برّان برس - وحدة الرصد:
صدر أمس الثلاثاء 28 مايو/أيار 2024م، في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، حكمان قضائيان قضى الأول بسجن الصحفي المعتقل في سجون المجلس الانتقالي الجنوبي “أحمد ماهر” أربعة أعوام، فيما قضى الثاني، بإعدام قائد لواء النقل في الجيش اليمني “أمجد خالد” بعد خلاف سياسي مع المجلس.
ولاقت تلك الأحكام القضائية، ردود فعل منددة بشكل واسع، من قبل كيانات نقابية وحقوقية، اعتبرتها “تجيير للقضاء للانتقام من الخصوم السياسيين”. وقالت إن تلك المحاكمات “لم تكن عادلة، إذ لم يسمح لماهر في حقه بالتقاضي كما حوكم “أمجد خالد غيابيا”.
عرقلة وتجاوزات
ورصد “برّان برس” ردود الأفعال المنددة بتلك الأحكام، وكانت البداية مع "مرصد الحريات الإعلامية" الذي قال إنه تتبع قضية الصحفي "أحمد ماهر" بدءا من جمع البيانات والشهادات منذ اعتقاله، مؤكداً أن الجهات الأمنية والقضائية في عدن “تعمدت عرقلة سير محاكمته، كما افتقرت المحاكمة لأبسط معايير المحاكمة العادلة.
وتحدث المرصد في بيان اطلع عليه “برّان برس”، عن “اختلالات وتجاوزات قانونية” قال إنها “تدل على عدم وجود إنصاف للصحفي ماهر، منها، اعتقاله بطريقة غير قانونية من منزله وبدون أوامر قضائية، ومن ثم إخفاؤه قسرًا لما يقارب الشهر، ومنع أسرته من زيارته، وتعرض محاميه للتهديد والاعتقال”.
وقال إن "الأجهزة الأمنية والنيابة الجزائية المتخصصة بعدن داهمت مكتب المحامي سامي ياسين، وصادرت وأخفت ملفات القضايا، ومن بينها ملف أحمد ماهر، الذي يحتوي على وثائق تثبت براءته.
واتهم المرصد النيابة بـ“اعتقال المحامي سامي ياسين في نوفمبر 2023 إمعانًا في مصادرة حقوق الدفاع المكفول قانونيًا للصحفي أحمد ماهر”، لافتاً إلى أن “أسرة ماهر لم تسلم من بطش الجهات الأمنية فقد تم اعتقال شقيقه مياس لأكثر من شهرين والاعتداء على والدة وتهديد أسرته، مما دفع جميع أسرته لمغادرة عدن حفاظًا على سلامتهم”.
دوافع سياسية
من جهتها، اعتبرت نقابة الصحفيين اليمنيين، الحكم ضد “ماهر” بأنه “يحمل دوافع سياسية بعد حرمانه من حقه في الدفاع عن نفسه"، لافتة إلى أن المحاكمة “افتقرت لأدنى ضمانات ومعايير المحاكمة المنصفة".
وفي بيان اطلع عليه “برّان برس”، أدانت النقابة، حكم الجزائية بحق الصحفي أحمد ماهر، واتفقت مع ما ذهب إليه مرصد الحريات الإعلامية، بأنه "جاء بعد سلسلة من الانتهاكات والإجراءات التعسفية التي تعرض لها الزميل منذ اعتقاله في السادس من أغسطس 2022م".
وقالت إن الحكم "أتى بعد سلسلة انتهاكات جسيمة ابتداءً باختطاف الزميل أحمد ماهر وتعذيبه وإرغامه على تسجيل فيديو تحت الإجبار، مرورا بالإبقاء عليه فترة طويلة دون محاكمة عادلة"، داعية إلى "إلغاء هذا الحكم والإفراج عن الزميل ماهر وتوفير ضمانات قانونية لمحاكمة عادلة في حال وجود تهمة”.
انتقام سياسي
وفي السياق ذاته، قال المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، في بيان له تعليقاً على حكم الجزائية بعدن بسجن “أحمد ماهر”، اطلع عليه “برّان برس”، إن القضاء في اليمن “أصبح أداة من أدوات الانتقام السياسي وقمع الحريات”.
وذكر المركز أن "مثل هذه الأحكام تعكس مستوى التراجع الخطير لممارسة العمل الصحفي وحرية الرأي والتعبير في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي".
وأشار إلى أن حكم السجن ضد الصحفي (ماهر) “يُظهر بشكل لا لبس فيه بأن القضاء أصبح أداة من أدوات الانتقام السياسي وقمع الحريات”، معتبرًا "استمرار تجاهل الأجهزة القضائية لحقوق الصحفي القانونية والحكم عليه انتهاك غير مبرر". ودعا "للإفراج الفوري عنه دون اشتراطات".
