمة بالتراث والعادات تقول لـ“بران برس”، إنه “مع انتشار الهواتف الذكية والتطبيقات والقنوات الفضائية أصبح معرفة أوقات الإفطار والسحور سهلة عبر الإشعارات والتنبيهات مما قلل الحاجة لاستخدام المدفع”.

وبالإضافة إلى ذلك، ترى "الواسعي"، أن “للتغيرات الاجتماعية والثقافية دوراً بارزاً في التأثير على العادات والتقاليد”. مضيفة أن “بعض العادات التقليدية تأثرت بالتغيرات الاجتماعية ونمط الحياة الحديث، وأصبح الاعتماد على الوسائل الحديثة أكثر انتشارًا من المظاهر التراثية”.

مع ذلك، قالت إنه “لا يزال مدفع رمضان حاضرًا في بعض الدول كرمز تراثي يتم تشغيله في المناسبات الرسمية، لكنه في اليمن أصبح جزءًا من الذاكرة الشعبية أكثر من كونه ممارسة حية”.

الناشطة “أمل محمد”، تحدثت لـ“بران برس”، عن الطقوس اليمنية المتعلقة بليلة القدر وتحديدًا ليلة الـ27 من رمضان.

وأوضحت أن “ليلة 27 رمضان كان يحتفل بها في بعض المناطق بطقوس خاصة مثل الألعاب النارية والتجمعات، لكن الحرب منعت مثل هذه المظاهر خوفًا من القصف أو الخلط بينها وبين الاشتباكات”. 

أهازيج شعبية متنوعة

الأهازيج الشعبية الرمضانية في اليمن، تتفق في توقيتها، لكنها تختلف في العبارات والألفاظ بحسب المناطق واللهجات المحلية، وهو ما يعكس غنى التراث اليمني وتنوّعه. 

وتشترك المحافظات اليمنية في أوقات ترديد هذه الأهازيج ومنها: عند رؤية هلال رمضان، وخلال وقت السحور، وأثناء أو بعد الإفطار بعد صلاة العشاء، وخلال العشر الأواخر من رمضان وتسمى توديع رمضان. 

الدكتور صالح الباخشي، من أبناء محافظة أبين، قال لـ“بران برس”، إن أجمل الأهازيج الشعبية في المحافظات اليمنية الجنوبية هي التي كانت تردد عند السحور، حيث يقول المسحراتي والأطفال يرددون بعده: “يا نائم وحد الله.. قوم تسحر زادك الله”.

وفي عدن، قال: يجتمع الأطفال في ليالي رمضان مرددين أهازيج خاصة وهم يطرقون الأبواب لجمع الحلويات أو الصدقات، ومن أشهرها: “عطونا من حق النبي.. لا تخلونا نشتكي”.

وأيضاً في ليلة القدر وليلة ختام القرآن، تعلو الأهازيج الدينية والروحانية، مثل: “يا رب بلغنا رمضان أعوامًا مديدة.. واكتب لنا الخير والسعادة”.

وأما في محافظة صنعاء، فتذكر دعاء الواسعي، في حديثها لـ“بران برس”، نموذجًا من أهازيج التماسي الرمضانية حيث كان يجتمع الناس بعد العشاء ويرددوا: 

"يا مَسْاء جيت أَمَسّي عندكم
يا مساء كثر الله خيركم
يا مساء جيت أمسي من يريم
يا مساء بالغرارة والشريم
يا مساء جيت أمسَي عندكم
يا مساء زوجوني بنتكم
يا مساء جيت أمسَي من ذمار
يا مساء بالغرارة والحمار".

وأيضاً أهازيج:

رمضان روحي روحي
رسول الله ممدوحي
رمضان شهر الإحسان
صومه بالخير يوحي

وتوجد هذه الأماسي في أرياف المناطق الوسطى ومنها إب والضالع، كما يذكر الباحث الاجتماعي صلاح الحقب، الذي تحدث لـ“بران برس” عن أهازيج متنوعة في تلك المناطق.

وقال: كان هناك ما يسمى بـ“الممسيين”، والذين يتنقّلون مع طبل يمسوا من بيت إلى آخر، ويفتتحوا في كل بيت بترديد “يا مساء الخير يا مساء جينا نمسي عندكم”، ثم يسألوا على أسماء أهل البيت فيقولون الشعر على كل شخص وهكذا حتى ليلة العيد. 

وإضافة إلى ذلك، تحدث عن أهازيج  الترحيب برمضان، ومنها قولهم: “مرحبا بك يا رمضان يا شهر الخير والإحسان”، ثم عند توديع رمضان “مودع مودع مودع يا رمضان يا شهر الرحمة والغفران”. 

