أعد التقرير لـ“برّان برس” - عمار زعبل:
أعلنت جماعة الحوثي المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، الجمعة 3 مايو/ أيار 2024م، البدء في تنفيذ المرحلة الرابعة من تصعيد هجماتها ضد سفن الشحن التجارية في البحر الأبيض المتوسط.
وطبقا لبيان لمتحدث الجماعة العسكري، يحيى سريع، تتمثل المرحلة الرابعة من التصعيد “استهداف كافة السفن كافة المتجهة لـ”إسرائيل” في البحر الأبيض المتوسط، وفي حدود المناطق التي تصل إليها أسلحتها، مشيرًا إلى أن تنفيذ القرار يبدأ من ساعة إعلانه، دون النظر إلى جنسية السفن أو وجهتها”.
وفي وقت سابق الخميس 2 مايو/ أيار، أعلن زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، عن “التحضير لجولة رابعة من التصعيد، إذا استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة”، وفق تعبيره.
ويأتي إعلان الحوثيين تصعيد عملياتهم في البحر الأحمر، بعد أيام من إعلان الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن، من “تعطيل الجهود التي كانت تبذلها المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، بفعل التوتر في البحر الأحمر والتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط التي أعاقت زخم المفاوضات، بعد التوصل لخارطة طريق لحل الأزمة اليمنية".
وللحديث عن تأثير ذلك التصعيد على جهود عملية السلام في اليمن، ومدى إمكانية جماعة الحوثي المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، من مهاجمة السفن في البحر الأبيض المتوسط، التقى “برّان برس”، بباحثين سياسيين، رأوا في مجمل حديثهم ارتباط التصعيد بنظام إيران والصراع الدولي في المنطقة.
قدرات الحوثي
الباحث السياسي، الدكتور "عادل دشيلة" قال إن تصعيد جماعة الحوثي اتجاه البحر المتوسط “لا يأتي من فراغ"، مرجعاً ذلك كون الجماعة “أصبحت ضمن الأذرع الصلبة في المنطقة المرتبطة عسكرياً ولوجستياً وأمنياً وسياسياً بنظام إيران”.
وأوضح “دشيلة” في حديثه لـ "برّان برس"، أن "الأذرع الإيرانية في المنطقة كثيرة سواء في سوريا أو في لبنان أو في العراق والخليج أو في اليمن"، وهي من ستستهدف الملاحة الدولية المتجهة إلى إسرائيل، ومن ثم يأتي دور الحوثي ليتبنى العملية، لافتاً إلى أنه “لا يهم من المستهدف ومن المتبني للعملية، كونه ضمن محور في المنطقة، والحوثي هو ضمن ذلك المحور”.
وفسّر "دشيلة" ما ذهب إليه عن التصعيد الحوثي اتجاه البحر الأبيض المتوسط، بالنظر إلى "الوضع الإقليمي، والصراع الدولي الدائر فيه، بين محاور عدة، أولها المحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، ومحور الجنوب العالمي من الدول الصاعدة مثل الهند ودول أخرى في القارة الأفريقية وهناك أيضاً المحور الصيني الروسي، وحليفه في الإقليم إيران".
وقال: "لهذا هناك صراع محاور، وهذه المحاور لم تعد إقليمية كما كان في السابق يعني صراع إيراني إسرائيلي، أو صراع إيراني سعودي، فهناك اليوم صراع محاور دولية، واليمن يطل على منطقة استراتيجية هامة بالنسبة للملاحة الدولية وهي مضيق باب المندب".. مشيراً إلى أن الجماعة "منخرطة في هذا الصراع، عبر المحور الإيراني".
حسابات السلام
وعن تأثير التصعيد على عملية السلام في اليمن، لا يرى الباحث "دشيلة" أي تأثير “كون عملية السلام مجمدة منذ فترة”، واصفاً التحركات الأخيرة في هذا الجانب بأنها “محاولة لإنعاش العملية السياسية في الوقت الراهن، من خلال تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن، أو الرغبة السعودية لتنفيذ صفقة تم الاتفاق عليها مع جماعة الحوثي برعاية عمانية".
وأردف: "السعودية تريد أن تمرر هذه الصفقة برعاية الأمم المتحدة، ولكن هذه الصفقة هي، ما تزال غير واقعية"، مشيراً إلى أن "القوى اليمنية في الداخل، لن تقبل بها، سواء تيار الانفصال ممثلاً بالمجلس الانتقالي أو حتى القوى المؤيدة للشرعية وهي الأحزاب السياسية".
وأضاف: "المبادرة أو خارطة الطريق التي لم يتم الإعلان عنها بشكل واضح أي عن بنودها والآلية التنفيذية هي عبارة عن اتفاق مبدئي بين السعودية والجانب الحوثي"، موضحاً أن التصعيد المعلن عنه اليوم “سوف يؤجل الحديث عن تلك الخارطة”.
