أخي العربي: هنا اليمن.. حيث سقط قناع “أخلاق” النظام الإيراني

د. عمر منصر
عندما يتعلق الأمر بالحرب الإسرائيلية-الإيرانية، يصعب العثور على تفسير حاسم يُنهي الجدل الدائر حول سؤال: من يستحق التعاطف، إيران أم إسرائيل؟ لكن المسألة أعمق من مجرد ميلٍ عاطفي لهذا الطرف أو ذاك. فكيف يمكن للعربي أن يغرق في العاطفة، بينما الطرفان يعلنان جهارًا أنهما يتقاتلان من أجل البقاء؟ إيران تبرر طموحها النووي تحت شعار "الردع وحماية السيادة"، فيما تزعم إسرائيل أنها تدافع عن وجودها من خلال منع إيران من تحقيق هذا الطموح، ولو بالقوة.
لا شك أن الطموح النووي يمنح إيران شيئًا من الهيبة المتناسبة مع إرثها الإمبراطوري، غير أن دعمها لمليشيات صغيرة وعابرة للحدود قزّم من صورتها وأسقط الكثير من هيبتها السياسية. بهذا، نجد أنفسنا أمام دوافع استراتيجية محضة، لا علاقة لها لا بالدين ولا بالأخلاق، تمامًا كما هو الجدل داخل إسرائيل والغرب حول ما إذا كانت الحرب ضد إيران تستهدف مشروعها النووي، أم سلوكها الإقليمي، أم نظامها السياسي ذاته.
في خضم هذا الصراع، يبدو الموقف العربي متأرجحًا بين متعاطف مع إيران نكاية بإسرائيل، وبين من يهلل لسقوط عدوين يتقاتلان، في ما يشبه ”فخّارين يكسر أحدهما الآخر“. لكننا كيمنيين لا تعنينا هذه المناكفات بقدر ما تعنينا قضيتنا التي تقف اليوم كاختبار صارم لأخلاقيات السلوك الإيراني وشعاراته.
علينا أن نتفحص دوافع المتعاطفين مع إيران. فثمة فئة من العرب، مهما اختلفت خلفياتهم، تنحاز عاطفيًا إلى إيران الإسلامية نكاية بإسرائيل اليهودية، مستندين إلى مبررين: الأول ديني، والثاني سياسي يقوم على أن إيران دعمت المستضعفين، سواء في غزة أو في لبنان عبر “حزب الله”. حتى دعمها لنظام الأسد، رغم وحشيته، قد يجد من يبرره باعتباره تحالفًا بين دولتين قبل اندلاع الثورة السورية.
لكن هذه السردية تنهار أمام معادلة يمنية بسيطة ومعقدة في آن: إيران ساندت جماعة الحوثي التي لم تكن يومًا حزبًا سياسيًا شرعيًا، بل انقلبت على تجربة سياسية ودستورية كان اليمنيون يخوضونها بأقل قدر من الدماء والدمار. وبدلًا من أن تناصر المظلومين، كما تدّعي، وقفت إلى جانب انقلابيين مستكبرين ضد أصحاب حق قانوني وشرعي، لتتناقض بذلك مع كل ما تروّج له من شعارات.
من هنا، تصبح القضية اليمنية معيارًا أخلاقيًا لاختبار مصداقية النظام الإيراني. في اليمن سقط القناع، وظهرت الحقيقة: لا علاقة لدعم إيران بالمستضعفين، بل بمصالح باردة تُدار بدماء الآخرين.
أتفهم عواطف بعض العرب، فقد كنا يومًا نشاركهم هذا المزاج حين بدا لنا حسن نصر الله بطلًا قوميًا أثناء حرب ٢٠٠٦. تعلمنا من اليسار والإسلاميين كيف نصوغ العواطف في هيئة بطولات وهمية، حتى جاء اليوم الذي بتنا نشاهد فيه دولتين تتصارعان على النفوذ والنووي، لا على يزيد وعلي في كربلاء.
أيها العرب، نحن لا نطلب منكم الشماتة، ولا نتمنى لكم حربًا ولا هزيمة، لكن ألا يحق لليمنيين، وهم منكم، أن ينظروا إلى أمنهم وكرامتهم ومصالحهم أولًا؟ أليست هذه النزعة إلى الواقعية والبراغماتية فضيلة في زمن الدولة الحديثة، لا نقيصة كما يروّج البعض؟
تقبّلوا هذه الحقيقة، حتى لو كانت موجعة؛ فهي أقل مرارة من دماء اليمنيين التي سُفكت بسلاح وشعار إيراني. فالتعاطف شرف، لا يُمنح إلا لمن يستحقه. وأما المناصرة، فهي موقف أخلاقي، لا تفرضه الطائفة، ولا تُمليه المكايدات.
وأخيرًا، أخي العربي: لا تشمت، لا تتمنّ، بل تعلّم وافهم.