العصر العظيماني

عبد ربه السقاف الطهيفي
قد يسيء بعض الإخوة غير اليمنيين فهم مصطلح "عظيماني"، فيظنون أنه مشتق من "العظمة"، بينما هو في الحقيقة منسوب إلى "عظيمان" أحد أشهر اليمنيين في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو إنسان بسيط يكتب الشعر الشعبي بطريقته الخاصة، ويتجمع كثير من المتابعين في صفحته ليتندروا على شعره، لكن مع الأيام أصبح عظيمان أشهر من أي شاعر آخر في الساحة اليمنية بل أشهر من البردوني و المقالح مجتمعان في الوسط الشعبي اليوم.
ما يميز هذا العصر في اليمن – للأسف – هو أننا نعيش ما يمكن تسميته بـ"العصر العظيماني"، ليس فقط على مستوى الشعر والفن، بل في كل مفاصل الحياة العامة: السياسة، القيادة، الإعلام، وحتى النخبة الثقافية والاجتماعية.
المغني "الشويع" نموذج آخر عظيماني في الفن، وحين ننظر إلى من يتصدر المشهد السياسي نجد أن كثيرًا من الوجوه البارزة هم "عظيمانيون" لا يمتلكون الحد الأدنى من الكفاءة أو الرؤية، وينتمون إلى نفس الحالة من الهبوط في المستوى.
لقد أصبحت "العظيمانية" اليوم مؤهلًا شبه رسمي، يجب توفره حتى يتصدر الشخص مجاله.
بل إن الكارثة تتعمق عندما نجد أن مراكز دراسات، تستقي منها الدول الكبرى معلوماتها عن اليمن، هي الأخرى عظيمانية، يقودها مجموعة من المهرجين العظيمانيين.
وحين أرادت في الأيام الماضية جهة دولية لقاء قيادات عسكرية يمنية لمناقشة خطة عسكرية، التقت بضباط "عظيمانيين" نقلوا بكل وضوح أسوأ انطباع عن مستوى الجيش اليمني.
العظيمانية تشمل اليوم – للأسف – زعماء قبائل، وشخصيات اجتماعية، وإعلاميين، كلهم يساهمون في تعميق الأزمة.
أتذكر موقفًا محرجًا عايشته جعلني أوقن تمامًا أننا دخلنا رسميًا هذا العصر العظيماني:
كنت أستضيف في بيتي في إحدى الدول العربية مجموعة من الأصدقاء، وكان بينهم أحد كبار مشايخ اليمن، رجلٌ عظيم في أخلاقه، ومكانته، وتاريخ أسرته القبلي العريق.
وفي ذات المجلس، حضر أحد الإعلاميين "العظيمانيين" ممن يتابعهم مئات الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي.
قدّمتُ الشيخ لهذا الإعلامي، وكان من المفترض أن يعرفه.
لكن ردة فعله كانت صادمة، إذ قال: "هاه، يعني من جماعة فلان؟ وهذا فلان عظيماني سخيف، مثل أخونا الإعلامي! وهو فعلا من أبناء قبيله الشيخ النبيل"
ابتسم الشيخ بهدوء وقال: "نعم، أنا من جماعة فلان."
أما أنا، فقد غرقت في حرج شديد، لازلت اذوقة إلى اليوم كلما تذكرت الموقف،
وأيقنت حينها أننا فعلاً نعيش العصر العظيماني بكل تفاصيله.
هذا الشيخ النبيل، الذي يمثل قيمة أخلاقية واجتماعية عالية، معتكف في داره، في زمن عظيماني يصعب على أمثاله الظهور فيه.
ومن يحتكّ اليوم بالنخبة السياسية أو بمراكز النفوذ، يدرك أن لا أحد يُستمع إليه أو يُؤخذ بكلامه ما لم يكن "عظيمانيًا".
هناك حجاب ثقيل بين الكفاءة الحقيقية ومراكز القرار، لا يُرفع إلا إذا أثبت الشخص أنه على "المستوى العظيماني" في الخطاب والشكل والمضمون، وعندها فقط تُفتح له الأبواب لأنهم حينها يعرفون انه أخوهم في العظيمانية،
لقد تحوّلت "العظيمانية" إلى مؤهل ضمني لا بد منه في جميع المجالات، لمن أراد الصعود، حتى لو افتقر إلى المعرفة أو الأخلاق أو القدرة الحقيقية.
أما أصحاب الكفاءة والعمق، فهم منفيون إلى الظل، يحجب بينهم وبين هذه المراكز افتقارهم للمهارات "العظيمانية".
إن ورطة اليمن اليوم لا تقتصر على الفقر أو الحرب، بل في النوعية "العظيمانية" التي تدير المشهد، والتي لا تمتلك من مقومات القيادة شيئًا.
وهذا ما يجعل أمل الخروج من هذا النفق المعتم أكثر تعقيدًا وإحباطًا.
ويبقى السؤال الأهم هل هؤلاء العظيمانيون مفروضون من جهه مؤثرة أوجدتهم؟
أم ان الوضع السيء الذي تعيشه البلاد لا يفرز بالضرورة إلا عظيمانيين؟
ونسأل الله السلامة