|    English   |    [email protected]

اليمن ومعايير الغرب المزدوجة.. عندما تتحكم المصالح وتسقط المبادئ

الثلاثاء 1 أبريل 2025 |منذ يوم
عبدالجبار سلمان

عبدالجبار سلمان

لطالما كانت السياسة الغربية، وخاصة الأمريكية والأوروبية، انتقائية في مواقفها تجاه القضايا الدولية، حيث تتغير المعايير والمبادئ وفقًا للمصالح الاستراتيجية. ويُعد الملف اليمني أحد أبرز النماذج التي تعكس هذا التناقض، إذ إن الموقف الغربي من الصراع في اليمن بدا متقلبًا ومتغيرًا، ليس بناءً على حقائق الأرض، بل وفقًا للجهة التي تقود العمليات العسكرية. 

عندما قاد التحالف العربي بقيادة السعودية عملياته العسكرية ضد الحوثيين، كانت الإدانات الدولية تتوالى، والمنظمات الحقوقية الغربية تصدر تقارير مكثفة تتحدث عن الوضع الإنساني، فيما كانت وسائل الإعلام الغربية تركز بشكل رئيسي على الضحايا المدنيين والأزمة الإنسانية، في محاولة واضحة لحشد الرأي العام العالمي ضد السعودية وشركائها في التحالف.

 ولكن، ومع تدخل الولايات المتحدة مؤخرًا عبر تحالف تقوده ضد الحوثيين بعد استهدافهم للسفن في البحر الأحمر، اختفت تلك الأصوات الحقوقية والإعلامية، وكأن الأزمة اليمنية قد انتهت، أو أن العمليات العسكرية هذه المرة أصبحت “مشروعة”. 

عندما أطلقت السعودية والتحالف العربي عملياتها في اليمن عام 2015، واجهت موجة هائلة من الانتقادات الغربية، حيث اتُهم التحالف بالتسبب في كارثة إنسانية، ووجهت له اتهامات بانتهاك القانون الدولي، مما أدى إلى فرض ضغوط سياسية واقتصادية على السعودية، وصولًا إلى فرض بعض الدول الغربية قيودًا على صادرات الأسلحة للمملكة بحجة استخدامها في الصراع اليمني.

 المفارقة أن هذه الانتقادات لم تكن تهدف إلى إنهاء الحرب أو إيجاد حل سياسي حقيقي، بل كانت جزءًا من استراتيجية للضغط على السعودية خدمة لمصالح الغرب والدول الداعمة للحوثيين، مثل إيران، التي كانت تستفيد من هذا الخطاب لتوسيع نفوذها في المنطقة. 

بمجرد أن قررت الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر ضد الحوثيين بعد استهدافهم السفن في البحر الأحمر، انقلب المشهد بالكامل. لم نعد نسمع الإدانات الغربية المعتادة، ولم تعد التقارير الحقوقية تتحدث عن الضحايا المدنيين أو تندد بالقصف الأمريكي كما كانت تفعل مع السعودية. بل على العكس، تحولت الرواية الإعلامية إلى تبرير الضربات العسكرية الأمريكية على أنها “دفاع عن الأمن الإقليمي والملاحة الدولية”. هذا التحول الواضح يثبت أن القضية لم تكن يومًا متعلقة بحماية المدنيين أو الدفاع عن حقوق الإنسان، بل كانت مدفوعة بحسابات سياسية واقتصادية.

 عندما كانت السعودية هي التي تقود التحالف، كانت الضغوط تتزايد لإضعاف موقفها الإقليمي. وعندما أصبحت الولايات المتحدة هي الطرف الأساسي في الصراع، تغيرت المواقف لتتوافق مع مصالحها، وأصبح ما كان يُعتبر “انتهاكًا” في السابق، يُبرر اليوم على أنه “ضرورة عسكرية”.

يظهر التناقض أيضًا في أداء وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، التي يفترض أنها مستقلة، لكنها أثبتت مرارًا أنها تتحرك وفق أجندات سياسية. عندما كان الهدف هو الضغط على السعودية، كانت هذه الجهات تسلط الضوء على المعاناة الإنسانية في اليمن بشكل مكثف، وتعمل على تأليب الرأي العام العالمي ضد التحالف العربي. أما اليوم، وبعد أن أصبحت واشنطن هي من تقود العمليات، لم نعد نرى نفس المستوى من الاهتمام الإعلامي أو الحقوقي، وكأن الضحايا هذه المرة لا يستحقون تسليط الضوء عليهم. الحقيقة الواضحة هي أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يتعامل مع النزاعات بناءً على القيم والمبادئ، بل وفقًا لمصالحه السياسية والاقتصادية. 

فالتدخل الأمريكي في اليمن لم يأتِ حرصًا على أمن المنطقة، بل لحماية مصالحه الاستراتيجية في البحر الأحمر، وضمان استمرار تدفق التجارة العالمية. ولو كانت واشنطن بالفعل حريصة على حقوق الإنسان، لكانت قد تحركت منذ سنوات للحد من تصرفات الحوثيين، لكنها لم تفعل ذلك إلا عندما تعرضت مصالحها المباشرة للتهديد. يكشف تعامل الغرب مع الصراع في اليمن عن سياسة “الكيل بمكيالين”، حيث كانت الإدانات تتوالى ضد التحالف العربي بقيادة السعودية، بينما التزم الإعلام والمنظمات الحقوقية الصمت عندما قادت الولايات المتحدة عمليات عسكرية ضد الحوثيين. 

هذا التناقض يؤكد أن المواقف الغربية لا تُبنى على المبادئ أو حقوق الإنسان، بل تتحكم فيها المصالح السياسية والاستراتيجية. ما كان يُعتبر “انتهاكًا” سابقًا، أصبح اليوم “ضرورة عسكرية” لأن الممول والفاعل تغيّر، مما يفضح حقيقة الخطاب الغربي ويفرض على الدول العربية إعادة النظر في اعتمادها على مواقف الغرب المتقلبة. ما يحدث اليوم في اليمن يجب أن يكون درسًا للعالم العربي بأسره، بأن السياسة الغربية لا تحكمها مبادئ العدالة أو القيم الإنسانية، بل تتحرك وفقًا لمصالحها فقط.

 إن الازدواجية في التعامل مع قصف اليمن من قِبل التحالف العربي مقارنة بقصفه من قِبل الولايات المتحدة تؤكد أن المنظمات الحقوقية والإعلام الغربي ليست سوى أدوات تستخدم عندما تخدم أجندات معينة، ثم تصمت عندما لا تكون هناك مصلحة في إثارة الضجيج. 

لذلك، على الدول العربية أن تعتمد على نفسها، وأن تبني سياسات مستقلة بعيدًا عن الوهم بأن الغرب سيقف إلى جانبها بوازع أخلاقي. فالتاريخ أثبت أن التحالفات تتغير، لكن المصالح هي التي تبقى ثابتة، وهذه المصالح هي التي تحكم مواقف الدول الغربية، وليس المبادئ أو القوانين الدولية.