ممارسات كيدية
إلى ذلك انتقد الكاتب "ياسين التميمي" الحكم الذي قضى بحبس الصحافي "ماهر" وإعدام الضابط في الجيش اليمني "أمجد خالد" واللذان قال إن “كلاهما يناهضان الانفصال”.
وذكر "ياسين" في تدوينة، رصدها “برّان برس”، بأن المحكمة الجزائية، هي “متخصصة أصلاً بالجرائم الإرهابية”، لافتاً إلى أن ما نسب إلى أمجد وماهر، وغيرهما يدخل في “إطار الممارسات الكيدية الواضحة التي يقف خلفها المجلس الانتقالي ومن يدعمه مستغلاً سيطرته الأمنية المطلقة على العاصمة المؤقتة عدن”.
وقال: "الضابط يفترض أن يحاكم أمام القضاء العسكري والصحفي يفترض ان يحاكم أمام القضاء العادي اذا كانت هناك تهم حقيقية عليهما"، منوهًا إلى أن "العميد المحكوم عليه بالإعدام متهم بمحاولة اغتيال محافظ عدن الحالي.. بينما من قتلوا محافظ عدن الأسبق اللواء جعفر محمد سعد خارج الحسابات القضائية للمحكمة الجزائية المتخصصة في عدن".
واتهم "التميمي" المحكمة الجزائية بـ“تجاهل عشرات الجرائم الإرهابية التي يعرف اليمنيون مرتكبيها والأطراف المحلية والخارجية التي تقف وراءها، وتحدث الإعلام الدولي ووثق بعضا من تلك الجرائم التي نفذها مرتزقة اسرائيليين وامريكيين وفرنسيين".
وأردف: "هذه الأحكام ربما تعبر بدقة عن مغزى التغييرات التي طالت جهاز القضاء وقد نرى توجهات أخطر من هذه تتوسل القضاء في تصفية الحسابات السياسية والمناطقية"، مشيراً إلى أن "المحكمة الجزائية المتخصصة تحولت إلى أداة قمع في يد طرف يشارك في السلطة، لكنه لا يمثل كل السلطة ولا يهمه أمر اليمن بل يقاتل حتى يعيد تفكيك اليمن وتشطيره".
وقال "ياسين": "لهذا لا غرابة إذا رأينا الأحكام القضائية تلاحق وتستهدف كل من له علاقة بالدولة اليمنية ويتبنى مواقف مناهضة للانفصال والانقلاب الحوثي الإرهابي في صنعاء".
انتقام وخذلان
أما الصحفي، عدنان هاشم، فكتب تدوينة، رصدها “برّان برس”، قال فيها: “أصدرت محكمة في عدن حكماً بإعدام اللواء أمجد خالد وعدد من ضباط الجيش اليمني قاتلوا في معركة عدن عام 2019 ضد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً! اتهموا بكونهم عصابة مسلحة! والصحفي أحمد ماهر حكم عليه بالسجن 4 سنوات في القضية ذاتها”.
وانتقد “هاشم” صمت وزارة الدفاع والحكومة وموقفها الذي وصفه بـ“المتخاذل”، وقال: “لم يصدر موقف من وزارة الدفاع التي كانوا تحت إمرتها، ولا من الحكومة اليمنية التي دافعوا عنها، ولا من الصحفيين التابعين للحكومة الشرعية في عدن ومأرب وتعز وكل مكان وكأن الأمر لا يعنيهم”.
وأردف: “لا شيء يبرر الخذلان الذي يعاني منهم قادة الجيش.. لا شيء يمنحكم سلطة أخلاقين للحديث عن انتهاكات الحوثيين بحق الجيش والأمن في مناطقهم في وقت تهدمون كل شيء في مناطق الحكومة.. هذه عصابات تحكم وتدير وتنتقم! لا بارك الله بالضعيف!..”.
الصحفي ماهر
وأمس الثلاثاء 28 مايو/ أيار الجاري أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب (محكمة أمن الدولة) في العاصمة المؤقتة عدن، حكماً بسجن الصحفي المختطف أحمد ماهر أربع سنوات، وذلك بعد نحو عامين من اعتقاله وتأجيل جلسات محاكمته لأكثر من مرة.
وكانت أسرة ماهر قد أدانت الحكم الذي قالت هي الأخرى بأنه سياسي وظالم، كما أنه غير قانوني بحق نجلها من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة م/عدن والذي نص على سجنه أربع سنين رغم أنه لم يقدم ضده أي دليل".
وأوردت أن بطلان الحكم وغير قانونيته كونه "يتنافى مع كافة مبادى العدالة وينتهك مواد الدستور والقانون التي وفرت الحماية الكاملة للعاملين في مجال الصحافة وفقا للقانون رقم (25) للعام 1940م".
