
أعد التقرير لـ"بران برس" - أفنان السريحي:
في الحقول والأسواق والورش الصغيرة، تعمل الكثير من نساء اليمن بجد واجتهاد لإعالة أسرهن، خصوصًا اللاتي فقدن أزواجهن خلال الحرب المستمرة في البلاد للسنة العاشرة على التوالي.
فإضافة إلى كونها الضحية الأولى لهذه الحرب المدمّرة، باتت أيضًا مسؤولة أيضًا عن مواجهة تداعياتها بما فيها إنقاذ أفراد أسرتها من الهلاك جوعًا وفاقة.
كثير من اليمنيات، أصبحن يتحملن مسؤوليات لم يكن يتوقعنها مع فقدان أسرهن لمعيلها بسبب الحرب، ويواجهن الأعباء المعيشية المضاعفة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي جعل حتى أبسط مقومات الحياة صعبة المنال.
حياة قاسية وأعباء
“هناء حسين” (38 عامًا)، أم لثلاثة أطفال، اضطرت بعد مقتل زوجها إلى الانتقال للعيش بأحد مخيمات النزوح بمحافظة مأرب، وباتت وأسرتها تواجه ظروفًا صعبة بلا معيل أو مصدر دخل ثابت، وبعيدًا عن مساعدة أهلها.
قالت “هناء”، متحدثة لـ“بران برس”، عن وضعها المعيشي في مخيمات النزوح: “الحياة هنا قاسية.. لا خدمات.. لا عمل، ولا دعم”، مضيفة: “النساء مثلي إما يعملن في الحرف اليدوية أو يواجهن شبح الجوع”.
وانتقدت ضعف التدخلات الإغاثية والإنسانية قائلة: “لا نريد إحساناً، نريد فقط فرصاً للعمل بكرامة”.
فاطمة (35 عامًا)، نازحة أخرى مسؤولة وحيدة عن إعالة طفليها بعد أن فقدت زوجها في الحرب. قالت لـ“بران برس”، إن الحالة المادية والمعيشية لأسرتها انهارت تمامًا بعد رحيل زوجها. وأمام الواقع الجديد قالت: “لم يكن لدي خيار سوى العمل، فأطفالي بحاجة إلى طعام وتعليم”.
رغم أن “فاطمة”، تعمل في الحرف اليدوية كحياكة المكانس وغيرها، إلا أنها اشتكت لـ“بران برس”، من أن هذه المهنة لا تكفي لتوفير المتطلبات الأساسية لعائلتها “في ظل الغلاء وغياب فرص العمل ذات الدخل المناسب”.
بالإضافة إلى تأثيرات الحرب الجسدية والنفسية، قال الائتلاف الوطني للنساء المستقلات، في تقرير حقوقي أصدره مؤخرًا، إن المرأة اليمنية باتت “تتحمل أعباء إضافية تتمثل في مسؤولية إعالة الأسرة وحمايتها في ظل غياب المعيلين”.
وطبقًا لتقديرات أممية، فإن عدد الأسر التي تعيلها النساء في اليمن عام 2022، بلغ 417 ألف أسرة، مشيرة إلى أن الرقم مرشح للارتفاع مع استمرار النزاع وتدهور الأوضاع الاقتصادية. فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن أعداد النساء العاملات في اليمن يزداد سنوياً، ليس بحثاً عن تحقيق الذات، بل كوسيلة وحيدة للبقاء على قيد الحياة.
في دائرة الخطر
رغم دورها المحوري في تضميد جراح الحرب، إلا أن المرأة اليمنية برزت كضحيّة مباشرة للحرب والعنف الممنهج. وبحسب منظمة “هيومن رايتس وتش” الدولية، فإن العنف ضد المرأة في اليمن، ازداد بشكل كبير، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة، إلى أن 3 ملايين امرأة وفتاة تقريبًا معرضات لخطر العنف.
ومنذ عام 2015 حتى نهاية 2020، قالت منظمة سام للحقوق والحريات (غير حكومية مقرها جنيف)، إنها رصدت أكثر من 4 آلاف انتهاك تعرضت لها المرأة اليمنية بعضها “ترقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وشملت هذه الانتهاكات، طبقًا لمنظمة سام، “القتل، والإصابات الجسدية، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، ومنع التنقل”، إضافة إلى ”نزوح أكثر من 900 ألف امرأة في مخيمات مأرب (ِشرق) لوحدها”. وأوضحت أن ”جماعة الحوثي جاءت في مقدمة الأطراف المنتهكة لحقوق المرأة بنسبة 70%”.
بدورها، قالت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية)، في تقرير سابق لها، إن ”النساء اليمنيات يعشن أوضاعًا أقل ما توصف بأنها لا إنسانية”.
وأضافت اللجنة الحقوقية الوطنية، أنها وثقت مقتل وإصابة 2617 امرأة وطفلة خلال الفترة من 2015 وحتى نهاية العام 2020، إثر القصف العشوائي الذي استهدف الأحياء السكنية بعدد من المحافظات اليمنية.
معاناة مستمرة وحلول غائبة
في ظل الأوضاع القاسية، تعاني المرأة اليمنية من ضعف التدخلات الحقوقية والإغاثية والإنسانية من قبل المنظمات الأممية والوكالات الدولية، بما فيها البرامج المخصصة لتنمية المرأة ومساعدتها على الصمود.
ورغم الأنشطة المحدودة لبعض المنظمات بتوفير فرص تدريبية للنساء لمساعدتهن على اكتساب مهارات جديدة، كالخياطة والتطريز وصناعة المشغولات اليدوية، إلا أنها تظل مبادرات متواضعة للغاية مقارنة بحجم الاحتياج.
تقول ملاك صادق، لـ“بران برس”، وهي مدربة تعمل بإحدى المساحات الآمنة التابعة لجمعة نسوية: “نحاول تمكين النساء من الاعتماد على أنفسهن، لكن لا يمكننا تغطية جميع الحالات”.
وأشارت إلى أن “الحل الحقيقي يكمن في إنهاء الحرب، وإعادة بناء الاقتصاد، وتصميم برامج استراتيجية لدعم المرأة”. مؤكدة أن “المرأة اليمنية لم تعد فقط ضحية للحرب، بل باتت عموداً أساسياً لبقاء الأسر اليمنية على قيد الحياة”.