|    English   |    [email protected]

التداعيات الأمنية للاشتباك الإسرائيلي- الإيراني

الأحد 22 يونيو 2025 |منذ 6 ساعات
إسماعيل السهيلي

إسماعيل السهيلي

تشكل الحملة الجوية الإسرائيلية على إيران نقطة تحول حرجة في الأمن الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط، فقد تجاوزت حدود المواجهة العسكرية، لتفتح الباب أمام تداعيات أمنية عميقة تشمل السيادة الإقليمية، وأمن الطاقة العالمي، فضلا عن احتمالات عسكرة المضائق البحرية الإستراتيجية في المنطقة. 

   وإذا كانت إسرائيل في هجومها على إيران وتعامل المجتمع الدولي السلبي معه، قد أصابها بغرور القوة، فتمادت في تعريض الأمن الإقليمي والدولي للخطر، فإنه في ذات الوقت قد حفز دولا مركزية في المنطقة مثل تركيا مصر والسعودية لإعادة تقييم استراتيجيتها الدفاعية وسياسات الردع، خاصة في ظل تصاعد القلق من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكرر عن تغيير وجه الشرق الأوسط، وهو ما يعمق الهواجس الأمنية حول أن هنالك مشاريعا لإنتاج واقع هيمنة أحادي القطبية في المنطقة.

 وقد ظهرت سريعا بوادر المراجعات الأمنية الاستراتيجية في كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب متلفز يوم الاثنين الماضي عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي، أعلن فيه أن بلاده تضع خطط إنتاج لرفع مخزونها من الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى إلى مستوى الردع.

  ومن جهة أخرى تشكو بعض دول المنطقة مثل والعراق والأردن ولبنان وسوريا من أن الاشتباك ينتهك مجالاتها الجوية، وأنه يعرض سيادتها وسلامة مواطنيها وبنيتها التحتية للخطر، وتؤكد على حقوقها السيادة في منع ذلك، وهو ما يفتح الباب لاحتمالات تصعيد غير مباشر يهدد باتساع نطاق الصراع، زد على ذلك أن اتساع الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران جعلت المشهد الأمني في المنطقة أكثر هشاشة مع تصاعد المخاوف من انخراط ميليشيات مدعومة من إيران في دول مثل لبنان واليمن والعراق في نوع من الاشتباك يعزز دور فواعل ما دون الدولة على حساب الدولة الوطنية، ويهدد من جديد بإنتاج شكل من الفوضى الإقليمية في المنطقة.

   وقد تعقد المشهد الأمني في المنطقة وصار أكثر خطورة  مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باحتمالية المشاركة إلى جانب إسرائيل في الحرب، وتهديداته باستخدام أعمال قتالية غير تقليدية إن لم تستسلم إيران وترضخ بدون بشروط، ومواكبة ذلك بإرسال أصول قتالية مدمرة، تشمل حاملات الطائرات ومجموعاتها القتالية الضاربة، ونشر قاذفات استراتيجية، وتوسيع الانتشار البحري من شرق المتوسط شمالا إلى بحر العرب جنوبا، ورفع درجة التأهب القصوى في 12 قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، في المقابل هدد مسؤولون إيرانيون بأن مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم المباشر على بلادهم ستدفعهم لإغلاق مضيق هرمز، ومهاجمة السفن الحربية، واستهداف قواعد انتشار الجيش الأمريكي في المنطقة.

   وفي ذات السياق يبرز أمن الطاقة العالمي كواحدة من أخطر التداعيات الأمنية للاشتباك المتصاعد بين إسرائيل وإيران، فمع تزايد حدة الهجمات الجوية واتساع مسرح عملياتها، واستهداف مسيرات إسرائيلية لمنشآت نفطية إيرانية وبنية تحتية حيوية مرتبطة بإنتاج النفط والغاز، ومن ذلك استهداف حقل بارس المشترك بين إيران وقطر،  والذي يعد من أكبر حقول انتاج الغاز في العالم، تصاعدت التهديدات الإيرانية بإغلاق ممرات حيوية عالميا مثل مضيق هرمز الذي يعد أهم نقاط الشحن في العالم، ويمر عبره 11.1% من إجمالي التجارة البحرية العالمية، ونحو 20 مليون برميل من النفط يوميا، إلى جانب مضيق باب المندب الذي يمر عبره نحو 10% من التجارة البحرية العالمية، ونحو 4.8 ملايين برميل من النفط يوميا، والذي يشهد منذ أكثر من عام ونصف عمليات قتالية واستهداف سفن تجارية من قبل جماعة الحوثي المرتبطة بإيران، ومن المحتمل أن تفرض هذه البيئة الأمنية الخطرة مزيدا من عسكرة مضيقي هرمز وباب المندب، إضافة لبحر العرب والبحر الأحمر، وإعادة انتشار بحري واسع النطاق يشمل القوى التقليدية ذات الوجود العسكري الكبير في المنطقة (أمريكا، بريطانيا، فرنسا)، وربما قوى دولية وإقليمية جديدة لها مصالح تجارية حيوية تمر عبر المضيقين مثل الصين والهند وتركيا مع إمكانيات تشكّل تحالفات بحرية جديدة لحماية الملاحة الدولية والأمن البحري في المنطقة. 

 في التحليل الأخير إذا ما أضفنا للمخاطر الأمنية ذات الصلة بأمن الطاقة العالمي قيام إسرائيل بإغلاق أكبر حقولها المنتجة للغاز والذي أدى إلى وقف تدفق الغاز نحو مصر والأردن، ما دفع القاهرة إلى تفعيل خطط طوارئ للحفاظ على إمدادات شبكة الكهرباء، فإنه يمكن القول بأن نُذِر أزمة طاقة عالمي تلوح في الأفق، في حال تصاعد الاشتباك. 

  أخيرا وليس آخر لا يمكن تجاهل مخاطر التلوث الإشعاعي فاستهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية في نطنز وفوردو ومواقع نووية أخرى، قد شكل حالة أمنية مقلقة للعالم خاصة، ولإيران دول الخليج العربي بشكل خاص، ومع  تحذير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي من احتمال حدوث تلوث إشعاعي وكيميائي داخل منشآت التخصيب النووي الإيراني، ومع قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالتحذير من مخاطر استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وفي ذات الوقت تطمين مواطني الخليج بعدم رصد مؤشرات إشعاعية غير طبيعية، إلا أن خطر التسرب النووي من منشآت إيران النووية يبقى ماثلا، ويزيد من الهواجس الأمنية أن عشرات الملايين في دول الخليج العربي يعتمدون بشكل شبه كلي على تحلية مياه الخليج للحصول على المياه للشرب ولمستلزمات المعيشة، وهذا المشهد الأمني القلق يعيد إلى الأذهان سيناريوهات كارثية لتسربات اشعاعية نووية على غرار تشيرنوبيل أو فوكوشيما، كما أنه يعزز الحاجة الملحة والعاجلة لوقف الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية.   

 ختاما: التداعيات الأمنية تتصاعد ومع الخشية من احتمال طول أمد المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، ودخول الولايات المتحدة على الخط تزداد احتمالات جر المنطقة لفوضى إقليمية جديدة.