
أعد التقرير لـ"بران برس" - أمة الغفور السريحي:
في حين تغلق الأسواق والمؤسسات أبوابها أيام العيد، ويقضي العاملون فيها إجازتهم العيدية مع أهاليهم في أجواء من المرح والسعادة، هناك فئة من المجتمع اليمني تجد نفسها غارقة في العمل الذي يزداد ضغطًا في المناسبات.
الصحفيون والإعلاميون، وخاصة محررو الأخبار ومديرو المواقع الإخبارية، يظلون في أعمالهم أيام العيد لنقل الأحداث وتغطية الفعاليات، ويطلعون الجمهور على المستجدات أولًا بأول، ويقدمون أعمالًا ذات طابع خاص.
فإلى جانب تغطية الأخبار العاجلة، فإنهم ينقلون الأجواء الاحتفالية، ويروون الحكايات الإنسانية التي تزين هذه الأيام، وهو ما يتطلب منهم تركيزًا عاليًا في مثل هذه الأوقات، ويجعلهم يعملون تحت ضغط نفسي ومهني شديد.
وتتضاعف هذه المعاناة لدى مئات الصحفيين والإعلاميين اليمنيين الذين يعيشون في مناطق النزوح الداخلي، وفي بلاد المهجر حول العالم، بعيدًا عن أهاليهم ومناطقهم التي اعتادوا قضاء الأعياد والإجازات فيها قبل الحرب.
فالعديد منهم اضطروا إلى النزوح أو اللجوء إلى دول أخرى بسبب ملاحقة جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، وتعمدها إغلاق المؤسسات الصحفية والإعلامية، وملاحقتها الصحفيين والإعلاميين الذين يخالفونها.
وتزامنًا مع حلول عيد الفطر هذا العام، استطلع “بران برس”، آراء عدد من الصحفيين والإعلاميين حول الأجواء التي عاشوها خلال العيد في مناطق النزوح والشتات، ومشاعرهم تجاه ما كانوا يعيشونه قبل الحرب والنزوح.
طقوس خالدة
الصحفي عبد الكريم الخياطي، عمل بعدّة وسائل إعلامية آخرها مراسلًا ومنتجًا لقناة الجزيرة في اليمن وأثيوبيًا قبل أن يهاجر إلى بلجيكا ويصبح رئيس الجالية اليمنية فيها، وبرأيه فإن العيد خارج اليمن "ليس عيداً".
وقال "الخياطي" لـ“بران برس”، إن “العيد خارج اليمن لا يشبه العيد الذي نشأنا عليه. ليس العيد بالنسبة لنا مجرد تاريخ في التقويم أو يوم عطلة، بل هو إحساس عميق بالانتماء، ومناسبة تجتمع فيها الروح بالعائلة، وتفيض القلوب بحنين لا يُكتب، بل يُعاش في اليمن”.
وأضاف أن “في اليمن.. العيد يبدأ قبل حلوله بأيام، من زحمة الأسواق، أمام محلات الجزارين، من أصوات الناس وهي تساوم وتضحك وتمازح حتى وإن كانت تعلم أنها ستخرج بنصف وزن لحم ومعه ضعف الوزن عظمًا”.
وتعود ذاكرة "الخياطي"، إلى لحظات قضاء إجازة العيد في قريته بمحافظة المحويت، قائلًا لـ“بران برس”: “كنا نستيقظ في أول يوم من العيد على صوت التكبيرات المتسللة من النوافذ، ثم نبدأ بزيارة الأخوات والأرحام في طقس عائلي لا يغيب، مهما اختلفت الظروف”.
الهوية والجذور في الغربة
عن طقوس الجالية اليمنية في بلاد المهجر، قال "الخياطي": “لا يمكن تنظيم فعاليات جماعية كبيرة، فمعظم اليمنيين هنا إمّا طلاب أو عمال بسطاء، يعيشون في بلدات ومدن متباعدة ويعملون بدوامات طويلة حتى في أيام العيد. وهذا يُصعّب علينا كثيرًا فكرة الاجتماع في مكان واحد أو الاحتفال بشكل موسّع”.
وحول الجالية اليمنية في بلجيكا، قال: “إننا في قيادة الجالية اليمنية في بلجيكا نحث كل مجموعة يمنية في مدينة أو بلدة متقاربة على أن يلتقوا في يوم العيد، ولو لساعات قليلة. أن يصنعوا عيدهم بما توفر، أن يُحيوا روح القرب، أن يطبخوا وجبة تقليدية، أو يرددوا أغنية من اليمن، أو حتى أن يجلسوا معًا وتبادلوا الذكريات”.
ويرى "الخياطي"، أن “العيد في النهاية ليس مكانًا، بل لحظة شعورية نُعيد بها تشكيل هويتنا في الغربة، ونُطمئن أنفسنا أننا ما زلنا يمنيين، نحمل جذورنا معنا حيث نكون، ونحميها بالتواصل، بالحب، وبالاحتفال رغم كل الظروف”.
طوارئ
عدنان هاشم، مدير تحرير موقع “يمن مونيتور”، قال إن “الصحفيين لا يقضون العيد كما هو معتبر، بل يعمل معظمهم كأطباء الطوارئ في المستشفيات، يستمرون بعملهم بغض النظر عن الإجازات، ففي أي وقت يمكن استدعاء الصحفي للعمل ويبقى متصلا بالأحداث”.
