ثورة 48.. القردعي وتحرير اليمن من صنمية الإمامة

حزام حازب
في ذكرى ثورة 1948، لا نستذكر حدثًا تاريخيًا عابرًا، بل نحيي لحظة كسر الصنمية السياسية التي فرضها نظام الإمامة الهاشمية السلالي، الذي حوَّل اليمن إلى سجن كبير لقرون، وجعل من "الدم المقدس" وهمًا لتبرير استعباد الشعب. هنا، يبرز اسم الشهيد علي ناصر القردعي كقائدٍ لم يُسقط جسد إمامٍ فحسب، بل حطم تابوتَ صنمٍ متجذر، وأثبت أن شرعية الحكم لا تُورَث، بل تُكتسب بإرادة الشعب. ومع تزايد المخاطر التي يمثلها النظام الإمامي الجديد الذي يروج له الحوثيون، بات من الضروري أن يواصل كل يمني حر هذه المسيرة التحررية على خطى القردعي، وأن يُسارع في تحرير اليمن من قبضة هذا المشروع الذي يعيد إحياء أساطير الخرافة.
لطالما ادَّعى أئمة بني هاشم لقرون أنهم "أوصياء على الله" في الأرض، واختلقوا شرعية دينية مزيفة لتحصين سلطتهم، بينما كانوا ينهبون ثروات اليمن ويُحكمون قبضتهم الحديدية على الشعب بالجهل والفقر. لقد حوّلوا الوطن إلى مزرعة عائلية، يحكمها منطق السيف والخرافة، ورسَّخوا نظامًا سلاليًا قائمًا على التقديس الأعمى لـ"السلالة النبوية"، وهو ادعاءٌ تاريخيٌ مزيَّف، استُخدم كأداة لتبرير القمع والاستبداد. واليوم، وفي الوقت الذي يحاول فيه الحوثيون إعادة ترويج نفس النظام، نجد أنفسنا أمام مسؤولية كبرى في كسر هذه الصنمية ووقف تمجيد الخرافات.
لم يكن اغتيال الإمام أحمد بن يحيى في 1948 عملاً فرديًا، بل كان ضربةً استراتيجيةً في قلب الصنمية السلالية، نفذها القردعي بعد رحلةٍ من التخطيط المحكم، ليُعلن أن عصر "الحُكم الإلهي المزعوم" ولى إلى غير رجعة. لقد فهم القردعي أن تحرير اليمن يبدأ بتحرير العقول من الخوف والتبعية، فاستهدف الرمز الأكبر للنظام، ليُثبت أن "الأئمة" بشرٌ يُخطئون، وليسوا أنصاف آلهة! واليوم، يقع على عاتق كل يمني حر أن يُحيي هذا الفكر ويُجسد هذه الرسالة في مواجهة المشروع الإمامي الجديد الذي يسعى للعودة بنفس الأدوات والادعاءات.
لم يكتفِ القردعي بإنهاء حياة إمامٍ مستبد، بل هزَّ عرشَ أقدم سلالة حكمت اليمن، وكشف زيف ادعاءاتها الدينية والسياسية. كانت خطوته جريئةً لإسقاط القناع عن نظامٍ عفا عليه الزمن، يعتمد على استغلال الدين وتخويف الناس بـ"لعنة السماء" إذا تمردوا على سادتهم من آل هاشم. واليوم، لا يزال الحوثيون يستخدمون نفس الأسلوب، وعلينا أن نكون يقظين في مواجهة هذا النظام الذي يروج لنفس الخرافات ويزرع الصنمية في عقول الأجيال الجديدة.
كانت ثورة 1948 أساسًا في التخلص من نظام الإمامة الذي فرض على اليمنيين عقودًا من القهر. لقد شكَّلت هذه الثورة أولى خطوات التحرر السياسي، وكانت نواة لثورة اليمنية الخالدة، ثورة 26 سبتمبر 1962، التي حررت الشعب اليمني من عبودية النظام الإمامي السلالي بشكل نهائي الى غير رجعه، وأعادت بناء اليمن على أسس جديدة. إن الفكر الذي تركه القردعي والثوار في 1948 كان حافزًا قويًا للأجيال القادمة، مهدًا الطريق لتطلعات اليمنيين نحو الحرية والعدالة والمساواة.
كانت ثورة القردعي ضرورة تاريخية. فالنظام الهاشمي بنى سلطته على أكذوبة "الحق الإلهي"، متناسيًا أن الحكم مسؤولية، وليس امتيازًا لسلالة. بينما كانت دول الجوار تنهض، ظل اليمن رهينًا لصراعات الأئمة، الذين حولوه إلى بؤرةٍ للصراعات القبلية والجهل. استخدم الأئمة الدين لتحويل أنفسهم إلى "أصنامٍ بشرية"، يعصمهم الإيمان الشعبي من النقد، حتى لو دمروا الوطن. واليوم، يكرر الحوثيون هذه الخرافات، ويجب على كل يمني حر أن يقف ضد هذه الممارسات، ويُسهم في رفع الوعي وتحقيق التغيير الجذري.
لقد كانت عبقرية القردعي في تحويل عملية الاغتيال إلى رسالة سياسية مدوية مفادها: لا قداسة لسلالةٍ تدمر شعبها، ولا شرعية لحاكمٍ يستند إلى الدين لقتل أبناء وطنه. الثورة ليست خيارًا، بل واجبٌ عندما يتحول الحكم إلى آلة قمع. أراد القردعي أن يكون دم الإمام أحمد جرس إنذارٍ لكل من يحاول إحياء الصنمية السلالية من جديد، سواءً في اليمن أو خارجها. واليوم، إذا كان لدينا ما هو أغلى من الدم، فهو الفكرة التي حملها القردعي التي نبذلت من أجلها الكثير من الأرواح.
اليوم، وبعد 77 عامًا، لا تزال عقلية "الحق السلالي" تعيد إنتاج نفسها بأشكالٍ جديدة في المنطقة. لذلك، فإن ذكرى ثورة القردعي ليست مناسبةً للترحم على الماضي، بل نداءً لاجتثاث كل أشكال الحكم القائمة على الدم والخرافة، وتأكيدًا على أن أي نظامٍ لا يُحاسب شعبه عليه مصيره السقوط، مهما طال الزمن. هذه المناسبة فرصة لغرس الفكر المحضن ضد هذه الخرافات، حتى نضمن أن أجيالنا القادمة لن تقع في فخ الصنمية والإرث السلالي.
إن الثورة على الإمامة الهاشمية لم تكن مجرد انتفاضة مسلحة، بل كانت ثورةً على ثقافة الامتهان التي جعلت من اليمنيين خدمًا لـ"سادة البيت الهاشمي". فتحية للقردعي الذي علمنا أن كسر الأصنام لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة أبناء الوطن الذين يقولون كفى.