وأشارت الأسرة الى أن نجلها الصحفي أحمد ماهر "سوف يستأنف الحكم في محكمة الاستئناف الجزائية ويستعرض الدفوع التي لم تفصل فيها الابتدائية وهي من دفوع النظام العام وفقا للمادة(185-186)".
وأعربت أسرة ماهر عن أسفها بشدة "لتجاهل المحكمة الابتدائية لمواد القانون الواضحة التي استعرضها نجلها أمام المحكمة (8-9-103-105-177-132-133-321-322-38-402)".
وفي أغسطس من عام 2022 قامت قوات تابعة للمجلس الانتقالي بمداهمة المنزل واختطافه مع شقيقه وتم منعه من الوصول إلى المحكمة لأكثر من عام واشتكى أكثر من مرة تعرضه للتحقيق في مقرات أمنية وظروف طبيعية وقال إنه أجبر على الإدلاء باعترافات في قضايا اغتيالات وتفجيرات وتم تصوير تلك الاعترافات وبثها للرأي العام.
وفي نوفمبر 2023 وضع تقرير للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن قضية الصحفي أحمد ماهر نموذجاً للاعتقال والإخفاء القسري والتهديد والإرغام على الإدلاء بالاعتراف الذي يتعرض له صحفيون ينتقدون المجلس الانتقالي الجنوبي.
العميد أمجد خالد
وأصدرت المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة في عدن ايضا، أمس، حكماً بإعدام قائد لواء النقل في الجيش اليمني، العميد "أمجد خالد" وستة آخرين بتهمة “الاشتراك في عصابة مسلحة”، بتهمة “الاشتراك في عصابة مسلحة”.
وقال "أمجد خالد" في تسجيل مصور اطلع عليه "برّان برس"، يعتبر أول ظهور له عقب إصدار الأحكام، إنه لا يعترف بالحكم القضائي بإعدامه وآخرين، واصفاً المحكمة بـ"الانتقالية" في إشارة إلى تبعيتها للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وأكد "خالد" أن "الأمر ليس بجديد، من قبل من أسماهم بـ“الإخوة في المجلس الانتقالي"، متهماً الانتقالي بأنه لم يستثن أي آلية في تصفية خصومه السياسيين، سواء بالقتل أو عمليات الاغتيال أو الاختطاف".
وأشار إلى أن “الانتقالي مؤخراً يريد إظهار نفسه بأن لديه رجال دولة، فذهب للعمل على تجيير أحكام قضائية ضد خصومه السياسيين"، معتبرً أن تلك الأحكام القضائية الصادرة بحقه ومن معه، "لا تمت إلى العدالة بصلة، وقال "إذا كان هناك من قانون وقضاء ودستور فنحن ملتزمون به، وأكدنا هذا الموضوع أكثر من مرة".
وأردف: “نطالب بلجنة تحقيق محايدة، تتواجد في مكان نستطيع فيه أن نوفر فيه لأنفسنا دفاعاً حقيقياً، لأنه كلما وكلنا محاميا للناس أو لنا في المحاكم الموجودة في عدن، قاموا بتهديدهم وتخويفهم ومؤخراً اعتقلوا أحد الإخوة المحامين، وهو سامي ياسين".
وفي 26 فبراير/شباط الماضي، أقيل أمجد خالد من منصبه في قيادة لواء النقل العام، وعين بدلاً عنه العميد الركن أحمد جابر القطيبي قائدا للواء النقل العام والعقيد سالم السعيدي قائدا للواء النقل الخفيف، بقرار أصدره رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي القرار الرئاسي حمل رقم 30 لسنة 2024.
ويتهم الانتقالي الجنوبي "خالد" بـ“الإرهاب” خاصة بعد المواجهات التي خاضها المجلس في أغسطس 2019 ضد القوات الحكومية التابعة حينها لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.
وبعد اتفاق الرياض التي وقعته الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، خرج "أمجد خالد" ومن عدد من منتسبي اللواء إلى مدينة التربة جنوبي محافظة تعز.
ويأتي الحكم القضائي ضد "خالد" نتيجة خلافه السياسي مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وقد نفى مرارا التهم المنسوبة إليه والتي ظل إعلام الانتقالي يرددها طيلة الفترة الماضية خاصة بعد أن تصاعد الخلاف بينهما في أغسطس 2019، حين بدأ الانتقالي يتخلص من بعض القادة العسكريين.
والمحكمة الجزائية المتخصصة استخدمها "الحوثيون" شمالي اليمن كأداة قمع بحق المختطفين والمعتقلين، وهي محكمة تعد غير قانونية، كونها وفق خبراء تخلو من أي شكل يمكن حمله على منطق الصلة بالقانون، إنما تقوم بتلك الإجراءات الصورية كجزء من التعذيب النفسي والجسدي للمعتقل.