|    English   |    [email protected]

10 أعوام على تحرير عدن.. بابك الخرمي يعود بثوب الحوثي والمقاومة تتصدى

الجمعة 28 مارس 2025 |منذ 4 أيام
د. فيصل علي

د. فيصل علي

في الذكرى العاشرة لتحرير عدن من عصابات الهاشمية السياسية، لا بد من مراجعة شاملة لمعرفة العدو ومعرفة المقاومة اليمنية الشاملة التي واجهته في البدايات، منذ ظهوره الأول سواء في عدن أو في تعز أو مأرب أو شبوة. لست مع تجزئة مفهوم المقاومة ليصبح قاصرًا على منطقة دون أخرى، ومثلما أن الهاشمية السياسية معضلة يمنية، فالمقاومة بكل تكويناتها مقاومة يمنية واحدة واجهت المعضلة في الميادين المختلفة، بالرغم من أن تشكيلات ميليشيات الهاشمية السياسية قد تدربت خلال الحروب الست على قتال وحدات القوات المسلحة اليمنية في شمال الشمال اليمني، متخذة أسلوب العصابات في الحروب، مستفيدة من خلاياها النائمة في صنعاء، في مؤسسات الدولة ومؤسسات السلطة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي انحازت للميليشيات الإرهابية منذ الوهلة الأولى.

هناك أخطاء وقعت فيها سلطات الدولة ووقعت فيها المعارضة، في التعامل مع الميليشيات المدعومة من نظام الملالي، كما أن هناك أخطاء دفعت اليمن ثمنها طيلة العشر العجاف، ارتكبها الإقليم، وارتكبتها القوى الدولية التي دعمت ميليشيات الهاشمية السياسية وحولتها من عصابة إلى أقلية تستحق أن تتسلط على الأكثرية.

كل الذين تهاونوا محليًا وإقليميًا ودوليًا مع ميليشيات الرب دفعوا الثمن، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي دعمت الحوثيين إبان حكم الديمقراطيين، داعمي الأقليات والنزاعات والصراعات والانقلابات، بغرض إدارة الصراعات في العالم حتى يتسنى لهم إدارة العالم الذي بات يبحث عن أقطاب قوة جديدة للخروج من الأحادية القطبية.

دفع الأميركيون الثمن من هيبتهم، ومن نقلهم التجاري، ومن تواجدهم العسكري في البحار والمياه الدولية، جراء أخطائهم في دعم الحوثيين، وجراء تهاونهم معهم، وجراء ضغطهم على التحالف العربي لإيقاف الحرب ومنع تسليحه، وها هم يعاودون إصلاح ما أفسدته سياستهم في المنطقة، وعادوا لرشدهم، وإلى ما يمكن ربطه بأخلاقياتهم في التعامل مع الإرهاب وقطاع الطرق. كما أن دول الإقليم دفعت ثمن خطأ دعم الانقلاب في اليمن، ودفعته القوى المحلية اليمنية كذلك.

كان الأجدر بكل هذه القوى، محلية وإقليمية ودولية، التعلم من المقاومة اليمنية في مواجهة هذه الجماعة الإرهابية، برغم تلقي جماعة الحوثي الإرهابية التدريبات في إيران ولبنان والعراق وسوريا، وإعدادهم المسبق، إلا أن المقاومة اليمنية، سواء في شبوة أو تعز أو عدن أو مأرب، أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن صاحب الحق ينتصر بقلة الناصر وشحّة الموارد وعدم الخبرة. إنها الإرادة اليمنية الحرة هي التي برزت فجأة في الميدان، وخاض "صعاليك الله" – كما أحب أن أسميهم – المواجهة مع "أنصار الله" كما يحبون أن يسموا أنفسهم.

قبل عشر سنوات، خرج شباب ورجال عدن من مختلف أطياف وشرائح المجتمع اليمني للدفاع عن مدينتهم عدن. وقد لعب اللواء عبدالله الصبيحي، قائد معركة السيف، دورًا كبيرًا في إعادة تنظيم صفوف المقاومة، وتدريبها على حمل السلاح، وتوجيه جهودها العسكرية في مواجهة ميليشيات الحوثي.

وكان لتوجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي أثر واضح في دعم تلك الجهود، من خلال التواصل المباشر والدائم مع نائب مدير مكتبه حين ذاك، الدكتور عبدالله العليمي، الذي مثّل همزة الوصل بين رئاسة الجمهورية وقيادات المقاومة الميدانية، وهو الدور الذي أسهم بشكل مباشر في تحقيق النصر وتحرير عدن.