ويرى "دشيلة" بأنه "حتى لو رغبت السعودية في تنفيذ هذه الخارطة وجماعة الحوثي قبلت بها أيضاً، ولم تتوافق مع المصالح الأمريكية بالتأكيد سيتم إفساد هذه الصفقة".
قدرات إيرانية
عن قدرات جماعة الحوثي العسكرية والتي يمكنها الوصول إلى البحر المتوسط، أعاد الدكتور "عادل دشيلة" التأكيد بأن الجماعة “مرتبطة بمحور كبير متواجد في المنطقة وله امتداد من سواحل البحر المتوسط إلى سواحل البحر الأحمر، مشيراً بأنه لا يهم من سيقوم بعمليات عسكرية".
ويرى أن "لدى الحوثي قدرات عسكرية، سواء من الصواريخ الباليستية أو الطيران المسير والأسلحة الأخرى التي تدفقت إلى الجماعة خلال العقد الماضي، من خلال التهريب أو العلاقات المباشرة مع إيران".
وأضاف: "جماعة الحوثي أصبحت اليوم حليفاً قوياً لإيران في المنطقة وهو ما يحتم على إيران أن توفر بعض القدرات العسكرية أو الأسلحة القوية التي لها نوع من الفاعلية في حال تم استخدام هذا الأسلحة ضد أي قوى إقليمية أو دولية في المنطقة".
إيعاز إيراني
بدوره، يؤكد "محمد الولص بحيبح" رئيس مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والإعلامية، أن إعلان جماعة الحوثي التصعيد في البحر المتوسط "إعلان سياسي استخباراتي إعلامي بإيعاز من الجانب الإيراني لذراعها (الحوثي) التي يقودها جنرال إيراني جديد وصل مدينة الحديدة قبل سنة تقريبا ويدعى إبراهيم جليلي".
وقال “بحيبح” في حديثه لـ "برّان برس"، إن "جليلي، حسب رصد قام به المركز، الذي يديره يعتبر من أهم قيادات استخبارات الحرس الثوري، ويتنقل حالياً بين صنعاء والحديدة وهو مسئول ملف التصعيد البحري، وأن الحوثي مجرد (كومبارس)"، وفق تعبيره.
ويتوقع "بحيبح" بأن "يسمع الجميع في قادم الأيام عن استهداف مكثف لناقلات الملاحة الدولية، وكل ذلك مرتبط بالأجندات والتوجهات الإيرانية التي تريد إرسال رسائل اقليمية ودولية وتصفية حساباتها بعيداً عن أراضيه.
قال “بحيبح” إن "ما تقوم به الجماعة الحوثية لا يتناسب مع السلام، وأنه ليس لديها أي نوايا في هذا الملف"، مستبعداً بأن تعمل الجماعة "على وضع السلاح جانباً بل على العكس ستعمل على التصعيد والتحشيد".
ويتفق "بحيبح" مع ما ذهب إليه "دشيلة" بأن قدرات الحوثيين “هي في الأصل إيرانية، فهي من لديها قدرات ضخمة كما أن معها الجماعات التابعة لها في منطقة الشرق الأوسط، وهي تستطيع تحريك أذرعها متى وكيف شاءت وفق أطماعها وتلاعبها بالأمن الإقليمي والدولي".
امتعاض أممي
وفي 28 أبزيل/نيسان الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن أسف الأمم المتحدة لتعطيل الجهود التي كانت تبذلها المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب في اليمن.
وقال “غوتيريش”، في تصريحات تلفزيونية، إن الجهود السابقة كانت قد توصلت إلى نتائج مهمة مع جماعة الحوثي المصنفة إرهابيا، وتفاهم مبدئي كان سيسمح للأمم المتحدة بالمضي قدما نحو اتفاق السلام.
ولم يسمي الأمين العام للأمم المتحدة الجهة المسؤولة عن تعطيل جهود السلام، إلا أن مبعوثه الخاص إلى اليمن “هانس غرندبرغ” قال في تصريحات سابقة، إن "التوتر بالبحر الأحمر والتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط أعاقت زخم المفاوضات، بعد التوصل لخارطة طريق لحل الأزمة اليمنية".
وفي إحاطة قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن إلى مجلس الأمن قدمها منتصف إبريل/نيسان الجاري أعرب “هانس غروندبرغ” عن أسفه من تعثر الزخم نحو التوصل إلى اتفاق، مطالبا المنطقة والمجتمع الدولي بالابتعاد عن عقلية “المحصلة الصفرية”.
ومنذ نوفمبر/تشرين الأول الماضي، تشن جماعة الحوثي المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، هجمات بالصواريخ والمسيرات تجاه سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر، تقول إنها تأتي "تضامنا" مع الفلسطينيين في الحرب بين إسرائيل وحماس.
وأدت هجمات الحوثيين إلى زيادة تكاليف التأمين على السفن التي تعبر البحر الأحمر، ودفعت العديد من شركات الشحن إلى تفضيل الممر الأطول بكثير حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، شكلت الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الرئيسي لإسرائيل تحالفا متعدد الجنسيات، لحماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الجماعة المصنفة في قوائم الإرهاب.