|    English   |    [email protected]

الثورة السورية.. ضرورة استراتيجية لا تقبل التفاوض

السبت 8 مارس 2025 |منذ 3 أسابيع
توفيق الحميدي

توفيق الحميدي

منذ انطلاقتها، لم تكن الثورة السورية مجرد انتفاضة شعبية ضد نظام مستبد، بل كانت حدثًا استراتيجيًا مفصليًا في تاريخ المنطقة، أعاد تشكيل موازين القوى الإقليمية وكشف بوضوح خريطة التحالفات الدولية. نجاح الثورة السورية لم يعد مجرد مطلب وطني أو رغبة شعبية، بل هو ضرورة استراتيجية لا يمكن التراجع عنها أو القبول بمقايضتها، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها الإقليم.

إسقاط إيران والمتواطئين معها.. هدف لا حياد عنه

لم يكن الدور الإيراني في سوريا مجرد تدخل عابر، بل كان حجر الزاوية في مشروع الهيمنة الإقليمية الذي تنتهجه طهران، عبر أدواتها من ميليشيات طائفية وشبكات نفوذ سياسي وأمني. هذا التغلغل لم يستهدف سوريا وحدها، بل كان جزءًا من مخطط أوسع يهدد الأمن العربي برمته. إسقاط إيران والمتواطئين معها، سواء كانوا من نظام الأسد أو من القوى المتحالفة معه مثل “قسد”، لم يعد خيارًا، بل هو واجب استراتيجي لضمان استقرار المنطقة ومنع وقوعها في براثن الهيمنة الإيرانية.

سياسة الصفح.. بين حكمة الثورة وحزم الدولة

حين انتصرت الثورة وأسقطت الأسد، تبنّت سياسة الصفح، ليس ضعفًا كما ظن البعض، ولكن إيمانًا بضرورة تصفية الصفوف بين من لا يزال يحمل قيم الانتماء للمشروع الجديد، ومن فقد أهليته ليكون جزءًا من الدولة القادمة. الصفح لم يكن مطلقًا، بل كان أداة اختبار لمن يستطيع الاندماج في مشروع الدولة الحديثة، ومن بقي عالقًا في إرث الاستبداد والعمالة. واليوم، ومع نضج الثورة وتحولها إلى سلطة مسؤولة، لم يعد هناك مجال للتسامح مع من انحرف عن المسار، فالدولة الحقيقية لا تترسخ إلا بسلوك حازم يحمي الاستقرار عبر القضاء والقوة، ليكون العدل هو القاعدة التي تحكم الجميع، دون تهاون أو انتقام. لقد آن أوان الدولة أن تظهر بسلوكها الحامي، فتؤسس لمرحلة لا مكان فيها للفوضى أو التردد في مواجهة من يهدد المسار الجديد.

هجوم يائس يعكس عمق الأزمة الإيرانية

الهجوم الذي وقع بالأمس لم يكن سوى محاولة يائسة من طهران وحلفائها لتأكيد حضورهم في المشهد السوري، لكنه في الحقيقة يعكس حجم الألم الذي يعانونه، سواء بسبب خسارتة نفوذهم في سوريا ولبنان ، أو بسبب الضغط المتزايد إقليميًا ودوليًا. محاولة التحرك سريعا  وطعم النصر في الافواه ، ومرارة سلوكهم مازال باقيا  يعكس مدى التخبط الذي يعيشه المشروع الإيراني المنطقة ،  لا شك أن هذه الضربات المؤلمة التي تتلقاها طهران ووكلاؤها تجعلهم يدركون أن مشروعهم في تراجع، وأن الثورة السورية باتت تمثل حجراً  استراتيجيًا ووجوديًا لمشروع عربي اقليمي بعيد عن ايران بدء يتشكل

اليقظة الجماعية.. موقف شعبي ورسمي عربي موحد

ما شهدناه من تفاعل شعبي ورسمي سوري وعربي مع التطورات الأخيرة يعكس حالة يقظة جماعية تتشكل في المنطقة. لم تعد القضية السورية شأناً محليًا فقط، بل أصبحت محورًا رئيسيًا في الصراع الإقليمي والدولي. هذه الاستجابة الشعبية والرسمية تؤكد أن الثورة السورية ليست مجرد حركة احتجاجية، بل مشروع تحرري يحمل معه أبعادًا استراتيجية تؤثر في المنطقة بأسرها.

الثورة السورية تدرك دورها المحوري: لماذا يجب الالتفاف حولها؟

ما يميز الثورة السورية في هذه المرحلة أنها باتت تدرك تمامًا أهميتها ودورها المحوري في رسم ملامح مستقبل سوريا والمنطقة. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لجرها إلى صراعات جانبية أو استفزازات لا تخدم أهدافها الكبرى، إلا أنها أظهرت نضجًا سياسيًا واستراتيجيًا برفضها الانجرار إلى مواجهات لا تصب في مصلحتها، مثل التصعيد مع إسرائيل. هذا الموقف الحكيم يؤكد رغبتها في التركيز على بناء سوريا الجديدة، وترميم الجراح التي تسبب بها نظام الأسد وحلفاؤه.

ختامًا: لماذا الثورة السورية هي مفتاح التوازن الإقليمي؟

نجاح الثورة السورية لم يعد مجرد هدف داخلي، بل أصبح ركيزة أساسية في إعادة التوازن إلى الإقليم. الالتفاف العربي والإقليمي حولها ليس دعمًا لقضية سورية فحسب، بل هو استثمار في أمن المنطقة واستقرارها. كلما اقتربت الثورة السورية من تحقيق أهدافها، كلما تعززت فرص تحجيم النفوذ الإيراني ووقف تمدده. إن اللحظة الراهنة تتطلب وضوحًا استراتيجيًا في التعامل مع القضية السورية، بحيث لا تكون موضع مساومات أو تنازلات، بل يتم دعمها بكل الوسائل الممكنة حتى تحقق أهدافها الكاملة.