|    English   |    [email protected]

الاتصالات في قبضة الحوثي.. معركة السيادة المؤجلة

السبت 31 مايو 2025 |منذ يوم
عبدالجبار سلمان

عبدالجبار سلمان

في كل الحروب، تبقى السيطرة على الاتصالات أولوية قصوى، فهي ليست مجرد بنية تحتية، بل العمود الفقري للمعلومة، ووسيلة التحكم والسيطرة، ورافعة من روافع الأمن القومي. 

لكن في اليمن، تحولت الاتصالات إلى أحد أخطر أسلحة الميليشيات الحوثية، وباتت أداة للقمع، والتجسس، وتمويل الحرب، في ظل غياب حقيقي لدور الدولة وتقاعس مستمر من الحكومة الشرعية. 

منذ انقلابها على الدولة في 2014، لم تكتفِ ميليشيا الحوثي بالاستيلاء على المؤسسات المدنية والعسكرية، بل سارعت إلى السيطرة على قطاع الاتصالات، وأخضعته بالكامل لسلطتها. 

ومع مرور السنوات، أصبح هذا القطاع شريانًا رئيسيًا يغذي المجهود الحربي للميليشيا، وذراعًا أمنية فاعلة في رصد وملاحقة خصومها، ومصدرًا هائلًا للثروة التي لا تخضع لأي رقابة أو محاسبة. 

حوّل الحوثيون شبكة الاتصالات الوطنية إلى نظام مراقبة شامل يخترق خصوصيات اليمنيين، من الأفراد العاديين إلى القيادات السياسية والعسكرية. 

يتم التنصت على المكالمات، مراقبة البيانات، وتتبع المواقع الجغرافية بدقة، ما مكن الميليشيا من كشف تحركات قيادات عسكرية بارزة واستهدافهم ميدانيًا، الأمر الذي أدى إلى خسائر مؤلمة في صفوف القوات الحكومية والمقاومة الوطنية. 

ليس ذلك فحسب، بل إن استخدام الحوثي للاتصالات كمصدر استخباراتي مكنه من التصدي لعدد كبير من العمليات العسكرية قبل انطلاقها، وضرب الخطوط الخلفية لقوات الشرعية. 

إن سيطرة العدو على أثير المعلومة تعني بوضوح: تفوق استخباراتي حاسم في معركة لا ترحم. اقتصاديًا، يمثل قطاع الاتصالات أحد أكبر مصادر الإيرادات التي تدرّ على الحوثيين مليارات الريالات سنويًا، دون أن تصل للدولة اليمنية أو يستفيد منها المواطن في الخدمات أو التنمية. 

يتحكم الحوثيون بقطاع الاتصالات بكل تفاصيله، من الشركات المشغلة إلى بوابات الإنترنت الدولية، ويستخدمون العائدات لتمويل الحرب، دفع رواتب مقاتليهم، وتمويل حملاتهم الإعلامية واللوجستية، بينما يعيش ملايين اليمنيين تحت خط الفقر، بلا خدمات، وبلا حماية. 

لقد خسر اليمن بسبب هذا الوضع أحد أبرز موارده الاقتصادية، كما فقد سيادته المعلوماتية، ومُنحت ميليشيا خارجة عن القانون مفاتيح إدارة الحياة الرقمية للمواطنين، وهذا بحد ذاته كارثة وطنية يجب أن يتوقف أمامها الجميع. 

المؤسف أن كل هذه الحقائق ليست جديدة، ولا مفاجئة، لكنها تقابل منذ سنوات بإهمال رسمي وتقصير فاضح من قبل الحكومة الشرعية. فالمجال لم يُحرّر، ولم يتم تأسيس بديل وطني متكامل، ولم يُستخدم حتى النفوذ الدولي لإعادة تنظيم هذا القطاع أو خلق حلول تقنية بديلة في المناطق المحررة. 

النتيجة ؟ 
دولة مشلولة رقميًا، وجبهة عسكرية مكشوفة، ومواطن يمني تُنتهك خصوصيته يوميًا، وتُستخدم أمواله في تمويل من يقتله أو يسجنه أو يبتزّة أو يُهجّره من منزله. 

الأسوأ من ذلك أن هناك من لا يزال يتعامل مع موضوع الاتصالات كقضية فرعية، أو شأن إداري يمكن تأجيله. بينما الحقيقة هي أن الاتصالات قطاع سيادي حساس، ويجب أن يكون على رأس أولويات أي خطة وطنية لإنقاذ اليمن. 

ما لم تدركه الشرعية، أو لم تُرِد أن تدركه حتى الآن، هو أن قطاع الاتصالات لم يعد مجرد خدمة، بل سلاح استراتيجي يُستخدم يوميًا ضدها وضد كل من يقف في وجه مشروع الحوثي. 

إنه خنجر في خاصرة الوطن، يُدار من صنعاء، ويطعن به الحوثي في كل الاتجاهات: أمنياً، عسكرياً، اقتصادياً، وحتى نفسياً ومعنوياً. 

استعادة الاتصالات من قبضة الحوثي ليست حلمًا بعيد المنال، وليست مهمة مستحيلة. التقنيات البديلة متاحة، الدعم الإقليمي ممكن، والكوادر موجودة. ما ينقص فقط هو الإرادة السياسية. 

إن توفرّت، يمكن وضع خطة طوارئ شاملة لإعادة بناء شبكة اتصالات وطنية في المناطق المحررة، وقطع تدفق العوائد المالية للحوثيين، وكسر هيمنتهم المعلوماتية على البلاد. 

فمن يملك المعلومة يملك المعركة. ومن يملك الاتصال يملك القرار. 

واستمرار غياب الدولة عن هذا القطاع هو خيانة للدماء، وتفريط في السيادة، وإضرار مباشر بمستقبل اليمنيين. 

بقاء الاتصالات بيد الحوثي جريمة وطنية مستمرة. هي ليست فقط معركة أجهزة وأسلاك وأبراج إرسال، بل معركة سيادة، وأمن قومي، ومعركة مستقبل وطن بأكمله. 

وإذا لم تتحرك الشرعية اليوم، فغدًا قد يكون الأوان قد فات.