كان هناك العديد من الرموز، مثل نايف البكري وعبد العزيز الحمزة وسقراط، وآخرين من خيرة شباب المدينة، المؤمنين بيمنيتهم وبحقهم في الدفاع عن دولتهم. وقدّمت المقاومة في عدن أكثر من 1500 شهيد، لكن النصر سُرق منهم، وجاء من لا علاقة له بالمعركة ليحوّل عدن إلى ساحة صراع قروي. اغتيل المحافظ جعفر محمد سعد، واغتيل رجال المقاومة، وشُرِّد الباقون، وعاد الشباب إلى منازلهم مقهورين، بدلًا من الاستفادة من بطولاتهم.

جاءت جماعة الحوثي الإرهابية، وجاءت معها كل الموبقات من طائفية وجهوية ومناطقية وقروية وقبلية، وكل أسباب التفكك والتمزق، فالمصائب لا تأتي فرادى. عاد أحفاد بابك الخرمي كما ظهروا أول مرة في بغداد، وكما ظهروا أول مرة في صعدة بقدوم الرسي حفيد بابك الخرمي. كان شاعر الأمة اليمنية عبد الله البردوني قد حذّر من تسلل الغزاة أحفاد بابك من كل باب. في قصيدته "الغزاة من الداخل" صرخ البردوني بصوته الناقد ليقول إن الخطر لم يعد خارجيًا فقط، بل تسلل إلى الداخل، إلى العقول، إلى الملابس، إلى التعليم، وحتى إلى الحب والعطر والسياسة. تتكرر العبارة المدوية: "فظيعٌ جهلُ ما يجري، وأفظعُ منه أن تدري" لتعبر عن الشعور بالعجز حتى أمام الإدراك نفسه.

القصيدة سردت مشاهد الغزو الساكن والخفي من خلال صور شعرية قوية، منها:
"فقد يأتون تبغًا في سجائر لونها يُغري"،
"وفي أقراص منع الحمل في أنبوبة الحِبر"،
"ومن مستعمرٍ غازٍ إلى مستعمرٍ وطني"،
فالغزو الخفي والمقنّع (الاستعمار من الداخل):
"غُزاةٌ لا أُشاهِدُهم وسيفُ الغزوِ في صدري".

الحوثيون جاءوا تحت شعارات دينية ووطنية مزيفة، متخفين خلف "الهوية الإيمانية" و"محاربة الفساد"، ولكنهم في الحقيقة مارسوا الاستبداد وسرقوا مؤسسات الدولة، فكان غزوهم لعدن وتعز وشبوة ومأرب والجوف غزوًا داخليًا يلبس قناع "التحرير" بينما يمارس الاحتلال والهيمنة.

كما وصف البردوني كيف يتسلل المستعمر في مظاهر الحياة، تسلل الحوثيون إلى التعليم، إلى الإعلام، إلى مناهج المدارس، إلى خطب الجمعة، إلى منظمات المجتمع المدني، إلى الأحزاب، إلى المجالس القبلية، إلخ، حتى أصبحوا يتحدثون باسم "الدولة" وهم يهدمونها.

هذه القصيدة نشرها البردوني في 1973، وكأنه قال بلسان كل المحافظات التي تعرضت لغزو أحفاد بابك الخرمي الذي سيطر على صنعاء، قال نيابة عنهم جميعًا: "أيا صنعاء، متى تأتين من تابوتك العفن؟"
بابك الخرمي في قصيدة البردوني:
"فنَمْ يا بابك الخرّمي على بلقيسَ يا بابِكْ"

هنا يوظف الشاعر بابك كشخصية تمثل الخيانة الكاملة للأمة الإسلامية، والنكوص عن الحق، والعودة إلى الباطنية المزدكية. استدعى البردوني من التاريخ، وهذا هو دور المثقف التنويري، إن حار في الواقع عاد لوقائع التاريخ وقارن ووضع الرمزيات للخروج من حالة التيه. لقد جمع بابك ببلقيس كجمع بين متناقضين لا يمكن جمعهما. بلقيس رمز أسطوري سبئي يشير إلى القوة، وإلى الإمبراطورية اليمنية في ذلك العهد، قبل أن يكون للفرس يد أو رجل في المنطقة، وبابك الذي ظهر إبان الخلافة العباسية كداعية للفارسية المزدكية.

والاستدعاء هنا هو استدعاء لرموز الصراع العربي–الفارسي

هذا الاستخدام يحاكي الأسلوب الفلسفي الرمزي الذي ميّز البردوني، حيث يمزج بين التاريخ والأسطورة، ليعكس الواقع اليمني الحديث. كما أنه استدعاء يمزج بين شيوعية بابك وإباحيته، إلى أن جاء الحوثي وشعاراته الثورية ضد الجرعة، وإباحيته، واستباحته للدولة بكل ما فيها.