وأضاف عدنان، في حديثه لـ“بران برس”، أنه في “معظم المؤسسات يحدث تناوب بين محرري الديسك في عمل أيام العيد لمتابعة الأحداث، وتحرير الأخبار والتقارير، وتزويد الجمهور بالمعلومات أولًا بأول”.
من جانبه، قال صدام الحريبي، وهو صحفي نازح بمدينة مأرب، إن “العمل الصحفي يتضاعف في المناسبات والأعياد، ويتطلب من الصحفي نقل الحدث والصورة للناس سواء كانت بهجة أو مأساة”.
تضم مدينة مأرب، أكبر كتلة من الصحفيين النازحين في اليمن، ويرى الحريبي، أنها “من أكثر المدن اليمنية التي يتمتع فيها الصحفي بمساحة من الحرية بخلاف باقي المحافظات الأخرى”. مضيفًا أن “المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أصبح مصطلح الحرية فيها منسيًا، بل وقد تودي بحياة الشخص أو تخفيه قسريًا على الأقل”.
ورغم أجواء الحرية، يقول الحريبي، إنه يفتقد في العيد الأهل والأصدقاء “الذين لم نستطع رؤيتهم واللقاء بهم وعيش لحظات العيد معهم؛ كونهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي لا نستطيع الوصول إليها”.
حنين وفنجان قهوة
الدكتور فيصل علي، صحفي ومحلل سياسي مقيم في ماليزيا، قال تعليقًا عن أجواء العيد في المهجر: “في مدن الأضواء والزينة، لا زينة تُبهج القلب كتكبيرات العيد في قريتك أو في حيّك أو في مدينتك البعيدة، ولا تهنئة تُلامس روحك كصوت أمك يناديك باسمك صباح العيد.
وأضاف الدكتور فيصل، وهو رئيس مؤسسة يمنيون للدراسات، أن “العيد يأتي وأنت غريب الديار، فالزينة باهتة، والتهنئة ثقيلة، حتى لو لبست الجديد وتزيّنت، يبقى في القلب شيء ناقص، اسمه الوطن”.
وتابع في حديثه لـ“بران برس”: “لا نحتفل بالعيد، وأظنننا سنحتفل بالوطن إذا عاد يومًا ما. الآن في هذا الغياب، ليس لنا إلا أن نكتفي بالحنين وفنجان قهوة”.
ضريبة وغربة مضاعفة
رئيس تحرير “الموقع بوست”، عامر الدميني، قال إن العمل الصحفي خلال العيد يصبح “أخف لكن مهم استمرار التغطية، لأن الأخبار والأحداث مستمرة”.
ويعتبر "الدميني"، هذه الحالة “ضريبة العمل الصحفي، حيث يضطر الصحفيون إلى التعامل مع جميع الضغوطات”.
وعن العيد خارج اليمن، قال إنه “حالة من مشاعر الحزن التي تتجدد في الذات، وتفاقم الإحساس بالغربة المضاعفة. غربة الابتعاد عن الوطن، وغربة حلول مناسبة دينية واجتماعية تقضيها بعيدًا عن الأهل، والأرض، والأصدقاء، والوطن”.
وفي كل عيد تعود للصحفي الدميني، “الذكريات والأشجان للوطن والأيام التي حل فيها ونحن مع الأهل، فتستحضر كل الوجوه والمواقف والعادات الاجتماعية في هذه المناسبة”. مضيفًا أن هذا الأمر “يبعث الشوق والأمل في وقت واحد، الشوق للوطن وأهله، والأمل بالعودة من جديد وقد زالت أسباب البقاء خارج الوطن”.
وعن كيف يقضي إجازة العيد في بلاد المهجر قال الدميني، لـ“بران برس”، إنه يمضي مع الزملاء والأهل المتواجدين داخل البلدان التي يقيم فيها، بطقوس ممكنة من الزيارات والخروج ومظاهر احتفال بسيطة.
ورغم هذا، قال إنه “لا يعوض العيد الذي تعودنا عليه في بلادنا. فلا الأهل جميعًا معك، ولا الأجواء تشبه بلادك، لذلك العيد خارج اليمن في كل الأحوال مناسبة عقابية مؤلمة للروح والذات والبدن”.
في قلب الحدث
الصحفي “نسيم البعيثي”، رئيس تحرير موقع “البلاد الآن”، قال إن “الصحفي يقضي العيد وسط الأخبار ونقل معاناة الناس وظروفهم وفرحتهم معاً.
وأضاف "البعيثي"، في حديثه لـ“بران برس”، أن “الصحفيين منذ الانقلاب الحوثي على الدولة ومؤسساتها ارتبط عملهم بمواكبة الأحداث والتغطيات الإعلامية وأنا واحد منهم، يظل العيد بالنسبة لهم فرصة لتغطية الواقع الذي يعايشه الناس بكل ما يحمله من أمل وألم”.
وعن كيف يقضي العيد، قال إن العيد بالنسبة له قضاء ساعات طويلة وسط الأخبار، سواء كانت تتعلق بالأوضاع الاقتصادية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو إيصال صوت الناس ومشاعرهم بكل أمانة وموضوعية”.
وفي كل الأحوال، قال إن “الصحفي في قلب الحدث، يشاهد ما وراء الأخبار، وينقل معاناة من لا صوت لهم، وفرحة من لا ينالها الإعلام في العادة”.