وفي محافظة مأرب، ذكر محمد القوس، عدّة زوامل وأهازيج خاصة باستقبال شهر رمضان، يُرددها الأهالي تعبيرًا عن فرحتهم بهذا الشهر، ومنها: “أهلًا وسهلًا يا رمضان.. شهر الصيام والغفران”.

وفي بعض المجالس القبلية، قال إنه “يتم إنشاد الأهازيج والزوامل الجماعية بمشاركة الشيوخ والشباب”.

طقوس تاريخية

اليمن لديها تاريخ طويل من العادات الرمضانية التي كانت مزدهرة، وبدأت في الاندثار مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي زادت حدّتها مع الحرب المتواصلة.

تقول الإعلامية سامية العنسي لـ“بران برس”: تتوالى أيام رمضان سنوات طويلة وتبقى لطقوسه في أذهاننا طعمها الخاص ومذاقها الساكن في أرواحنا. مضيفة أن “لهذا الشهر على أيامنا تساليه وبهجته وعاداته التي لا تنسى”.

ووفق العنسي، فإن هذه الطقوس “تلاشت مع مرور الأيام واندثرت نتيجة تغير ظروف الحياة وأدواتها حتى ما قبل فترة الحرب”.

وتحدثت “العنسي”، عن اختلاف كلي لأجواء رمضان ماضيًا وحاضرًا، قائلة: رمضان أيام طفولتنا والشباب لا شك يختلف كليًا بطقوسه وتساليه، حيث كانت ليالينا الرمضانية على أيام شبابنا مليئة بمشاعر البهجة بأجواء وخصوصية”.

وأضافت: هذا الشهر برغم افتقادنا للعديد من وسائل المدنية وتكنولوجية اليوم فكنا نمارس ألعابنا من صنع ذواتنا وخيالاتنا مثل: خروجنا ليلا كأولاد حارة واحدة لنستمتع بالملاحقة الذي يعتبر (ماراثون سباق)، واختراعنا من أدوات البيئة البسيطة والمتاحة ألعابًا مثل عجلات السياكل وتواير السيارات والأسلاك وغيرها..”.

وتابعت: “أما داخل منازلنا.. فكنا ندمن على تسالي لعبة البطة والكيرم والزراقيف ولعبة الحبل.. وهكذا مضت علينا أشهر رمضان في حياتنا ببراءة الإحساس بها وبفطرتنا السليمة المتطهرة من شوائب النفس التي تكاد أن تملأ أجواء هذه الفريضة الطيبة في نفوس الكثير من الناس في زمن الحرب وتداعياتها المؤسفة”.

التكنولوجيا وأسباب أخرى

الباحث صلاح الحقب، يرى أن أهم الأسباب الاجتماعية لاختفاء العادات الرمضانية ومنها الأهازيج "تتركز في اهتمامات الجيل نحن أمام ثورة تكنولوجية قلبت الواقع رأساً على عقب”.

وأضاف الباحث الحقب، أن “الجيل الحالي يختلف على الجيل السابق في منافذ الرفاة”، موضحًا أن الأهازيج والسمرات كانت منفذ الرفاة الاجتماعي التي يستخدمها المجتمع المحلي لعدم وجود النت والتلفاز آنذاك بالصورة الموجودة حالياً؛ ولم توجد مسابقات ثقافية رمضانية متنوعة كما هو الآن.

وحالياً، قال إن “وجود النت والتلفاز والمسابقات سيطرة على الموضوع“. ولهذا يرى أن “الثورة التكنولوجية هي السبب وليس الحرب”.

ويتفق أستاذ علم الاجتماع صالح الباخشي، بأن “التكنولوجيا وثورة المعلومات” في مقدمة أسباب اختفاء العادات الرمضانية التقليدية، موضحًا أن “الأشخاص الذين كانوا يقوموا بها غالبًا أناس أميين، وكانت تعتبر بمثابة مصدر دخل يعود عليهم من بعض البيوت الكريمة”.

وحاليًا، قال: “أصبح أبناء من كانوا يقومون بمثل هذه الأشياء قد تعلموا وتطوروا وأصبحوا يمارسون أعمالًا أفضل تعود عليهم بعائد مادي أفضل”.

ويتمثل الأمر الثاني، وفق الباخشي، في “صعوبة الوضع الاقتصادي، حيث ترسخت قناعات لدى من كانوا يقومون بتلك الأعمال أن الناس تغيرت.. ووفاة الجيل الذي كان يقدر ويتفاعل مع تلك الأعمال كعرف اجتماعي”. 

وبحسب "الباخشي"، يتمثل الأمر الثالث في “توفر البدائل الحديثة لمثل هذه الأشياء مثل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي“، مؤكدا أنه ورغم هذه التغيرات لا يزال اليمنيون يحافظون على روح رمضان قدر الإمكان وبصيغ أكثر بساطة وأقل صخبًا.

مواضيع ذات صلة