بابك أراد إسقاط الدولة العربية الإسلامية – الخلافة العباسية – والحوثي أسقط الدولة اليمنية وهدد الإقليم والأمن القومي العربي.

هناك تشابه بين الجد والحفيد، ومن سوى البردوني الرائي الذي قرأ لنا الوقائع التاريخية وأسقطها على واقع يوشك أن يُعاد فيه التاريخ، ليترك لنا فكرة كيف نواجه بابك العصر الحوثي، ولن نجد إجابة على كيفية المواجهة إلا عند المقاومة اليمنية.

لقد خرج الرسي وبابك في القرن الثالث الهجري، والتوقيت هنا مهم، ويجمع بينهما فرس إيران، والحقد على العرب إجمالًا، كما أن الزيدية الراديكالية – من حيث المقارنة بالبابكية الخُرمية – تأثرت بها، خصوصًا في: تأليه القيادات، وغموض العقيدة، واستخدام الدين كغطاء لثورات سياسية.

التشابه بين بابك الخرمي وعبد الملك الحوثي ليس تطابقًا عقائديًا، بل هو تشابه في الوظيفة الإرهابية؛ فكلاهما استغل المظلومية، لبس لبوس الدين، وأراد إسقاط الدولة المركزية لإقامة حكم بديل، قائم على أفكار باطنية أو مذهبية. وكلاهما لم يحترم الإجماع الإسلامي ولا هوية الأمة، بل سعى إلى تمزيقها. من هذا المنطلق، استخدم عبد الله البردوني في قصيدته شخصية بابك الخرمي كرمز للخيانة السياسية المغلفة بالدين، وهو ما يمكن إسقاطه بسهولة على الحوثي اليوم.

كيف نستفيد من خطة الأفشين ضد الحوثيين؟

بالحصار طويل الأمد (السياسي والاقتصادي والعسكري)، وعدم انتظار معركة فاصلة، والعمل على إنهاك الحوثي داخليًا: تمزيق اقتصاده، تعطيل تمويله، تحجيم الإعلام الداعم له، وتفكيك الحاضنة الزيدية الخائفة أو الصامتة، فكثير من الزيديين لا يؤمنون بالحوثي بل يخافونه.

يجب إطلاق خطاب فكري وعقائدي وزيدي بديل ومختلف، يبيّن أن الحوثية ليست الزيدية، بل انحراف عنها. والعمل على الاختراق الأمني والاستخباراتي، والتسلل إلى مفاصل الجماعة، ودراسة شبكاتها، والانقضاض عليها من الداخل كما فعل الأفشين.

تجنيد "أفشين" اليمني القادر على الاستفادة من تجربة الأفشين التركي في التعامل مع بابك، لا بد من قائد استثنائي غير تقليدي، يؤمن بالمعركة، ويفكر بها كحرب بقاء وهوية، يتمتع برؤية سياسية وعسكرية معًا، لا مجرد زعيم قبلي أو عسكري تقليدي. والعمل على تجريد الحوثي من هالته الدينية والثورية، وكما سُحب البساط من بابك حين فُضحت هرطقته، لا بد من كسر قدسية الحوثي في أذهان مؤيديه.

لقد انتصر المعتصم على بابك، ليس بالقوة فقط، بل بالفكر، والمكر، والتخطيط، وتفكيك البنية العقائدية والاجتماعية للخصم. واليوم، من أراد الانتصار على الحوثي، لا يكتفي بالبندقية، بل يحتاج إلى: اختراق مذهبي وفكري، وحرب ناعمة داخل الحاضنة الزيدية، وتجنيد رموز بديلة، ومعركة سردية لكشف حقيقة المشروع الحوثي – الإيراني.

وكل ذلك لا يكون بدون الاستفادة من المقاومة اليمنية، وهي ليست مجرد ردّ فعل ضد الظلم أو الاحتلال، بل هي مفهوم فلسفي مركّب، ونظرية اجتماعية وسياسية، وسلوك إنساني عميق يتجاوز البندقية والمتاريس، ليتسلل إلى الفكر، والثقافة، والهوية، واللغة.

المقاومة هي فلسفة وجودية قبل أن تكون سلوكًا سياسيًا، وهي الوعي بأن "الصمت خيانة"، وأن "السكوت عن الظلم ظلم"، وأن "كل غزو – داخلي أو خارجي – لا يسقط إلا حين يصبح وعي الناس مقاومًا".